تتضمن بعض الوثائق التي نشرت مؤخراً في موقع www.qbl.qa بالتعاون مع المكتبة البريطانية، معلومات مقتضبة ومتناثرة عن بعض مناطق وقرى البحرين ومن ضمنها «البلاد القديم». ورغم البحث والانتقال من وثيقة إلى أخرى، كانت النتيجة أن معظم ما كتب عن عاصمة البحرين القديمة، «البلاد القديم» كان في كتاب ضخم واحد تم التعامل مع أقسامه المتعددة كوثائق متعددة وليس ككتاب واحد. هذا الكتاب هو كتاب «دليل الخليج» الذي ألّفه جون جوردن لوريمر (1870-1914) والذي كان يعمل في قسم الشئون الخارجية بحكومة الهند البريطانية. وقد قامت حكومة الهند بطباعة هذا الكتاب الضخم العام 1908 و1915، كما تمت إعادة طباعته العام 1970 أيضاً. ويعتبر الكتاب من أهم الكتب وأكثرها شمولاً لتاريخ وجغرافية المنطقة في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين.
اللافت هو أن لوريمر في كتابه «دليل الخليج»، لا يثبت على طريقة واحدة في كتابة اسم «البلاد القديم»، بل يغيّر في بعض حروفها تغييراً طفيفاً من موقع إلى آخر. فعلى رغم أنه يكتبها أحياناً (Balad al Kadim) فإنه يكتبها (Belad -el-Kadim) أحياناً أخرى. كما يذكر المؤلف أن سكرتير حكومة الهند في قسم الشئون الخارجية كان يطلق اسماً آخر، وهو «ولاية القديم».
من اللافت أيضاً، فيما خص التسميات، أن لوريمر كان يطلق على مسجد الخميس اسم «مسجد مدرسة أبوزيدان»، كما أشار إلى اسم منطقة تقع في ضواحي بلاد القديم، وأسماها «بلاد الرفيع»، وربما تكون هي المنطقة التي يقع فيها مسجد «الجبل»، الذي كان يعرف سابقاً بمسجد «الرفيع» لارتفاعه عدة أمتار عن مستوى الأرض.
يقدّم لوريمر وصفاً تاريخياً مهماً لمنطقة بلاد القديم حيث يكشف بعض معالمها مع بداية القرن العشرين. يقول: «قرية كبيرة في جزيرة البحرين، تبعد ميلاً ونصف الميل تقريباً إلى الجنوب الغربي من قلعة المنامة. تتألف مما يقرب من 350 بيتاً مصنوعاً من الطين والقصب، بالإضافة إلى الكثير من أطلال بيوت كانت مبنيةً بشكل جيد. في الجنوب الغربي منها توجد ضاحية (suburb) تسمى بلاد الرفيع. والأرض التي تقع في الشمال الغربي من القرية يطلق عليها «سوق الخميس»، وهي سوقٌ يرتادها الكثيرون وتنعقد كل يوم خميس على مدار العام. نصف ميل تقريباً من المنازل القائمة تقع أطلال مسجد مدرسة أبو زيدان. للمسجد منارتان نحيلتان لازالتا قائمتين وطولهما 70 قدماً. بالإضافة إلى جبل الدخان، تشكل هاتان المنارتان علامةً بارزةً تقود السفن القادمة لميناء المنامة. في وسط القسم الخرب من القرية تقع عين أبو زيدان وقد بني عليه مسجد حديث للشيعة. مياه العين الصافية تتدفق في خزان يقصده وجهاء البحرين في فصل الصيف للاستحمام».
ويتحدّث عن السكان ومهنهم والوضع الاقتصادي للقرية فيقول: «سكان قرية البلاد القديم من البحارنة، وهم يعملون في تجارة اللؤلؤ والزراعة والخياطة. بالنسبة للماشية، ففي القرية 21 حماراً وسبع بقرات. أشجار النخيل في القرية يقدّر عددها بـ 11500 شجرة، وهناك أيضاً بعض أشجار التين واللوز والرمان، كما يزرع فيها الورد والياسمين».
وفي موضع آخر من الكتاب يصف لوريمر البلاد القديم بقوله: «موقع قديم موجود ما قبل الاحتلال البرتغالي. من معالمه الرئيسية مسجد مدرسة أبو زيدان ذو المنارتين النحيلتين والرائعتين. ومحاط هذا المسجد بأطلال لبيوتٍ ومبانٍ. وفي وسط هذه الأطلال عين أبو زيدان مع الحمّامات التي بُنيت بشكل جيد. سوق يوم الخميس لاتزال تعقد هنا».
وفي موضع ثالث يضيف لوريمر: «المجموعة الأساسية من التلال كانت في عالي، ولكن وجدت بعض التلال في بلاد القديم أيضاً. من غرب المنامة وحتى بلاد القديم توجد مزارع النخيل المتصلة. الأشجار الرئيسية في هذه المزارع هي أشجار النخيل والعنب والتين والرمان واللوز والخوخ والتمر الهندي والأترج والمشمش والتوت».
بالإضافة إلى كتاب لوريمر، هناك بعض الوثائق الأخرى التي ذكرت البلاد القديم أيضاً، وخصوصاً بعض مراسلات وتقارير المستشار بليغريف، الذي يتحدّث مثلاً، عن المدرسة التي أنشئت بالقرب من سوق الخميس، كما يتحدّث عن مستوصف المنطقة. في بعض مراسلاته التي كتبها بين عامي 1934 و1937 كتب المستشار: «سيتم افتتاح مستوصف في بلاد القديم التي تتميّز بموقع مركزي إلى حد ما. قامت الحكومة البحرينية بالإعلان في الهند بحثاً عن الشخص المناسب لتولّي هذه المهمة. هناك اقتراح بأن يمنح هذا الشخص سيارةً ليتمكّن من زيارة القرى المجاورة في أيام محددة من الأسبوع».
ربما من الممكن القول هنا بأن الوثائق البريطانية تشير إلى ثلاث مراحل من عمر بلاد القديم. حين يذكر لوريمر «أطلال بيوت كانت مبنية بشكل جيد»، بالإضافة إلى التلال الشبيهة بتلال عالي فإنه يذكر بمرحلة قديمة من عمر هذه المنطقة وسابقة للفترة التي كتب فيها كتابه، وهذا ما أكّد عليه حين ذكر في موضع آخر بأنها «موقع قديم موجود ما قبل الاحتلال البرتغالي».
المرحلة الثانية من عمر البلاد القديم هي المرحلة التي يتحدّث عنها لوريمر في كتابه، حيث البيوت المبنية من القصب والطين والعيون والأشجار والماشية. أما المرحلة الثالثة فهي التي يتناولها المستشار بليغريف، ويتطرق فيها لبداية تحديث المنطقة ونشوء المؤسسات الرسمية الحديثة فيها.
كل مرحلة من هذه المراحل الثلاث تبرز جانباً من مميزات البلاد القديم. بالحديث عن الأطلال والمباني المندثرة في القرية، في المرحلة الأولى، تبرز إحدى مميزاتها المتمثلة في قدمها وتاريخها الممتد، كما أن الحديث عن العيون والثمار المتنوعة يبرز كم كانت خضراء وجميلة وعامرة في المرحلة الثانية. أما المرحلة الثالثة فتشير إلى كون البلاد القديم من أوائل المناطق التي تأسّست فيها المؤسسات الحديثة كالمدارس والمستوصفات، لما تتميّز به من موقع يؤهلها لذلك.
رغم كل ذلك، يبقى من اللافت أن هذه الوثائق البريطانية تتحدّث عن المنطقة أكثر مما تتحدّث عن أهلها. وتحوي الوثائق معلومات تفصيلية عن أنواع الأشجار والثمار، وأعداد الحمير والبقر، كما ذكرها لوريمر.
إقرأ أيضا لـ "حسن سعيد"العدد 4467 - السبت 29 نوفمبر 2014م الموافق 06 صفر 1436هـ
أمطار الشتاء
تعديل حول مسمى المسجد الرفيع حيث يطلق على مسجد جمالة وليس مسجد الجبل و كلاهما يمتازان بطول اساساتهما
أمطار الشتاء
تعديل حول مسمى المسجد الرفيع حيث يطلق على مسجد جمالة وليس مسجد الجبل و كلاهما يمتازان بطول اساساتهما
بلاد الجود
بلاد القديم عاشت
تاريخ ناصع
ربما لا نحتاج لأن نبرهن على عراقة هذه الارض واصالة هذا الشعب الطيب ولكن اصبح لزاما علينا ان نستخرج كل ما هو مدفون ومطمور لكشف الحقيقة الدامغة ولحفظ تاريخنا وتراثنا من استهتار السفهاء وحقد الجهلاء
بلادي
كبيرة يابلادي