لم تجد الأمة الإسلامية في تاريخها الماضي والحاضر بكل ما فيه من مآسٍ وآلام قاسية، أفظع من فاجعة كربلاء التي حدثت فصولها المؤلمة في ظهيرة اليوم العاشر من محرم الحرام من العام 61 للهجرة النبوية، واستشهد فيها سبط المصطفى وابن بضعته الزهراء الإمام الحسين بن علي (ع).
وهو الإمام الذي وُلد في بيت كان محط الملائكة ومهبط الوحي والتنزيل، في بقعةٍ تتصل بالسماء طوال يومها بلا انقطاع، وتتناغم مع أنفاسه آيات القرآن التي تتلى آناء الليل والنهار، وترعرع بين شخصيات مقدّمة تجللت بآيات الله، ونهل من معين الرسالة عذب الارتباط مع الخالق، وصاغ لبنات شخصيته نبي الرحمة (ص) بفيض مكارم أخلاقه وعظمة روحه. فكان الحسين (ع) صورةً لمحمد (ص) في أمته، يتحرك فيها على هدى القرآن، ويتحدث بفكر الرسالة، ويسير على خطى جده العظيم ليبين مكارم الأخلاق، ويرعى للأمة شئونها، ولا يغفل عن هدايتها ونصحها ونصرتها.
وقد وقف ضد الحرمان الاقتصادي واستخدام المال العام للمنافع الشخصية، وشراء الذمم، وسياسة التفرقة العنصرية واضطهاد الموالي والعصبية القبلية وسياسة البطش والجبروت، والفساد المالي والأخلاقي، والإستخفاف بالقيم الإسلامية، ونشر الحقد والكراهية بين الناس، والإعلام المضلل الذي يشق عصا الأمة الإسلامية، والعنف الذي يمارس ضد المستضعفين.
ولم تكن الأمة حتى هذه اللحظة تتصور أن شخصية عظيمة مثل الحسين الشهيد، يتجاسر عليه ويمثل بجسده الشريف ويُداس بحوافر الخيول، ويترك مجرداً من ثيابه في ساحة المعركة هو وجملة من أهل بيته وثلة من أصحابه البررة رضوان الله عليهم أجمعين.
لقد أجمعت الأمة الإسلامية بكل مشاربها الفقهية والعقائدية المعتمدة، وكل تياراتها الفكرية، على التنديد والاستنكار لهذه الجريمة المروّعة الكبرى التي يندى لفظاعتها جبين البشرية جمعاء. ولم يختلفوا في أن الإمام الحسين (ع) هو إمام للإنسانية جمعاء، ولكل المسلمين وليس لطائفة أو فئة معينة. ولم يختلفوا في صواب موقفه من الظلم والباطل، ولا في مكانته المتميزة عند الله تعالى ولا في قرابته اللصيقة برسول الله (ص). ولهذا لم تختلف الأمة طوال تاريخها الذي يمتد إلى 1375 عاماً، في وصف ونعت ما جرى للإمام الحسين الشهيد وأهل بيته الكرام وأصحابه الأخيار، من قتل للرجال والشباب والتمثيل بأجسادهم الطاهرة وقطع رؤوسهم والتنكيل بالأطفال وسحقهم بحوافر الخيول وسبي النساء وقذفهن بأقبح العبارات والكلمات الساقطة، ونقلهن من بلدٍ إلى بلد وهن في أسوأ حال، بأقسى العبارات والكلمات. فهذه كتب المسلمين من مختلف المشارب العقائدية والفقهية، تشهد أن ما حدث في يوم عاشوراء لحفيد خاتم الأنبياء والمرسلين، وصمة عار في التاريخ الإنساني. وتشهد أن كل من شارك في سفك دماء أكرم الخلق على وجه الأرض وأزكاهم في زمانه، قد أفجع قلب رسول الله (ص)، وأن كل من شارك في ارتكاب هذه الجريمة الشنيعة غير معذورين ولا مغفوراً لهم، لأنهم بجريمتهم الكبرى التي ارتكبوها ضد الحسين الشهيد (ع)، قد تجاوزوا بتعمد فاضح كل المثل الأخلاقية والإنسانية، ولم يحفظوا لرسولهم (ص) حرمةً في ولده وأهل بيته، ولم يكترثوا بكل المناقب والوصايا التي قالها رسول الله (ص) في حفيديه الحسن والحسين عليهما السلام.
ومن بعض ما قاله (ص): «ريحانتاه من الدنيا وريحانتاه من هذه الأمة» (صحيح البخاري: 2/ 188)، وسنن الترمذي (539)؛ و»هما خير أهل الأرض» (عيون أخبار الرضا: 2/ 62)، «وهما سيدا شباب أهل الجنة» ، (سنن ابن ماجة: 1/ 56)، و(الترمذي: 539)، «وهما إمامان قاما أو قعدا» (المناقب لابن شهرآشوب: 3/ 163). وهما ممن قال عنهم جدهم المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم «النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق وأهل بيتي أمان لأهل الأرض من الاختلاف» (مستدرك الحاكم: 3/ 306)، وكأنهم لم يسمعوا عن مكانة الإمام الحسين (ع) لدى كبار الصحابة، أمثال عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وأبو هريرة، وعبدالله بن العباس، وأنس بن مالك، وزيد بن أرقم، وأبو برزة الأسلمي، وعبدالله بن عمر ومحمد بن الحنفية وعبدالله بن عمرو بن العاص، وقيس بن مسهر الصيداوي، ويزيد بن مسعود النهشلي وغيرهم.
كانت كربلاء الحسين الشهيد ثورة دين وعقل وإرادة، ولم تكن من أجل تحقيق مال أو جاه أو منصب، فالدين الذي انتهكت حرماته في بقاع المسلمين، والعقل الذي لُوّث بالأخلاقيات الفاسدة، والإرادة التي ضعفت واستسلمت وتخاذلت أمام إغراءات وتهديدات الباطل، وجدها سيد الشهداء (ع) جميعها تستحق التضحية من أجل إصلاحها، فلهذا كان شعاره واضحاً عندما قال: «إني لم أخرج أشِراً ولا بَطِراَ ولا ظالماَ ولا مفسداً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، وأن أأمر بالمعروف وأنهى عن المنكر».
وكانت إرادته مستمدةً من الإرادة الإلهية، فلذلك لم تكن تتزلزل بالتهديد والوعيد، ولا تقبل المذلة. وعبّر عن صلابة إرادته بعبارة مدوية «هيهات منا الذلة»، كيف لا وهو الذي حمله جده رسول الهدى والإنسانية (ص) مسئولية الحفاظ على الرسالة المحمدية من العبث والتحريف. وقد قال (ص) بكل وضوح للأمة الإسلامية: «حسينٌ مني وأنا من حسين». فلهذا أصبح إنقاذ الدين عهداً بينه وبين الله ورسوله (ص)، حتى ولو كان ثمن إنقاذه استشهاده وتخلي الناس عن نصرته.
من حيث المبدأ لم يكن خروج الإمام الحسين (ع) إلى كربلاء من أجل قتال أو مواجهة عسكرية، وإنما كان الهدف تحقيق الإصلاح الديني والسياسي والاقتصادي والأمني والاجتماعي، وإنهاء الفساد المالي والأخلاقي في الدولة الإسلامية بالطرق الممكنة وأسلمها، ولم يقم بالثورة إلا بعد ما وصلت إليه عشرات آلاف من الرسائل التي يطالب أصحابها منه إنقاذهم من أوضاعهم المتردية التي لا تطاق، وإحلال مكانها وضعاً راقياً متوافقاً مع المبادئ الإسلامية الحقيقية التي جاء بها جده رسول الله، والتي تحترم وتقدّر الإنسان بلا عصبية أو تمييز. فعشرات الخطب التي ألقاها في مكة المكرمة والمدينة المنورة وكربلاء دليل على حركته الإصلاحية الكبرى، وكان في مراحل الثورة يستهدف في خطبه عقل ووعي وثقافة وفكر الإنسان ومشاعره الإنسانية.
إقرأ أيضا لـ "سلمان سالم"العدد 4433 - الأحد 26 أكتوبر 2014م الموافق 03 محرم 1436هـ
الحق هو الحسين.
السلام على الحسين وعلى اصحابه الاوفياء. ولعن الله قاتليه.
أنا مسلمة حسينية الهوى
حب الحسين في دمي حب الحسين يزيل همي حب الحسين تعلمته من أبي وأمي السلام عليك يا أبا عبد الله الحسين
الإمام الحسين (ع) سفينة النجاة و لا بد من ضو بعد الظلام
للبحر مد وجزر، وللقمر نقص وكمال، وللزمن صيف وشتاء، أما الحق فلا يحول ولا يزول ولا يتغير.
يا أخي غريب الرياض
أجو أن تشرح للسادة القراء كيف يدعي أحد حب الحسين و هو كاره له؟
نحن في زمن الحرية ، فلا خوف و لا حياء و لا خجل! فلماذا يبطنون كرهه و يظهرون حبه؟
غريب الرياض
سلام الله على ابي عبدالله. للاسف الفئة الجاهلة تدعي حب الحسين و هي كارهة له و لا تعرف عنه شيئ.