في تطور لافت يوم أمس في تونس، سارعت حركة النهضة «الإسلامية» إلى تهنئة حركة نداء تونس «العلمانية» بعدما تقدّمت الأخيرة في الانتخابات التشريعية لأول برلمان وحكومة دائمين في تونس منذ أن أطاحت ثورة الياسمين في 14 يناير/ كانون الثاني 2011 بنظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. الدستور الجديد، الذي تمَّت المصادقة عليه في 26 يناير 2014، يعطي صلاحيات واسعة للبرلمان والحكومة، مقابل صلاحيات محدودة لرئيس الجمهورية.

التونسيون أشعلوا الربيع العربي، ورأوا كيف تقلبت الأوضاع رأساً على عقب، وشاهدوا ما جرى في مصر من إزاحة للإسلاميين وتشدد الأوضاع، كما يرون ما يحدث في البلدان الأخرى من تمزق تنتفع منه الحركات الإرهابية. ويوم أمس، علق وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس قائلاً إن التونسيين «يقدمون الدليل على أن الديمقراطية ممكنة في كل القارات وفي كل الثقافات»، وعلق سياسيون آخرون بأن اعتبروا تونس «منارة للأمل» بعد نجاح التصويت بسلام، وكيف أن الحزب الذي كان يتصدر الساحة السياسية (النهضة) رحب بالنتيجة وهنأ منافسيه.

لقد أشار رئيس حركة النهضة الشيخ راشد الغنوشي إلى أن «سياسة التوافق (بين حزبه والمعارضة) أنقذت بلادنا مما تتردى فيه دول الربيع العربي»، معتبراً أنه «من المهم أن نرسخ قضية الديمقراطية، والثقة في المؤسسات». وكانت «النهضة» التي حكمت تونس في 2012 و2013، قد تخلت في مطلع 2014 عن السلطة لصالح حكومة غير حزبية بموجب خريطة طريق طرحتها النقابات لإخراج تونس من أزمتها السياسية.

إن قبول قوى المجتمع بعملية توافقية يشارك فيها اللاعبون الرئيسيون الذين يمكنهم تداول العمل السياسي يحقق الأمن والاستقرار، وهذا التناغم يشبه بندول الساعة الذي يتأرجح يمنة ويسرة، ولكن هذا التأرجح يعتبر ضرورياً لتحريك عقارب الساعة الحائطية مع الزمن، من دون الإطاحة بها. إن قبول الإسلاميين بفوز العلمانيين - ضمن عملية دستورية متفق عليها - يمهد الطريق لقبول العلمانيين بالإسلاميين. فبلداننا تعيش تناحراً بين الإسلاميين والعلمانيين، وبين المدنيين والعسكريين، وبين السنة والشيعة، وبين القديم والجديد... ولذا فإن التوصل إلى حل لأيٍّ من هذه الخلافات سيدفع باتجاه مستقبل أفضل للجميع.