العدد 4468 - الأحد 30 نوفمبر 2014م الموافق 07 صفر 1436هـ

أربعينية الرفيق الراحل عبدالله خليفة

حسن جاسم رضي

باحث بحريني

شهدت البحرين منذ مطلع القرن العشرين حراكاً شعبياً امتاز بالمد الثوري أحياناً، والجزر تارةً أخرى، ففي خمسينيات القرن الماضي كان مداً ثورياً طال معظم البلدان العربية، والبحرين واحدة من تلك البلدان. وما يدلّل على ذلك حركة هيئة الاتحاد الوطني بين العام 54 و1956.

وفي فترات المد الثوري والحراك الاجتماعي والسياسي المتصاعد، تتجذّر الجماهير أو قطاع كبير منها، فيخلق ذلك المد الثوري أرضية خصبة لأفكار اليسار الثوري، وكان بالفعل ما حدث آنذاك حيث نشأت جبهة التحرير الوطني البحرانية إلى جانب حركة القوميين العرب، فكان النشاط الثوري المتقد ليس حصراً على البناء التنظيمي فقط، بل وبتوعية الجماهير بمطالبها الشرعية والتنديد بالسياسة الاستعمارية البريطانية عبر الإضرابات العمالية والمظاهرات الطلابية والجماهيرية.

تلك الأجواء السياسية، بالإضافة إلى الفقر المدقع بين الأحياء السكنية، دفع الكثير من الجماهير المتعطشة للحرية والكرامة والعيش الرغيد، إلى الإحساس بالصراع الطبقي، وتشكّل الحس الوطني، وهذا ما ينطبق على حياة الرفيق المناضل والكاتب المبدع عبدالله خليفة، الذي تربّى في بيوت العمال، ونشأ في أوساطهم بفريق العمال «اللينات» المبنية من سعف النخيل بمنطقة القضيبية.

وفي أجواء مدرسية ذات حراك ثوري، كان تلميذاً ذكياً وشغوفاً بقراءة مختلف الكتب والروايات السياسية، ما أهّله بمدرسة الحورة الثانوية لقيادة المظاهرات الطلابية، وبالخصوص في العام 1965، أثناء انتفاضة مارس المجيدة. هذا النشاط الثوري العفوي قاده للالتصاق بمجموعة من رفاق الجبهة، وبالتالي سجّل انتماؤه للجبهة العام 1966، فكان رفيقاً نشيطاً وحريصاً على القراءة والاطلاع باستمرار، فكان يتابع كتابة القصة والرواية وسرد الحياة النضالية في مؤلفاته الأدبية بأسماء مستعارة، حفاظاً على التنظيم وإبعاد الأعين عنه.

فإن كان ثمة مناضلون يتنافسون في البذل والعطاء، كل حسب قدراته وإمكانياته وطاقاته، فإن بعضهم يواصل المشوار ،في حين يتوقف البعض الآخر، وآخرون يكونون في وضع متذبذب، خصوصاً عندما تمر بهم الأزمات السياسية وطغيان حب الذات. أما الرفيق عبدالله خليفة فإنه سما على ذلك، فقد كان مناضلاً بارزاً ووفياً للطبقة العاملة والمستخدمين وللمبادئ الأممية.

وعلى الرغم من أن الرفيق عبدالله خليفة عاصر فترتي المد والجزر الثوري للحركة الوطنية البحرانية، إلا أنه ظل وفياً ومخلصاً لمبادئه ونهجه العلمي المستند على التحليل الماركسي اللينيني، وهذا ما نشهده في أعماله الأدبية وتحليلاته السياسية، وكما قيل عنه بأنه يتسم يثلاث سمات أساسية: الأولى أنه يمتاز بإلمامه بالتاريخ والثقافة العربية والإسلامية، ويتميّز في كتاباته بالدقة العلمية والنهج اليساري في تحليله لمختلف الظواهر الاجتماعية؛ أما الثانية فهي الانتماء الوطني، وهي صفة جميلة يتحلى بها اليسار الوطني، فكان مخلصاً لوطنه وأهله وفكره المستند للتحليل العلمي والموضوعي؛ أما السمة الأخيرة التي يمتاز بها عبدالله خليفة فهي الشجاعة في الكتابة والتعبير عن الرأي، كما تجلى في رواياته الأخيرة عن عمر بن الخطاب وعن علي بن أبي طالب ومحمّد ثائراً غير طامع في المال والجاه ... إلخ

وأخيراً لم يتوقف قلم عبدالله خليفة بوفلاسة، وهذا اللقب لا يعترف به في كتاباته بسبب أن هذا اللقب يأخذ شهرة القبيلة وهو لم يكن يحب أن يكون من القبائل، فكان مصاحباً لنشاطه الأدبي ليس فقط في أخبار الخليج، بل أيضاً كان عضواً بارزاً في أسرة الأدباء والكتاب البحرينية. وقد شهد لنشاطه الأدبي العديد من الكتاب من مختلف الصحف المحلية والعربية وخصوصاً صحيفتي «الوسط» و»أخبار الخليج» البحرينيتين.

رحلت يا عبدالله وتركت للأجيال القادمة إرثاً أدبياً ثرياً ونادراً في هذا الزمن الرديء والمرتد، حيث التراجع في مسار الحركة اليسارية في البحرين وفي الوطن العربي منذ التسعينيات من القرن الماضي، إذ أضحت الساحة السياسية مرتعاً للأنظمة العربية الرجعية المستبدة، ولأفكار الإسلام السياسي الظلامية الرامية إلى طمس معالم الحرية والديمقراطية والتقدم والسلام.

إقرأ أيضا لـ "حسن جاسم رضي"

العدد 4468 - الأحد 30 نوفمبر 2014م الموافق 07 صفر 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 1:28 ص

      الرفيق معنى جميل الى رقم1

      ليسمح لي الكاتب بالرد نيابة عنه لمعرفتي بمواقفه الهادئة ولا أتصور يرغب في الرد:
      كلمة رفيق معنى جميل وذي قيمة وبعد انساني وياصحبي هذه الكلمة أستخدمة منذو بدايات نشر الدعوة الاسلامية وكانت تستخدم محمد "ص" ورفاقه والرفاقة ليست للدلالة على اليسار أو الاشتراكية وما يخص السعي للحصول على المال ليست في تعارض مع المبدأ فذك حق انساني وانجلز كان من كبار ملاك المصانع وهو صانع لمبادئ الاشتراكية ولك صادق تحياتنا.

    • زائر 2 | 10:59 م

      المثقف النظيف

      عبدالله خليفةأديب لم تجرفه الاغراءات عصامي وقلمه منحاز للفقراء بسيط ومتواضع عندما تلتقيه للمرةالاولى تشعر وكأنك التقيته منذ دهرا ترك ثروة فكريةوادبيةتظل علامةمضيئةفي مسيرةالحركةالادبيةوالفكرية لبحرين عصره كما فعلها أسلافه من أدباء بحرين ذلك الزمان
      تحية إجلال لك ايها القامةالادبيةالشامخة
      ايها الكاتب الجميل والملتزم بطريقالنقاء والكلمة الصادقة شكرا لك على هذا المقال المعبر عن سمات الوفاء والشكر موصول الى الكاتب رضي السماك على مقاله الذي سبق هذا المقال
      مقالاتكم رسالة الى رفاق دربه لاحياء ذكراه

    • زائر 1 | 9:20 م

      اوه كلمة عتيقة لم تعد تسمع ( رفيق)

      رفيق تقال للاشتراكي اليساري تم التخلي عنها في معقل الاشتراكية السابق روسيا وربما جتى الصين لا تكترث كثبيرا بها اما عشاق الاطلال عندنا يحرصون على استخدامها للتذكير بزمن يرونه جميل في تاريخ البحرين مع العلم ان الرفاق الكبار لم يورثوا الرفقة لابنائهم ولم يأخذ عنهم الابناء و كثير من الرفاق انفسهم انغمس في ملذات الرأسمالية واحد فرسانها الاشداء يخوض معارك المال بكل شراسة بقلب لا يعرف الرحمة فاصبح رفيق بالهوية

اقرأ ايضاً