يتناول الباحث مينو بريوشافت في كتابه الصادر حديثاً بالألمانية تحولات الخطاب الديني-السياسي في السعودية حول قضايا الدولة والدين والهوية، طارحاً في بحثه لرسالة الدكتوراة في أكثر من 400 صفحة، تساؤلات حول دور وحدود العامل الديني كجامع مشترك للهوية، ومدى تأثير التسامح على التعددية الدينية والسياسية والإثنية في المملكة العربية السعودية، من خلال رصد المفاهيم والأفكار التي تم طرحها في لقاءات الحوار الوطني المتعددة.
ينطلق الباحث في معالجته لهذه المواضيع من خلال الإشارة إلى اقتصار الباحثين الغربيين على الصور النمطية المتداولة عن علاقة الدين بالدولة، وتأثير ذلك على مختلف السياسات الداخلية والخارجية، خصوصاً مع نمو الجماعات المتطرفة وتصاعد العمليات الإرهابية في الداخل والخارج، وارتباطها بجماعات دينية تحمل مفاهيم متشددة. ويؤكد أن ذلك بحد ذاته مدعاةٌ لمراجعة التحوّل في الخطاب الديني تجاه القضايا والمواضيع المستجدة في المجتمع.
الغرض من الدراسة – كما يوضحها الباحث – هو دراسة وتحليل الخطاب الديني والثقافي وتطوره حول قضايا مدنية حديثة، كالتعددية الدينية والهوية والحوار والمواطنة، مراعياً كون الخطاب الديني يحتل موقعية مركزية في حوارات المجتمع السعودي، وموضحاً أن هناك أصواتاً تجديديةً بناءةً تحاول أن تمزج بين ضرورة التعددية الدينية مع الحفاظ على موقعية الدين في الهوية الوطنية.
يسعى مينو لتقديم صورة تحليلية وافية عن طبيعة النقاش والجدل الذي يدور في أروقة مركز الحوار الوطني، من خلال تحليل مضامين الخطابات لعديد من المشاركين الذين يمثلون توجهات مختلفة، ما يعطي القارئ فهماً أعمق للحوار الدائر حول قضايا التعددية، بل تتعمق لدراسة مضامين الآراء تجاه «الآخر» ضمن الدائرة الإسلامية وخارجها، وما يترتب عليها من مواقف وسياسات كالإقصاء أو الإدماج مثلاً.
يتتبع الباحث تاريخياً تطور الخطاب الديني خلال نصف القرن الماضي، من خلال دراسة آراء أبرز علماء المؤسسة الدينية والقيادات الفكرية، حول الموقف من الحوار مع الآخر المختلف من المسلمين وغيرهم، وكذلك الموقف من المفاهيم المستجدة كالوطنية وغيرها، ملاحظاً أن هناك تساهلاً أكبر في الحوار مع المختلف سياسياً أكثر منه مع المختلف عقدياً.
يدور الجدل كثيراً – حسب رأي المؤلف – حول الخلاف على المحافظة على الثوابت الدينية للوطن والهوية الوطنية، وبين التحوّل للتعددية والحداثة من ناحية أخرى، حيث يطرح بعضهم مفهوم «الوسطية» كمعالجة لذلك. ويؤكّد الباحث أن معظم توصيات اللقاءات تؤكد على دور الدين كعامل وحدة واستقرار في المجتمع السعودي. ويشير إلى أن التحدّي الذي نتج من تصاعد العمليات الإرهابية باسم الدين، شكّل هاجساً وتحدياً كبيراً لدى المشاركين في رسم حدود فاصلة وواضحة بين الإسلامي وغير الإسلامي في تصنيف هذه الجماعات وأعمالها.
ويوضح الباحث أن هذا الجدل قد يكون سبباً في دفع بعض المشاركين إلى طرح مفاهيم جديدة على المجتمع السعودي كالمواطنة المنبثقة من الفهم الديني، التي تدعو إلى مزيدٍ من التسامح والقبول بالتعددية، وكذلك التأكيد على الوسطية والحوار، وجعلها أسساً للمواطنة والمساواة والوحدة الوطنية.
إضافةً إلى ذلك، قام الباحث بقراءة وتحليل مضامين كتابات أبرز المثقفين الدينيين السعوديين ومن بينهم: عبد العزيز القاسم وحسن الصفار ومحمد محفوظ، خصوصاً فيما يتعلق بتفريقهم بين الأصول والفروع، وتأكيدهم على القيم الاجتماعية والثقافية والاقتصادية للتنوع والتعددية، موضحاً أن بعض هذه الخطابات لا تزال مرتبكةً تجاه العلاقة مع الآخر.
إقرأ أيضا لـ "جعفر الشايب"العدد 4470 - الثلثاء 02 ديسمبر 2014م الموافق 09 صفر 1436هـ