يُقال بأن التقدم في العمر هو من أقسى وأصعب المفاجآت التي يمر بها الإنسان وهو غافل عنها، وخاصةً إذا ما فاجأته ودون استعدادٍ، ولا أعرف أحداً استعد لها وخاصةً في عالمنا العربي، فالناس تسير ودون تحديد الوجهة وتعمل ما يتنافى مع العمر الزمني، بحيث يشيخون في أعمالهم ويتقاعدون ويودون أن يستمتعوا بالحياة أو يدركوا أن لكل عُمرٍ شئوناً وشجوناً ويتبدل فيه المزاج والقدرات النفسية والعقلية والجسدية، وما نعمله في إحدى المراحل من العمر لا يمكن الاستمرار في عمله بنفس الكفاءة فيما بعد، فلكل مرحلة احتياجاتها وطاقاتها، وجمالها، ودعونا نرى باختصار ما هي هذه المرحلة المفاجئة والمُخيفة.
إن الكل يعلم بالتغييرات الخارجية وكيف تتغير الوجوه وتغزوها التجاعيد وتبيض الرؤوس، وتكبر الأوزان وتنقص الطاقة، كما نسمع عن الأمراض المفاجئة والتي تُقعدهم عن التواصل أو تودي بحياتهم وهم لازالوا في الأربعينات، هذا إذا لم يتداركوا بأنهم قد تجاوزوا مرحلة الشباب، وتعاملوا مع أجسادهم بنفس الاستهتار من الأكل الدسم واللذائذ والحلويات وعدم مراجعة الأطباء الدورية، وممارسة الرياضة المنتظمة.
وتستمر المفاجآت لتتجاوز الأمراض العضوية والمعاناة من الأمراض، ولتصيب دواخلنا المخفية أيضاً من الأعصاب والعقل أحياناً والتي تتسبب في الوهن النفسي والعصبي، وبنقص الهرمونات عند الجِنسين منها (السيروتنين هرمون السعادة والفرح)، تتغير معها شخصية الإنسان النشيط الفرح والطموح إلى كائنٍ مُتخوف مكتئب وعصبي، أما هرمونات (البروجيسترون والتستوستيرون) ونقصها عند النساء تتسبب بالتعرق والشعور بالحرارة، وكذلك العصبية والاكتئاب والعدوانية والأوجاع أحياناً، وقد تؤثر على النوم في القلق والسهر، ومع هشاشة العظام والسُمنة وأشياء أخرى.
وتزداد عوارضها عند المتقاعدين مع كثرة الفراغ والوحدة القاتلة، وعدم القدرة على ملء الساعات الطوال، مما يؤدي إلى الإقلال من البهجة والفرح وقد يبدأ الاكتئاب والاعتلال الجسدي والنفسي على إثرها تدريجياً.
ودون الاستعداد من القراءة والتثقيف لمعرفة ما يدور في أجسامنا وعقولنا في هذه المرحلة وصعوبة التحكم في مشاعرنا وعواطفنا، وأن لكل هذه العوارض علاج ولتحاشيها إذا ما أدركناها وواجهناها ولم نُغلق عقولنا عن تفهمها، ودون التأزم الذي قد يشل حركتنا.
وفي منطقتنا يبدأ البعض في محاولة لشغل الوقت بما يراه مُتاحاً من الاهتمام بالأحفاد والركض وراء الأبناء في مُحاولةٍ لجذب اهتماهم أو مساعدتهم في شئونهم والانشغال بهم، لتعويض معاناتهم لملء ذلك الفراغ وتحميلهم همومهم النفسية الطارئة، اعتقاداً بأن ذلك سيحل مشكلتهم، في الوقت الذي يكونون هم عنه في وادٍ آخر ولا حاجة لخدماتهم في الغالب، بل وإن شباب اليوم (وبسبب غزو الحضارة الغربية ومدارسها) لا يريدون تدخل الآباء والأمهات في شئونهم وخاصة مع الملهيات الإلكترونية، والتي خنقت فيها الوقت وقصفت عُمره، وقد تُخلق بعض المشاحنات لوضع الضغوط على الأبناء، واتهامهم بالتقصير في رعاية الوالدين، وهو شيء يحدث في مُعظم البيوت،
بالرغم من أن هنالك الكثير من الأبناء البارين الناضجين لرد الجميل لأهاليهم وعلاقاتهم مثل العسل معهم بإعطائهم كل الاهتمام والحب والحنان والأخذ بأيديهم لتخطي الفراغ والوحدة العاطفية والنفسية.
ولكن مهما كان نوع العلاقة، يبقى هنالك الكثير من الوقت والفراغ والذي يستحيل على الأبناء والأحفاد ملؤه مهما فعلوا.
وأنتقل إلى الإمكانيات والتي تكاد تكون معدومة والتي تقدمها دولنا الغنية، لهذه الفئة ومقارنتها بالدول التي تقدم كل الاهتمام بمن خدموا بلادهم في شبابهم وواجبها في رد الجميل، وخاصة أن الجميع سيصلونها حتماً، أطفالاً وشباباً.
فقد هيأت بيوتاً خاصة للرعاية المجانية لإيوائهم والعلاج الطبي المجاني، أو لزيارتها للتسلية اليومية النهارية، ووفرت لهم كل وسائل الراحة والرياضية ومن النوادي والاستفادة بتخصصاتهم (as part timer) وتوفير الكورسات التعليمية المختلفة من فنون وتكنولوجيا، وخلق مواهب جديدة للانشغال والرجوع لخدمة المجتمع، والعمل والتمتع للمساهمة في بقاء الحيوية للعقل والجسد، ولقضاء أوقات سعيدة اجتماعياً وترفيهياً، وتنظيم السفريات حول العالم، مع التخفيضات لما يزيد على 50 في المئة في المواصلات، ومنها المجاني من باصات وقطارات وطائرات ومسارح ودور الفنون والسينما، الخ. وأختتم مقالتي بدعوة لحكوماتنا والقطاع الخاص للمساهمة لتوفير مثل هذه المميزات والحقوق وعدم تركهم فريسةً للوحدة والفراغ والمعاناة، من الأمراض، وأن ينتبه الأفراد لأنفسهم، وذلك بالتخطيط والاستعداد لها وقبل وصولها، كي لا يجدوا أنفسهم أمام قنبلة الانفجار المؤجل للشيخوخة المُضنية وكِبَر السن، إذ أعتبرها من أكثر الفترات ثراءً ومُتعةً، إذا ما عرفنا كيف نعيشها، وللحديث بقية.
إقرأ أيضا لـ "سهيلة آل صفر"العدد 4453 - السبت 15 نوفمبر 2014م الموافق 22 محرم 1436هـ
اشكرج استاذة مقال رائع
طالبة اعلام : نورة انور حمادة
مقال جميل جدا ونحن معك انه يجب رعاية الوالدين رعاية خاصة جدا لكي لا يكونون ضحية الوحدة والفراغ وان نقضي الاوقات الجميلة معا .
اشكرج استاذة مقال رائع
طالبة اعلام : نورة انور حمادة
مقال جميل جدا ونحن معك انه يجب رعاية الوالدين رعاية خاصة جدا لكي لا يكونون ضحية الوحدة والفراغ وان نقضي الاوقات الجميلة معا .