«استريحي أيتها الأرض الطيبة، فلا تزال الجذور الخبيئة في الاعماق تقذف بثمارها في وجه أعدائك». ومن بين جذور المحرق الغافية على تخوم البحر والساحل والهولو واليامال والنخلة والبراحة العودة، وذاك الوعي الكمي والنوعي تأتي هذه الثمرة «الشهادة» التي صاغها الوعي الانساني المشترك بين بعض المثقفين والصحافيين والباحثين والمهتمين من الجنسين من مختلف المدارس الفكرية والادبية والثقافية والفنية والتيارات السياسية.
ووحدتهم على رغم تباين أمزجتهم وشخصياتهم وميولهم الرغبة الصادقة في وضع اللبنات الأولى لصرح آخر من صروح الفكر والثقافة التي تحترم ملكات العقل وفضيلة أدب الحوار والاختلاف الا وهو صرح «منتدى المستقبل الثقافي» - في طورالتأسيس. فمنذ ساعات النقاش الأولى والتي استمرت حتى بواكير الفجر الصادق في جلسة مناقشات «النظام الاساسي» للمنتدى وتسميته ساد الجميع - جميعه من شاركوا باسهاماتهم في النقاش - احساس عام بأن المثقفين في البحرين «ليسوا زائدين عن الحاجة» وذلك لقناعتهم أنهم مهمومون بقضايا أمهم «البحرين» وانهم مازالوا يملكون «قرون استشعار» ليتحسسوا آلام وامال واماني وتطلعات ألوان الطيف وذاك الجوع الى الثقافة والحوار والتواصل والعمل من أجل خلق جبهة اجتماعية ثقافية تتمتع بقسط وافر من الوعي لما يمور به المجتمع البحريني «كخصوصية» و«العربي/ الاسلامي» امتدادا لقضايا مفصلية وتحولات محورية... وقد زاد من ضخامة هذا الاحساس ما انحاز اليه المتحاورون في الجلسة الحوارية على أنهم جزء من النسيج التحتي المتناسق لمجتمع البحرين والمنطقة العربية/ الاسلامية الساعي الى فهم الواقع والاسهام في تشكيل المستقبل وصوغ غد أبي وأشد اشراقا للأنسان البحريني عبر وسائل الترابط بين الفعل الثقافي والفعل العقلي الرصين لوضع مقدمات مستقبل آخر للعلاقات بين الثقافة والواقع.
وللحقيقة والتاريخ فقد سجل بعض مثقفي «محرق المبتدأ» بمختلف مذاهبهم الثقافية موقفا مسئولا ينم عن افق واسع ووعي كبير فيما اصروا على عدم اطلاق تسمية المحرق للمنتدى انطلاقا من وعيهم بتفاصيل وحساسية المرحلة حتى لا ينخرطوا طواعية في تعزيز الثقافة المناطقية والطائفية والقبلية لايمانهم بأن الهدف الاسمى من وجود هذا الصرح الثقافي في المحرق هو الاسهام بالمنتج الثقافي والانساني «لمختلف مناطق البحرين» وليس حكرا على فئة مناطقية يعينها، وأن واجب المثقف اليوم الدفع بما يوحد ولا يشتت ويجمع ولا يفرق وان المجتمع البحريني اليوم بحاجة إلى فعل مقاوم لكل الدعوات الطائفية والمناطقية والتمييزية وانه لا يمكن مقاومة مثل هذه المشروعات الا بالتعالي فوق «الأنا» وأستدعاء «نحن» ومن ثم تفعيلها لتكون الجسم الذي يؤسس الفعل الثقافي الذي يعترف بالآخر ويحترم خصوصيته والاحتكام الى التنوع الثقافي باعتباره المرجعية والقاسم المشترك لتوحيد الجهود لتأسيس ثقافة التسامح والتآخي وعزل الطائفية والفرز الاجتماعي بكل صوره اليومية المتناوبة والابتعاد عن دعوات التشكيك والتعويق والاقصاء.
وقد نجح كل من يعقوب سيادي - ورائد نجم - وبدرية ميرزا - وحمد عثمان - وعبدالله المدني - ومحمد جابر وجمعة حمد وغيرهم ممن كان لهم الاسهام الابرز في صوغ وبلورة المعاني الرفيعة والاهداف المشتركة والخطاب العاقل في تشكيل ملامح هذا الصرح الواعد بمداخلاتهم واختلاف وجهات نظرهم، وما أبدوه من احترام لحق الاختلاف في الرؤى المستقبلية لما يجب ان يكون عليه دور منتدى المستقبل الثقافي ولقد ساعدهم في تحقيق ذلك ما تمتعوا به من حصافة وقدرة مقتدرة على استيعاب المنسجم والمتعارض في الاتجاهات وبذلك استطاعوا تأسيس الراهن بالوعي واستشراف المستقبل بالمشتركات المأمولة والمتوقعة
إقرأ أيضا لـ "عدنان الموسوي"العدد 444 - الأحد 23 نوفمبر 2003م الموافق 28 رمضان 1424هـ