تشهد أقسام الطوارىء في المستشفيات والمراكز العلاجية كافة ازدحاماً كبيراً من المرضى على اختلاف أعمارهم وجنسهم ومعاناتهم الصحية، فمنذ أن نشأت ممارسة طب الطوارىء في نهايات الستينات من القرن الماضي وبالتحديد في الفترة الممتدة من 1968 - 1970، وهو الزمان الذى شهد ولادة أولى برامج التدريب في هذا التخصص الجديد في الولايات المتحدة الأميركية، منذ ذلك الحين بدأ الكيان الطبي العالمي شيئاً فشيئاً يرى ملامح ومعضلات مهنية عدة ترسم وتشكل طبيعة الممارسة اليومية والمهنية في أقسام الطوارىء والحالات العاجلة والمستعجلة.
إن الممارسة الطبية اليومية في هذه الأقسام في استقبال ومعاينة المرضى تفرض واقعاً وتحدياً كبيرين على العاملين الصحيين من أطباء وممرضين وكوادر طبية مساندة وغيرها من طاقات لوجستية وإدارية، ففي أي وقت من الأوقات من الممكن أن تجد تلك الكوادر نفسها في حاجة لمعاينة عدد كبير من المرضى الذين يأتون طارقين الأبواب طلباً للعلاج والرعاية الصحية حاملين معهم خليطاً من الأعراض والشكاوى المرضية منها البسيط ومنها ما قد يهدد الحياة، لذا يبقى من الضرورة بمكان أن يكون هناك من أدوات الممارسة المهنية ما يتيح استخلاص تلك الفئة من المرضى ممن هم في حاجة للمعاينة والتدخل العلاجي تجعلهم يتقدمون على البقية من المرضى ممن قد تسمح حالتهم المرضية إرجاء المعاينة الطبية إلى فاصل زمني يتراوح بين ساعات وربما أكثر من ذلك.
إن ذلك الدافع الأخلاقي والمهني هو ما تم البناء عليه عند استحداث ووضع ما يعرف بأنظمة تصنيف المرضى التي لا تعتبر الأسبقية الوقتية معياراً في ترتيب والبدء في المعاينة الطبية والتدخل العلاجي فليس الغرض من الممارسة وتقديم الخدمة إلى من حضر أولًا بل لمن تستدعي عوارضهم المرضية ومؤشراتهم الحيوية مبدئياً التدخل الطبي والإسعاف.
لقد ظهرت الكثير من أنظمة التصنيف تلك عالمياً فمنها نظام مانشستر لتصنيف المرضى ومنها النظام الكندي والأميركى والأسترالي وغيرها، ومنها ينتهج التسلسل العددي من واحد إلى العدد خمسة أو يتخذ من ألوان محددة شفرة تصنيفية في قياس شدة ما يعانيه المريض من أعراض ومن ثم تحديد أولوية المعاينة والعلاج، والكثير منا لاشك لاحظ تلك الممارسات على أرض الواقع عند مراجعة أقسام الطوارىء ومراكز تقديم الرعاية الطبية العاجلة.
إن من يقوم بتلك الوظيفة من معاينة مبدئية وتصنيف للمرضى طاقم من الكادر التمريضي المدرب والمؤهل أكاديمياً وعملياً على مهارات المعاينة وأخذ تأريخ المرض وتحديد في ضوء ذلك أولوية المعاينة الطبية والعلاج بناءً على ما سبق وأن أشرنا إليه من معطيات ومؤشرات وأعراض وعلامات حيوية، مع ضرورة الالتفات هنا إلى أساس مهم وبسيط في عملية التصنيف تلك، والفرز إن جاز لنا التعبير، وهي أن تلك الممارسة مهنياً وعملياً عملية ديناميكية متغيرة، فما تقوم به الممرضة أو الممرض من تحديد أوترتيب أولي على سلم التصنيف قد يتغير صعوداً أو نزولًا مع مرور الوقت تبعاً لتطور الحالة المرضية وما يتبعها من بروز أعراض أو مؤشرات إكلينيكة جديدة تستوجب تقديم المعاينة والعلاج لمريض ما أو ربما في بعض الأحيان إرجاؤه في سبيل توجيه الرعاية الطبية المستعجلة لمريض آخر حضر للتو في حالة متقدمة من الخطورة أو المرض أوكليهما.
يتضح من كل ذلك أن ما برز نظام التصنيف إلا ليضع في الإطار الصحيح مغزى وفلسفة المعاينة الطبية في ممارسة طب الطوارىء، حيث الجوهر هو الذهاب بكل ما يملكه الكادر الطبي والتمريضي من معرفة وعلم ومهارة إلى استخلاص تلك الفئة من المرضى ممن هم في أمس الحاجة للتدخل والرعاية المتخصصة التي صقلتها سنوات من الإعداد المهني والجهد المضنى بذلتها الكوادر الصحية من طبية وغيرها، وهي تبني قدرات الاستجابة الطبية العاجلة والفاعلة، فهل دقائق أو ساعات معدودة من الانتظار لا تستحق التحمل في سبيل استنقاذ مريض ورفع معاناة؟
إقرأ أيضا لـ "محمد حسين أمان"العدد 4430 - الخميس 23 أكتوبر 2014م الموافق 29 ذي الحجة 1435هـ