قُتِلَ اليهود في روما أيام نيرون بِكِذبة. وذُبِحَ زفنغلي بِكِذبة. وسُفِكَت الدماء في واسّي الشامبانية بِكِذبة. وتلاعب جانسين برؤوس ضحايا الأناباتيست بِكِذبة. وأشاع كل من ميلانختون وأوسياندر وأوربانس ريجيوس حقدهم الطائفي بِكِذبة. وفي العصر الحديث، قَتَلَ الهوتو التوتسي (والعكس) بِكِذبة. بل وتمَّ غزو العراق بِكِذبة. والأمثال لا تنتهي.
إذاً، عاش الناس ولازالوا في عالَمٍ مليءٍ بالكذب والشائعات. تطوّر الحال اليوم، مقارنةً بالأمس، أن وسائل الاتصال الحديثة، جعلت من الكذب حاضراً في كل شيء. كذبٌ في السياسة والدين والاقتصاد والعلم، بل وحتى في الصراعات التجارية بين الشركات، حين يبحث المتنافسون على أدوات رخيصة، لضرب بعضهم بعضاً للاستئثار بالمستهلِكِين.
قبل عدة سنوات أجرت مجلةٌ مرموقةٌ دراسةً تبيَّن لها حجم الكذب الممارس حتى في العقاقير الطبية! فقد ظهر أن 30 في المئة من الأدوية التي تُباع في أجزاء من إفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية هي مُزوّرة! ثم لنا أن نتخيَّل ما هو مضافٌ عليها من مأساة، ونفغر فاهاً حينما نعلم أن قيمة مبيعاتها العالمية تلك تصل إلى 75 مليار دولار بعد بحر عام واحد!
هذا يعني أن البشر لا يموتون فقط في الصراعات الدينية والسياسية أو في السجون، بل أيضاً يُقتلون بِكِذبة علمية وعلى أيدي مَنْ يُفتَرض أن الناس ضعفاء بين أيديهم لسقمهم وهم الأطباء. لقد وصل الحال بتلك الشركات أن تُوهم المرضى بعلاج ناجع وفوري، في حين أن حقيقته تقول أن لا أمل فيه بالمطلق، وفوق هذا وذاك يُتربَّح من رفات أولئك الفقراء وأجسادهم النحيلة عندما يموتون أيضاً! أي إجرام أزيد من هذا يا تُرى.
أمام كل ذلك، يظهر لنا أن أوضاع الناس في هذا العالَم هي في خطرٍ دَهَم الأنحاء كلها. فالمشكلة الأساسية هنا، أن كل شيء في الحياة أصبح وهمياً ولا يمت إلى الصدق بشيء. تشكيكٌ في كل شيء، وربما كان أشد الأمور خطراً هو ما يجري على أثير الكذب والشائعات من ضرر على العلاقات الاجتماعية، والأواصر «المفتَرَضة» التي تربط البشر بعضهم ببعض، عوائل وطوائف وأعراقاً وأدياناً.
اليوم، بات الناس يصبحون ويُمسون على كثير من الشائعات والكذب الذي يصلهم عبر التراسل الفوري في هواتفهم المحمولة. ومن المؤسف جداً، أن كثيراً مما يُرسَل يتحوّل بسبب سرعة انتشاره إلى حقيقة مؤكدة، في الوقت الذي هو أبعد ما يكون عنها. وتزداد فداحة الأمر تباعاً إن كان تحريضاً سياسياً أو دينياً، أو تشجيعاً على كره طوائف وجماعات.
كم مِنْ شخصيات محترمة قد تم تضميخ وجهها بالوحل وبكل ما هي سيء وهي نقية السريرة وبيضاء اليد! وكم من مؤسساتٍ نَشِطة ومشروعة قد تم وسمها بقبيح الفعل! وكم من عوائل محترمة أُلصِق بها ما ليس فيها من عمل «شيطاني»! كم هو مؤسفٌ أن يُنسَفَ تاريخٌ ناصعٌ لأيٍّ كان بسبب رسالة مشبوهة لا أساس لها ولا فصل ولا قيمة تذكر!
ويزداد الأمر فداحةًً عندما يتم تسريج الخيول ضد الطوائف والأديان، ودقّ طبول الحرب على أبوابها، لا لشيء، سوى أن أحداً قال كذباً وصدقه الدهماء! هذا الأمر حصل في السابق كما أشرنا ويحصل في هذا الأوان، الذي من المفتَرَض أن تكون فيه الإنسانية على قدر معقول من التعليم والثقافة وقلة الأميّة ورؤية التطورات بعين ضوئية، مقارنةً بالسابق، حين وقعت مآسي الشعوب في آسيا وأوروبا ووسط إفريقيا، في ظل غياب تام للتكنولوجيا.
فإذا لم يكن التعليم والقدرة على استحضار الشواهد الحياتية المتدفقة من سرعة الزمن قادِرَيْن على التحقق من مسألة الغث والسمين، فلا خير في ذاك ولا في المهارات التي أنتجها المحيط له. فمن أهم الأشياء التي يمنحها التعليم للفرد هو فضح الجهل أمامه وتعريته، وبالتالي إبعاده عنه كونه خلاف العلم. وعندما لا يتحقق ذلك، يُفتَرض أن يكون الخلل في ذلك التعليم، أو حتى في الفرد، الذي ربما ينتمي إلى عقل جمعي لا قرار فيه لأحد.
كل رسالةٍ تأتينا يجب أن نتساءل: مَنْ كتبها وماذا يُريد؟ ربما كتبها جاهلٌ أو مغرضٌ أو صاحبُ نيَّةٍ خبيثة. هل يرضى متعلمٌ أن يُصدِّق شيئاً من جاهل؟ وهل يرضى نَقِيٌ أن يتلوَّث بكذِب حاقد؟ وهل يقبل المتآلفون، أن يأتي لهم مَنْ يُفرِّق شملهم، ويجعلهم شتاتاً لا لشيء، سوى أنهم قرأوا غثًّا لا يُعتَد به؟ هذا الأمر هو الذي يجب أن ندركه جميعاً، في ظل كثرة الحاقدين وتعاظم مصالح أبناء الذوات والطامعين في الثروات.
أختم المقال، بحادثة تاريخية ذكرها ابن عبد البر في الانتقاء. الرواية تقول بأنه قد نَمِيَ إلى جعفرِ بن سليمان حاكم المدينة، أن مالِكَ بن أنسٍ أفتى بأن طلاق المُكرَه لا يجوز، وأنه يعني بذلك أن بيعَةَ الخليفة العباسي غير مُلزِمَةٍ لأحدٍ لأنها أُخِذَتْ بالإكراه، فجاءَ به وأمرَ الجلاوزة بتعليقهِ من يديهِ ورجليْه على شكل أفقي، ثم أخذوا يضربونه بالسِّياطِ حتى انخَلَعَت كَتِفُه «وارتكبَ منه أمرٌ عظيم». يقول راوي الخبر: فما زال مالِكٌ يعظم في أعين الناس منذ ذلك الوقت، وكأن تلك السِّياط كان حلياً حُلِّيَ به.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 4471 - الأربعاء 03 ديسمبر 2014م الموافق 10 صفر 1436هـ
متابع
أستاذ محمد لا تحزن من الزائر 5 ، فلا ترمى بالحجر إلا الشجرة المثمرة ، وهكذا قدر الشجار المثمرة في هذه الدنيا ، و لهذا
إذا أردت أن تحلق مع الصقور، فلا تله نفسك مع الدجاج.
مقال رائع
احسنت عزيزي على هذا المقال الرائع
على ان العرب
هم اكثر الامم تخلفا في كل شئ الا في فن الكذب و تزوير الحقائق فهم امة متفوقة على كل الامم في هذا المجال ومن يقرأ صحف ....واخواتها العربية و كذلك قنواتهم الفضائية وما يكتبونه عن حكومة العراق وعن الارهاب المزعوم الذي يتهمون به منظمات لم تفجر في مشفى او مقهى يرى العجب العجاب في كذبهم على تلك المنظمات التي تدافع عن العراق وشعبه . بل لقد بلغ بالاعراب واعلامهم انهم قالوا ان الشيعة في العراق لا يتجاوزون ال 40% بل ان احدهم قال ان الشيعة ا20% فهل هناك امة اكذب من هذه الامة
علي جاسب . البصرة
متابع . . . العراق يعيش على كذبة
الأجهزة التي كانت تباع للعراق على أنها أجهزة كشف عن المتفجرات تبين أنها أجهزة كشف عن كرات الغولف !!! . . . . وتم القبض على جيمس ماكورميك ( المسوق لهكذا أجهزة ) ومحاكمته بالقضاء البريطاني ،،، واحسرتاه على أرواح آلاف الناس وعلى سكان بغداد الأبرياء الذين ظنوا ((( بكذبة ))) أنهم مؤمنون بأجهزة دقيقة تتيح لهم العيش بأمان بعيدا عن المتفجرات
معلومة : الرئيس حيدر العبادي قال أن هناك 50000 جندي وهمي بالعراق كانت تدفع لهم الرواتب . . . وقال ما اكتشف حتى الآن هو رأس الجليد فقط !! . . رحماك يا رب
ما فيها شي
لا تخاف ما في احد راح يسوي لك مثل ما صار حق الامام مالك ابن انس قول اللي تبيه و كلامك يبقى حبر على ورق و لا تسوي روحك بطل الامة. قول كل اللي في خاطرك جان احد التفت لك اوعبرك خخخخ
الجهل والحمق
اذا اجتمع الجهل والحمق فعلى الدنيا السلام
وتم انتهاك حقوقنا بكذبة النفق لايران من الدوار
تم انتهاك حقوقنا وهدم مساجدنا وقتل أبناءنا وسجنهم وفصلهم بكذبة وجود نفق من الدوار لإيران لجلب السلاح وتم على إثرها إدخال درع الجزيرة وإعلان السلامة الوطنية وقيام الكثير بتصديق الكذبة للتشفي ونقول لازلنا نتنفس ومستمرين لانتزاع حقوقنا...ا...
ليس العوام فقط بل حتى اصحاب العقول كما يوصفون
لو صدق العوام الإشاعات لكان أهون على العقل ولكن ان يصدقها اساتذة جامعات واصحاب منابر فهذه مصيبة ما بعدها مصيبة
أسعد الله صباحكم
تسلم يا عزيزي على هادا المقال الصريح نعم الكذب وهي عادة مدمومه لكل البشر وهيه علامه من علامات النفاق لا يغفر لصاحبها ابدا ويكون موضعه في الدرك الأسفل من النار والعياذ بالله اليوم في جريدتكم الغراء لفت انتباهي لكلام مفتي جمهوريه مصر عندما خانه التعبير هل من قصد أو لا عندما صرح أن مرجعيات البحرينيه ولائهم إلى الخارج كيف عرف هو بذالك ولأئنا الوحيد للبحرين
مقال في الصميم
يجب توعية الصغير والكبير المتعلم والأمي بخطر نشر اي معلومة تصلنا
لان هذه الأجهزة باتت في أيدي الكل