تلعب الأعمال الدرامية، وخصوصاً السينمائية والمسرحية، دوراً كبيراً في توعية الجمهور على اختلاف مستوياته الثقافية بأحداث الإسلام التاريخية الكبرى، لما تتميز به من قدرات فنية في تجسيد تلك الأحداث عيانياً أمام المشاهد، وتترك في نفسيته تأثيراً روحياً ووجدانياً وعقلياً، لاسيما إذا ما جاء تناولها مدروساً ويتمتع بقدر معقول من الموضوعية.
ولو قيّض لك أن تسأل شريحة واسعة من الذين اعتنقوا الاسلام أو تأثروا إيجابياً به، لوضعوا مثل تلك الأعمال المسرحية والسينمائية العربية والعالمية في مقدمة العوامل التي جذبتهم للإسلام، اعتناقاً أو اقتراباً أو تفهماً. ومازالت الذاكرة العربية تحفظ بعض الأعمال السينمائية المصرية الكبيرة التي حققت نجاحات باهرة ما برحت تتمتع بقيمتها ومكانتها لدى المشاهدين، نذكر منها على سبيل المثال: «ظهور» الاسلام، «واإسلاماه»، «القادسية»، فضلاً عن «الرسالة»، بنسختيه العربية والانجليزية، والذي مُنع في الدول العربية وأثار ضجة عالمية بما فيها الولايات المتحدة ((بحجة أنه يجسد شخصية الرسول(( (ص).
ولعل واحداً من أعظم مشاريع الأعمال السينمائية العربية التي طالما داعبت مخيلة المخرجين العرب وراودت أحلامهم بقوة لتنفيذها، واقعة استشهاد سبط نبي الإسلام محمد (ص)، الإمام الحسين بن علي (ع) في كربلاء مع عدد صغير من أهل بيت النبوة ورفاقه في مواجهة جيش يزيد الجرار لمنعه من الوصول إلى الكوفة التي غدر به أهلها تحت مؤثرات الإغراء والتضليل والتهديد. صحيح ثمة بعض الأعمال الدرامية التي تناولت هذا الحدث الخطير الكبير الفائق الأهمية في تاريخ الاسلام، والذي مازال إلى يومنا هذا يلقي ببصماته وظلاله الثقيلة على حياة المسلمين وعلاقاتهم في مختلف المجالات الدينية والسياسية، إلا أن كل مشاريع الأعمال التي جرت على أيدي مخرجين كبار انتهت بالفشل الذريع، ربما منذ أن بدأت هذه المحاولات خلال ستينيات القرن الماضي، أو حتى قبل ذلك.
وإذا كانت تلك المشاريع المصرية الموؤودة جرى إحباطها في ذلك الوقت لأسباب دينية تتعلق في الغالب بتجسيد شخصيات الإمام الحسين (ع) وأهل بيته، باعتبار أن لا أحد من مذاهب الإسلام، كما يُفترض مبدئياً على الأقل، يقر بقتل أو بمشروعية قتل سبط الرسول الحسين أو ينكر مظلوميته ومشروعه الاصلاحي بمحاربة تحويل دولة الخلافة إلى مُلك عضوض وراثي، كما أراد معاوية وابنه، فإن الأسباب السياسية والحساسيات الطائفية اُضيفت إلى تلك الأسباب في عصرنا الراهن بما يجعل تنفيذ مشاريع درامية من هذا القبيل أشبه بالحُلم المستحيل لأي مخرج عربي أو مصري بوجه خاص.
ويمكننا أن نستشف من شهادة المخرج المسرحي والسينمائي الكبير جلال الشرقاوي عن كيفية إحباط مشروع عن واقعة استشهاد الإمام الحسين في كربلاء تشابكت واختلطت فيها المصالح والاعتبارات السياسية والطائفية، لتلعب معاً دوراً في إحباط مشاريع درامية أو مسرحية تتناول مثل تلك الأحداث المهمة الكبرى في تاريخ الإسلام.
ففي مقابلة أجرتها معه المذيعة المصرية هالة سرحان، يقول الشرقاوي بتلقائية مبسطة يغلب عليها منطق الإقناع والصدق أكثر من المبالغة أو التخرص، إنه كان مغرماً جداً بنص مسرحيتي الأديب الكبير الراحل عبد الرحمن الشرقاوي «الحسين ثائراً»، و»الحسين شهيداً»، ولطالما حلم بتجسيد هذين النصين على خشبة المسرح. ويروي كيف أنه في العام 2000، حاول أن يتبنى مشروعاً لإخراج نص «الحسين ثائراً»، ولكن لأن ذلك العام صادف مع ما أخذ يتردد بقوة أكثر من السابق على الساحة السياسية المصرية عن عزم الرئيس السابق المخلوع حسني مبارك لتوريث ابنه جمال رئاسة الجمهورية، فإن الجهات المعنية في الأزهر الواقعة تحت تأثير رئاسة الجمهورية والحكومة، اعتبرت أن سيناريو المسرحية ينطوي على غمز للرئيس ما دام الحدث التاريخي جاء على خلفية توريث معاوية الحكم لابنه يزيد.
وعدّد الشرقاوي خمسة عوامل لرفض المشروع واجهه بها 52 من علماء الأزهر في اجتماع لهم به في إطار مجمع البحوث: الأول أن المسرحية ستثير فتنةً بين السنة والشيعة. والثاني أن المسرحية من شأنها أن تحرّض الجمهور المصري ضد الرئيس مبارك، علاوةً على تحريضها الجمهور ضد الحكومات في المنطقة. والثالث أنها ستشجّع القتال بين فئتين مسلمتين ليست إحداهما باغية، والرابع أن بها تمثيلاً يجسد الحسين (ع) وأخته السيدة زينب (ع)، والخامس أنها ستكون ذريعةً في يد «إسرائيل» بما ارتكبته من جريمة نكراء بقتل الطفل الفلسطيني محمد الدرة، باعتبار ما فعلته بحق الدرة لا يُقارن البتة بما فعله العرب المسلمون ببعضهم بعضاً وتحديداً بابن نبي دينهم (ص).
وهكذا انتهى المطاف بوأد حلمه في تنفيذ هذا المشروع. (راجع تسجيل المقابلة التلفزيونية المصرية في اليوتيوب تحت عنوان: جلال الشرقاوي: القيامة قامت على نص الحسين ثائراً). ولا أظن أحداً يشاهد تلك المقابلة ويتحلى بحد أدنى من التجرد والموضوعية لا يتلمس من شهادة الشرقاوي فيما يتصل بمشروعه المسرحي عن الحسين، تهافت الذرائع والحجج التي حالت دون ولادته. وقس على ذلك بطبيعة الحال العديد من المشاريع الدرامية والمسرحية المجهضة، والتي تتناول أحداث الإسلام التاريخية الكبرى، وما ذلك إلا بسبب توظيف الدين وتضخيم فروقات المذاهب العادية لأغراض المنافع الدنيوية الضيقة والمصالح السياسية والاقتصادية.
وبالتالي ومن دون أن تنجح شعوبنا العربية عبر حراكاتها في فرض مشاريع إصلاحية حقيقية تضمن جدياً حرية الرأي والتعبير، وتتضمن إصلاحاً دينياً بمنأى عن التدخلات السياسية المغرضة، فإن أيّة مشاريع درامية جديدة ستواجه نفس مصير سابقاتها، وستظل حلماً موؤوداً على الورق، وبهذا سيعدم المسلمين من إمكانية الاستفادة القصوى من وسائل التطور العلمي في تقنيات الدراما المعاصرة بما يخدم الإسلام فكراً وعقيدةً، وتجسيده منارةً حضاريةً للبشرية كما كان في عصره الذهبي الغابر.
إقرأ أيضا لـ "رضي السماك"العدد 4439 - السبت 01 نوفمبر 2014م الموافق 08 محرم 1436هـ
عجيب أمرك !!
كيف تريد ممن تختلف معهم في هذه القضية بالذات وهي قتل الحسين ع أن ينتجو أفلام عن ملحمة كربلاء !! .
يعني مثلا أن نغير بعض الأسماء التاريخية ؟
كأن نقول مثلا قتل الحسين بأمر من القياصرة !! .
أو نقول بأن عمر بن سعد بن أبي وقاص الذي كان يقود الجيش ضد إبن بنت رسول الله ص آله لم يكن إبن الصحابي المعروف !! .
كربلاء حقيقة لا تحتمل التزييف , فدم الحسين لن يسمح بذلك .
السبب بسيط
السبب بسيط يا سيدي لأننا في المذهب السني نمنع تمثيل الرسول الكريم و آله عليهم السلام أجمعين. فتخيل ممثل يمثل دور الحسين عليه السلام ثم يمثل بعده دور سكير او منحرف هل ترضاها لسبط رسول الله عليه و على آله أفضل الصلاة و التسليم. فأرجو ان لا تحاول عن طريق غير مباشر أن تثبت أن السنة لا يحبون آل بيت الرسول عليهم السلام لذلك لا ينتجون أعمال تخصهم. فنحن نتعبد الله كل يوم بمحبتهم و الصلاة عليهم في كل صلاة. و لك تحياتي
دعنا نفكر في المستقبل
دعنا نفكر في المستقبل بدل نبش الماضي
غريب الرياض
لا أنسى ان الدولة الوحيدة القادرة على عمل هكذا هي ايران بسبب الإمكانيات و وجود النص و السيرة الحقة، اما الخليج فَلَو فمر ينتج عمل فبيكون مشوه و مفبرك
غريب الرياض
الإجابة بسيطة، اي عمل عن الحسين سيحتاج مقدمة ستبرز سوء سيرة الكثيرين ممن يعدون عظماء و يكاد يكونوا منزهين من الخطا. سيرة الحسين ستكشف عورات ال أمية و أنصارهم و كل من خالف خط الحسين و جده، و الاكيد ان الأغلب خالف خط الحسين. الاهم ان الاعمال بتفتح عين الجمهور على حقيقة ال البيت و بيكون دعوة للتشيّع و هذا قمة الرعب عندهم.