قبل أيام تقدمت حكومة الاحتلال الصهيوني في فلسطين المغتصبة إلى الكنيست الصهيوني لتمرير مشروع قانون «الدولة القومية اليهودية»، الذي يحوّل فلسطين العربية إلى دولة قومية يهودية، وممارسة الانتهاكات العنصرية بكل أنواعها الوقحة ضد الفلسطينيين أصحاب الأرض الأصليين، ورفض أي حديث عن حقهم في العودة إلى بلادهم، وطرد أو تهجير أي فلسطيني من أرضه بأية مبررات واهية، وفصل مدينة القدس عن أية مفاوضات.
وتتصور حكومة العدو الصهيوني أنها في حال استطاعت تمرير القانون العنصري البغيض عبر الكنيست، سيفتح لها الطريق لعرض مشروعها العنصري على هيئة الأمم المتحدة ليأخذ الصفة الدولية، وإذا ما تمكنت من تمريره دولياً تبدأ في تطبيقه عملياً على أبناء الأراضي الفلسطينية المحتلة بأساليب أكثر عنصرية من السابق.
لم تتجه حكومة الكيان الصهيوني إلى هذه الخطوة الخبيثة إلا بعد أن قامت بعنصريتها المعهودة بالتضييق الخانق على أهلنا في فلسطين السليبة، سياسياً واقتصادياً وإنسانياً واجتماعياً وتعليمياً، وممارسة كل أنواع الإرهاب المنظم ضدهم، وجعل الملايين منهم يفرون بحياتهم، وترك أراضيهم التي تمتد جذورهم فيها إلى ما قبل الميلاد، والهجرة إلى الدول العربية والأوروبية، والاستيلاء قسراً على مزارعهم وممتلكاتهم، وإحلال مكانهم ملايين اليهود من كل أصقاع الدنيا، ومنحهم الجنسية الإسرائيلية من الدرجة الأولى، وإنشاء المستوطنات المجهزة بكل الوسائل والإمكانيات، مع إعطائهم الأولوية في كل المشاريع الاقتصادية والصحية والتعليمية التي تنفذها في الأراضي الفلسطينية المغتصبة. وفي المقابل حرمت الفلسطينيين من الاستفادة من أغلب الخدمات والمشاريع المهمة التي تنفذ في وطنهم الأم.
لقد حاولت حكومة الكيان الغاصب الاستفادة من اشتغال الدول العربية الكبرى بالفتن الطائفية والإرهاب المدعوم سياسياً وعسكرياً من جهات دولية وإقليمية لشنّ حرب عدوانية مدمرة على قطاع غزة البطولة والفداء في 8 يوليو/ تموز 2014، والتي أسمتها «الجرف الصامد»، واستخدمت فيها كل أنواع الأسلحة الفتاكة والمحرّمة دولياً وسط صمت دولي وإقليمي قاتل. وقد أوقفت حربها العنجهية بعد سقوط مئات الشهداء وآلاف المصابين والمشردين، وتدمير البنية التحتية في غزة، ولكنها لم تفلح بترسانتها العسكرية الضخمة من تحقيق أهدافها العسكرية التي شنت الحرب من أجلها، وخرجت منها تجر أذيال الخيبة والخذلان، بعد أن كلفتها الحرب أكثر من 15 مليار شيكل، دون أن تتمكن من تحقيق أهدافها العسكرية.، أو إيقاف صواريخ المقاومة الفلسطينية عن الوصول إلى عمق المواقع الصهيونية الحيوية، ولهذا قال بعض الخبراء العسكريين إن الكيان الصهيوني هُزم عسكرياً هزيمةً نكراء وقاسية في حربه على غزة، ما أدى إلى مطالبة بعض أجنحة الكيان الغاصب بإجراء انتخابات مبكرة وحل الحكومة الائتلافية الحالية. وللتهرب من واقعها السياسي المنهار تقدمت بمشروع قانون الدولة القومية اليهودية، حيث تتصوّر أنها من خلاله تستطيع تحقيق أهدافها العنصرية البغيضة، وفي مقدمتها، تحويل أصحاب الأرض والتاريخ والتراث إلى أقلية سكانية في بلدهم المحتلة. وهي تعتقد أن تحقيق مشروعها الاستيطاني الواسع الذي يضمن لها أكثرية سكانية في الأراضي المحتلة، والفتن الطائفية والمذهبية والعرقية التي تعصف بكبريات الدول العربية وتهدّد كياناتها السياسية، تمثل فرصةً سياسيةً ذهبية لها، لا يمكن تفويتها.
ولن يستغرب العالم إذا ما تقدّمت الحكومة الصهيونية في العام المقبل (2015) إلى هيئة الأمم المتحدة لمطالبتها بتحقيق المصير لليهود في فلسطين المغتصبة عن طريق إجراء استفتاء شعبي في أرض الأنبياء والمرسلين (ع)، لتحقق لها إمكانية تحويل فلسطين العربية إلى دولة يهودية عنصرية.
رغم خطورة هذا القانون على الأرض الفلسطينية وعلى أبنائها، إلا أننا لم نجد أية تحركات سياسية أو ردود أفعال عربية جادة على مختلف المستويات الرسمية والشعبية، وكأن الأمر لا يعنيهم في شيء. لقد مر على الاحتلال الصهيوني لفلسطين 65 عاماً، وخاض عدة حروب طاحنة مع العرب بمساعدة أميركية وأوروبية، وقتل عشرات الألوف من العرب وشرد ملايين الفلسطينيين من أرضهم، واستولى على ممتلكاتهم وأحلّ مكانهم يهوداً من مختلف أصقاع الأرض، وغيّر في التركيبة السكانية لفلسطين المحتلة، حتى جعل أصحاب الأرض المقدسة أقلية سكانية بعد أن كانوا غالبية، وعاث في أرض الأنبياء فساداً.
ولا ندري اليوم، ماذا سيفعل العرب والمسلمون عندما يأتي اليوم الذي يطالب فيه الكيان الصهيوني الأمم المتحدة تقرير مصير اليهود في فلسطين المحتلة، ومطالبتها بإجراء استفتاء شعبي تحت إشرافها؟ وكيف سيتصرفون في حال رأوا العالم المساند للكيان الصهيوني يبدي تأييده لهذه الخطوة الصهيونية؟ هل سيتركونه يحقق مآربه الخبيثة دون أن يتحرك لهم جفن؟
الوضع في الأراضي الفلسطينية خطير جداً، والظروف العربية والإسلامية عصيبة، ويتوجب على العالمين العربي والإسلامي التفكير جدياً في قضيتهم المركزية، المسجد الأقصى الشريف، والعمل على إنقاذ فلسطين وأهلها من سلطة الكيان الصهيوني البغيض، فإن التسويف والتجاهل والتغافل واللامبالاة جميعها تشجّع الصهاينة على التمادي في غيِّهم.
إقرأ أيضا لـ "سلمان سالم"العدد 4478 - الأربعاء 10 ديسمبر 2014م الموافق 17 صفر 1436هـ