يوما بعد يوم يتضح للمرء أن الشعب العربي عموما والمثقف العربي خصوصا مصاب بعدد من الأمراض وغير قادر على تجاوزها لأنها تعمقت فيه ومن بينها مرض الشك.
إن هذا المرض متبادل بين المثقف العربي وبين أنظمته، فكلاهما ينظر إلى الآخر نظرة الريبة وأكاد أقول إن كليهما على حق فلا الأنظمة توفي بوعودها التي تقطعها على نفسها على رغم التصريحات المسيلة للعاب في تخطي أخطاء الماضي والوعود بتحسين الأوضاع والقضاء على كل الأزمات، والمثقف العربي هو الآخر غير قادر على إظهار مشاعر الود ورفع إمارات الشكوك عن رغبته في التغيير بعد أن وجد أن قيادته تحاول خداعه باستمرار.
آخر أمراض الشك الذي برز لدى مجموعة من المثقفين ذلك الذي حدث لدى بعض منهم في أعقاب الوعكة التي ألمّت بالرئيس محمد حسني مبارك شفاه الله فقد ظهر بعضهم ليعلن عن شكه في ما أصاب الرئيس المصري إذ يرون أن ذلك تمثيلية ساذجة رسمت لاستدرار عواطف الشعب المصري المعروف بأنه عاطفي للغاية فهو يريد بذلك أن يحصل على موافقتهم بتعديل الدستور ليسمح له بتعيين نائب له، وهذه الحكاية تجعل مجلس الشعب يقتنع بضرورة ذلك وإذا تم له ذلك فإنه يقوم بترشيح ابنه جمال مبارك الذي بدأ يحترف اللعبة السياسية منذ فترة وبذلك يمهد له الطريق لخلافته، ألا يعني هذا اتساعا في خيال المثقف العربي؟
يا سبحان الله... أليس سوء الظن إلى هذا المستوى يعني حالة مرضية لدى بعض المثقفين؟ أليس كل إنسان معرضا للوعكات الصحية والأمراض المختلفة؟ والرئيس حسني مبارك بشر معرض للمرض حاله حال ملايين البشر خصوصا وأن نزلات البرد (هابّة) هذه الأيام؟ ثم ما الذي يجعله يضطر أن يقوم بتمثيل هذا الدور؟ فهو ليس أضعف من بقية السلاطين والملوك الذين فرضوا التعديل دون اللجوء إلى السيناريوهات والتمثيليات.
إن حسني مبارك قدم الكثير إلى شعبه مقارنة ببقية الحكام فلماذا كل سوء الظن هذا؟ نعم الشعب المصري شعب عاطفي وأن مثل هذه المشاهد تؤثر فيه لكنه في الوقت نفسه به قيادة شعبية سياسية واعية لا تنطلي عليها السيناريوهات، لقد آن الأوان لإنهاء مرحلة سوء الظن بين الطرفين لأن ذلك لن يصب لصالح مصلحة الوطن والأمة. شفى الله القيادات العربية والمثقف العربي من مرض الشك المتبادل بينهما
العدد 446 - الثلثاء 25 نوفمبر 2003م الموافق 30 رمضان 1424هـ