في اليوم الذي أطلق فيه المرجع الشيعي آية الله السيد علي السيستاني فتواه التي دعت إلى التصدّي للخطر الذي يمثله «داعش» على الكيان العربي خصوصاً، والإسلامي والإنساني عموماً، بعد احتلاله ما يعادل ثلث مساحة العراق، تسللاً من الأراضي التي سيطر عليها في سورية، تنادى المرضى والفاشلون ووكلاء العُقَد ومشاريع التقسيم الطائفي عبر مواقع التواصل الاجتماعي. يومها تحوّلت تلك المواقع إلى ما يشبه ساحة الحرب على الجانب الآخر من جبهات الصراع في منطقة الشرق الأوسط، التي لم تعرف هدوءاً بين مكوناتها منذ الغزو الأميركي للعراق في العام 2003.
تم اختزال الفتوى بأنها تحريض ودعوة صريحة لإبادة أهل السنة والجماعة، ولم يقتصر السباب واللعن والتخوين والتكفير على المرجعية وما يتصل بها في حدود المكان؛ بل طال الشيعة في العالم، كل العالم، بدءاً بالذين لم يكن لهم خيار أن يوجدوا في دول كانت مكوناتها متعايشةً لمئات السنين، قبل أن تأتي دعوات ونُحل غريبة باسم التجديد، لتنسخ - واقعاً - كل فيض الرحمة وكنوزها تلك التي جاء بها خاتم المرسلين والرحمة للعالمين نبي الأمة محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام؛ وليس انتهاء بالذين فرُّوا إلى بلاد «الكفر» في الغرب، نجاةً بدينهم وحياتهم؛ بعد أن ضاقت بهم السبل والحياة في بلاد «الإيمان»!
على صعيد الأبواق الرسمية الحكومية، هناك من حاول حرْف البوصلة في ارتجال رخيص وتشخيص يكشف عن غباء بتصنيف التنظيم الإرهابي الأشرس منذ حركة الحشّاشين إلى اليوم، بأنه «ثورة عشائر»، وتبنّت قاعدة شعبية مثل ذلك التصنيف، وراحت محرّضةً على أحد مكوّنات بلادها في وسائل التواصل تلك وحتى الصحف، على مرأى ومسمع من الأجهزة الرسمية من دون أن تحرّك ساكناً.
لم تمضِ شهور حتى تكشّفت الأمور واتضحت الصورة بتحوّل ما سمّيت «ثورة العشائر» إلى أكبر مذْبَح متنقل عرفه الحاضر الإنساني، إذا ما استثنينا المبالغات التي حيكت حول إبادة الزعيم النازي أدولف هتلر لملايين اليهود في الأفران، فبعد أن كانت وُجْهة التنظيم محدَّدة بحكم ممارساته الطائفية في أقصى درجات مرضها، بتصفية غير المسلمين، والعلويين والشيعة، وعلى الهامش كل من يختلف معه في المنهج، من داخل التكوين المذهبي الذي يعتنقه ويروّج له، وليس شرطاً في ممارسة الذبْح بأشكاله المتعدّدة، طالت أدوات جزّه وذبحه المكونات جميعها من دون استثناء إذا لم تُوقِّع على بياض، إقراراً بدوره المكمِّل لشريعة «نبي الرحمة» بإسالة التنظيم أكبر قدر من دماء البشر، وتحويلها إلى أنهار تمتد من الرقّة في سورية وغيرها، وصولاً إلى نيجيريا ومالي وشمال إفريقيا، وبعض مناطق آسيا؛ وليس انتهاء بشمال سيْناء بمصر.
لم يعد الأمر استعادة وحنيناً لإحياء الخلافة الإسلامية التي انهارت في العام 1924، ولم تكن نموذجاً مُشرِّفاً أساساً للمذابح التي ارتكبتها ليس ضد الأرمن وحدهم، ولكن في أصقاع أخرى من العالمين العربي والإسلامي؛ بل هو امتثال لمشروع تقسيم وفوضى وانهيار لم تستطع القوى الكبرى التي عمدت إلى تنقيح وتغيير مشاريع تقسيمها أكثر من مرة، وكل عقد من الزمن، أن تصل بذلك المخطط إلى حدود مباشرة تنفيذه على الأرض، تاركة الأمر إلى واجهات من داخل الدول نفسها للقيام بالعملية تلك بالوكالة، وهذا ما يتم اليوم في أكثر من بلد في المنطقة.
والأداء الذي خرج به التنظيم الإرهابي الأبرز على وجه هذا الكوكب، لا يشي ولا يشير إلى أي حرص على الدِّين الذي يرفع رايته. هي راية دينه الخاص، وفهمه النفعي والدموي والإقصائي. «دين» المخططات التي يراد تنفيذها وتعميق تقسيمها للأرض العربية والإسلامية، ولا علاقة للتنظيم بإظهاره على الدّين كله، ومن ثم لا علاقة له بالعنوان السمج والغبي - بحكم الأداء - إشاعة الدِّين الصحيح والدفاع عن أهل السُنَّة والجماعة، ومجزرة البونمر لم تكن الأخيرة في مسلسل رفد مذْبحِه المتنقل بالبشر بغض النظر عن انتمائهم المذهبي والديني، والدماء لمَّا تجفَّ بعد.
يوم الأحد (16 نوفمبر/ تشرين الثاني 2014)، عمد التنظيم إلى ذبح الناشط في مجال العمل الإنساني الذي تنقل بين المستشفيات والعيادات في تركيا ولبنان، إضافةً إلى سورية، بيتر إدوارد كاسيغ، ونشر الإنجاز على شريط مصوّر.
الرجل الذي تم اختطافه في أكتوبر/ تشرين الأول 2013، أعلن إسلامه واختار اسم عبدالرحمن، مواصلاً عمله الإنساني، ولكن ذلك لم يشفع له بعد عودة إلى سيرته الذاتية التي كشفت عمله في القوات الأميركية في العراق؛ إذ الإسلام الذي يدعو له التنظيم «لا يَجبُّ ما قبله»؛ إذ يبدأ وينتهي به!
هل يفتح «داعش» بتلك الممارسة التي حدثت مع كاسي (عبدالرحمن)، وغيره من أبناء الملّة الواحدة، الباب على مصراعيه لدخول «الكفّار» و«الملاحدة» إلى دين الله أفواجاً؟ لنُعِدْ صوغ التساؤل بواقعية أكثر: هل يدفع «داعش» بعض المسلمين أولاً وبقية الأديان الأخرى إلى الخروج من الدين عبر أوسع الأبواب بتلك الممارسة التي تقدّم نسخة عن دين لا علاقة له بالسماء، ولا الأرض أيضاً؟
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 4457 - الأربعاء 19 نوفمبر 2014م الموافق 26 محرم 1436هـ
المتمردة نعم
يا استاذي ماذا بعد الفتوى!هل استجاب كل شيعة العراق مقلدي السيستاني لمثل تلك الدعاوى .هذا فان دل فانما يدل على جُبن ورخاوة حتى اذا دعا المرجع فلا يوجد استجابة ربانية فعلية.
والله انه دينهم
الاموي الصحيح الذي نشره بنو امية في العالم , وعصابات القاعدة والدواعش لم ياتوا ببدعة جديدة بل هو امتداد لاولئك الاسلاف الاجلاف الذين لم يتركوا موبقة لم يرتكبوها . يراجع احداث معركة الحرة و ما حصل فيها . اما من يتسمون بثوار العشائر السنية من عصابات علي حاتم السلمان وامثاله فقد اعلنوها صراحة في خطبهم بانهم لن يقبلوا ان يحكم الشيعة العراق حتى وان كان الشيعة الاكثرية لان العراق ملك طابو صرف لال حاتم السلمان وملته وانهم لن يسمحوا لعبد الحسين بالمرور على محافظة الرمادي .
علي جاسب . البصرة