مرّة أخرى، وليست أخيرة، تجد تونس نفسها على موعدٍ مع التاريخ لصنع الحدث، موعدٍ بات الجميع، في الداخل والخارج، شرقاً وغرباً، ينتظره، وينتظر ما سيئول إليه أمر هذه التجربة الفتيّة؛ تجربة ثورة سلميّة ذات شتاء من العام 2011، حين تخلّصت من ربقة ديكتاتور حكم لما يربو عن ربع قرن، فظهر الفساد في البلاد حتّى خرج عليه العباد وهرب المخلوع زين العابدين بن علي وعائلته دون رجعة. لكن اليوم، وتونس تشهد مع هذه الانتخابات نهاية الانتقال الديمقراطي، بات الجميع يتوجّس خيفة من أمرين أحلاهما مرّ وهو ينتظر ما ستئول إليه نتائج الانتخابات. ففيم تختلف انتخابات 2014 عن نظيرتها في 2011؟
انتخابات 26 أكتوبر/ تشرين الأول 2014 هي أول انتخابات تشريعيّة بعد إقرار دستور تونس 2014 الجديد من قبل المجلس الوطني التأسيسي، تأتي بعد تجربة ولادة عسيرة لديمقراطية عربيّة تونسيّة بامتياز، مرّت بعد 14 يناير 2011 بمرحلة صعبة تكللت بأول انتخابات نزيهة وشفافة في تاريخ تونس، شارك فيها جميع الطيف السياسيّ الذي كان مبعداً لعقود عن المشاركة السياسيّة، طبعاً ما عدا من كان يمثّل النظام السياسي السابق.
أمّا الملاحظ اليوم في انتخابات أكتوبر 2014، وبعد إلغاء قانون العزل السياسي لمن لم يُدنهم القضاء من وزراء النظام السابق وكوادره الحزبية، فإنّ المشهد السياسي اختلف، وتقدّمت لهذه الانتخابات التشريعية أحزاب وقائمات مستقلة يشهد تاريخها القريب قبل البعيد بولائها لمنظومة الفساد للرئيس المخلوع، أو على الأقل سكوتها عنه والانتفاع منه، وهو ما خلق شعوراً عاماً بالخوف من عودة المنظومة القديمة خاصة لدى الأحزاب الراديكالية مثل حزب المؤتمر من أجل الجمهورية أو بدرجة أقل حزب حركة النهضة الإسلامية وغيرهما من التيارات السياسية التي ناضلت وتناضل من أجل تحقيق مبادئ الثورة التونسية.
لكنّ طيفاً واسعاً وخاصة من المعارضة الليبرالية تخشى إعادة إنتاج تجربة الترويكا في الحكم، بقدر خشيتها من عودة رموز النظام السابق سواء عبر البوابة التشريعية أو الرئاسية؛ ذلك أنّ تجربة تحالف النهضة مع المؤتمر من أجل الجمهورية وحزب التكتل من أجل العمل والحريات قد شابها الكثير من التعثر، وفشلت - في نظرهم - في تحقيق ما وعدت به إضافة إلى عدم توفقها، حسب رأيهم دائماً، في التعامل مع ظاهرة الإرهاب.
كما أنّ الخارطة السياسية في البلاد تغيرت عما عليه في انتخابات أكتوبر 2011 عندما لم تكن حركة نداء تونس، والتي يرأسها اليوم الباجي قايد السبسي رئيس الوزراء الأسبق والوزير في عهد الرئيس المخلوع بن عليّ، قد تأسست بعد، إضافة إلى تراجع مدّ الإسلام السياسي، نسبياً، وانهيار مشروع الإخوان المسلمين في مصر خصوصاً، وتفشّي فيروس «داعش» في البلاد العربيّة... كلّ هذا وذاك، إضافة إلى «مصلحة البلاد والعباد في تونس»، دفع حركة النهضة إلى جملة من التنازلات أظهرت بها حسن نواياها حين تنازلت عن الحكم إلى حكومة تكنوقراط لإتمام المسار الانتقالي والوصول إلى هذه الانتخابات؛ ذلك أنّ حركة النهضة تدخل انتخابات2014 تحت شعار التوافق الوطني حتى ولو فازت بأغلبية مريحة في هذه الانتخابات التشريعية إذ تعتبر أنّ المسار الانتقالي لا يزال طويلاً وأن ما تمّ حتى الآن هو التأسيس للديمقراطية وتركيز المؤسسات وأن المرحلة القادمة هي مرحلة بناء وعمل تتطلب تضافر جهود كل القوى السياسية من أجل قطف الثمار.
ومن المعطيات الجديدة في انتخابات أكتوبر 2014، دخول رجال الأعمال بقوة في السباق الانتخابي سواء على رأس قائمات حزبية أو ائتلافية أو مستقلّة، وحتى في الانتخابات الرئاسية، وهو ما جعل الشارع التونسي أيضاً ينقسم إزاء هذا الوافد الجديد على المشهد السياسيّ؛ إذْ لم يألف التونسيون أن يترشح للانتخابات التشريعية والرئاسية رجال الأعمال والذين بترشحهم ودخولهم «معمعة» المعركة الانتخابية أثاروا الكثير من الجدل بين رافض لدخولهم للشأن العام وعالم السياسة وأطراف أخرى رحبت بهم وفتحت لهم الأبواب لدخول هذا العالم حتى وإن بدا غريباً عنهم في بعض الأحيان. وتُعتَبَر حركتا النهضة وحركة نداء تونس من أكثر الأحزاب التونسية استقطاباً لرجال الأعمال الذين تمّ استقطابهم ووضعهم على رأس قائمتيهما.
ومن الجديد القديم متابعة العالم هذه الانتخابات بترقب؛ فلئن تلقت تونس دعماً أممياً من خلال زيارة بان كي مون الأخيرة إلى تونس، والذي أعرب عن دعم الأمم المتحدة لمسيرة الانتقال الديمقراطي فيها ووعد بأنّ المنظمة ستعمل ما في وسعها حتى تكون الانتخابات التونسية شفافة وسليمة، فإنّ دولاً قد لا يروق لها نجاح التجربة الديمقراطية في تونس لن تكفّ أيديها عن هذه التجربة وربما لن تتوقف عن التأثير فيها بشكل مباشر أو غير مباشر قصد توجيه نتائج الانتخابات التشريعية وحتى الرئاسية فيها من خلال الدعم المالي والإعلامي لمن تتوقع أنه سيخدم مصالحها أو من يضع حدّاً لنجاح هذه التجربة الديمقراطية.
وفي هذا الخضمّ وذاك، يرنو التونسيون إلى تحقيق حلمهم في إنجاح هذا العرس الانتخابيّ دون أزمات جديدة، بل ويكتفي البعض بحدّ أدنى من البرامج الواقعيّة ألا وهو العودة إلى الوضع الأمني والاجتماعي لما قبل 2011، لكن دون ديكتاتورية ودون رشوة وفساد، في حين يتطلع آخرون إلى مزيد من الإصلاح وتحقيق أهداف الثورة.
إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"العدد 4427 - الإثنين 20 أكتوبر 2014م الموافق 26 ذي الحجة 1435هـ
لله درك يا تونس
منارة في ظلام هذا الواقع العربي البائس
نرجو التوفيق لأهل تونس وأشقائنا فيها
والله منارة يا تونس الكل غينو عليك
لقت تونس دعماً أممياً من خلال زيارة بان كي مون الأخيرة إلى تونس، والذي أعرب عن دعم الأمم المتحدة لمسيرة الانتقال الديمقراطي فيها ووعد بأنّ المنظمة ستعمل ما في وسعها حتى تكون الانتخابات التونسية شفافة وسليمة،
نسأل الله أن يتم العرس دون إرهاب
وفي هذا الخضمّ وذاك، يرنو التونسيون إلى تحقيق حلمهم في إنجاح هذا العرس الانتخابيّ دون أزمات جديدة، بل ويكتفي البعض بحدّ أدنى من البرامج الواقعيّة ألا وهو العودة إلى الوضع الأمني والاجتماعي لما قبل 2011، لكن دون ديكتاتورية ودون رشوة وفساد، في حين يتطلع آخرون إلى مزيد من الإصلاح وتحقيق أهداف الثورة.
الانتخابات في تونس: من 2011 إلى 2014
شكرا صاحب المقال على توضيح الصورة فتونس تهمنا ونجاحها مفخرة للعرب
هذا إجهاض للثورة لو حصل
لكنّ طيفاً واسعاً وخاصة من المعارضة الليبرالية تخشى إعادة إنتاج تجربة الترويكا في الحكم، بقدر خشيتها من عودة رموز النظام السابق سواء عبر البوابة التشريعية أو الرئاسية؛
تصحيح
متى كان الباجي قائد السبسي وزيرا في عهد الطاغية !!؟؟؟؟ ألا فاعلم أنه لم ينعم بغير عضوية مجلس النواب و رئاسته بعد ذلك .
تؤول إلى الخير إن شاء الله يا أستاذ
مرّة أخرى، وليست أخيرة، تجد تونس نفسها على موعدٍ مع التاريخ لصنع الحدث، موعدٍ بات الجميع، في الداخل والخارج، شرقاً وغرباً، ينتظره، وينتظر ما سيئول إليه أمر هذه التجربة الفتيّة؛
كلّ التوفيق
تجربة ناس متحضرين نتمنى لها النجاح