لقد بحثنا الوضع على مستوى البنك الدولي بأكمله ونقلنا القوة الضاربة للمؤسسة كاملة لمواجهة الفيروس، وأرسلنا المال، وقدّمنا المعارف، وساعدنا في وضع استراتيجيات الاستجابة، وحللنا الأثر الاقتصادي المحتمل.
وقد عملت فرقنا بشكل وثيق مع حكومات البلدان الأفريقية الثلاثة الأكثر تضرراً (غينيا وليبيريا وسيراليون) طوال أشهر لتحديد الإجراءات ذات الأولوية، وضمان صرف الأموال، والمساعدة في تنظيم الشحنات الكبيرة من الإمدادات. ومن واشنطن، تجمع عشرات الخبراء من منطقة أفريقيا بالبنك؛ ومن الخبرات العالمية في مجال الصحة والتغذية؛ ووحدات تمويل التنمية وإدارة اقتصاديات التنمية؛ ومن مؤسسة التمويل الدولية للعمل كفريق واحد. لقد عملوا بعقود مع البلدان المعنية حتى تتمكن هذه البلدان سريعاً من قبول منحنا؛ وتحليلات الأثر الاقتصادي؛ والتخطيط طويل المدى لإعادة بناء النظم الصحية في هذه البلدان بمجرد انتهاء الأزمة. ولتسهيل التنسيق، عمل أعضاء من مكتبي من مقر التصدي لوباء الإيبولا بالأمم المتحدة.
إن مخاطر تأخير هذه الجهود على حياة الإنسان والنمو الاقتصادي مرتفعة بشكل لا يصدق وتتزايد بشكل أكبر مع كل يوم نتأخر فيه عن تكثيف وتوحيد جهودنا للتصدي للوباء. ولهذا السبب، فقد أمضيت الكثير من الوقت خلال الشهرين الماضيين في العمل مع زملاء من البنك الدولي لوقف الفيروس. لقد كنت على اتصال دائم مع الرؤساء كوندي، وجونسون سيرليف، وكوروما، لفهم كيف يمكن للبنك الدولي مساعدتهم على الخطوط الأمامية. وتواصلت أيضاً مع قادة من جميع أنحاء أفريقيا والدول المانحة، لنقل الرسالة الأكثر أهمية: وهي ضرورة أن نبذل كل ما في وسعنا لوقف الإيبولا، وعلينا أن نعمل الآن لأن التأخير يرفع التكاليف البشرية والاقتصادية لوقف الوباء أضعافاً مضاعفة.
لذلك، فمنذ بدأنا العمل، تحركنا من خلال الإبداع والابتكار، وبشكل سريع مع تحديد هدفنا. لقد ابتكرنا، باستخدام نافذة التصدّي للأزمات بالمؤسسة الدولية للتنمية كمصدر للتمويل - وهو ما لم يحدث قط من قبل في مثل هذه الظروف. لقد استغرق الأمر من فرقنا تسعة أيام لعقد مفاوضات معقدة متعددة مع مسئولي البلدان من أجل صرف 105 ملايين دولار كأموال طوارئ - وهو إطار زمني لم نسمع عنه من قبل في مؤسستنا. ومن خلال العمل على مدار الساعة، طبق خبراؤنا نماذج متطورة تمكنت خلال بضعة أسابيع فقط من إنتاج تقييمات لأثر الإيبولا في البلدان الثلاثة والمنطقة. وتقييمهم قاتم: فالأثر الاقتصادي لفيروس الإيبولا في غرب أفريقيا يمكن أن تصل تكاليفه إلى 32.6 مليار دولار على مدى العامين المقبلين.
حتى ونحن نركز بشكل مكثف على الاستجابة للتصدي لحالات الطوارئ، يجب علينا أيضاً التخطيط للوباء القادم، الذي يمكن أن ينتشر بسرعة أكبر بكثير، وربما يقتل المزيد من الناس، وربما يدمّر الاقتصاد العالمي. فالعالم لديه صندوق النقد الدولي ليقوم بالتنسيق والعمل مع البنوك المركزية والوزارات للتصدي للأزمات المالية، إلا أنه عندما يتعلق الأمر بالطوارئ الصحية، فإن حقيبة أدواتنا المؤسسية تكون فارغة: حيث لا يوجد مركز للمعارف والمهارة للاستجابة والتنسيق.
لذلك اقترحت فرق التمويل لدينا، خلال الأسبوعين الماضيين، العديد من الحلول التي من شأنها معالجة الجزء المالي من هذه المشكلة، بما في ذلك مرفق جديد للطوارئ من أجل الأوبئة يمكنه صرف الأموال على الفور للبلدان في مواجهة تفشي مرض ما. وسيعمل المرفق على وضع حزمة مسبقة للتصدي للمرض، ويحدد اتفاقيات تمويل طارئ مع الجهات المانحة وآليات الاستلام للمستفيدين المحتملين. ولذلك، عندما يتم إعلان حالة طوارئ صحية عالمية، ستكون المساندة المالية متاحة بسهولة، وستتدفق بسرعة لمساندة الاستجابة الفورية. وبمساندة مساهمينا، نود تطوير هذا الاقتراح مع شركائنا في الأمم المتحدة، وصندوق النقد الدولي، وبنوك التنمية الإقليمية. ومهما كان شكل هذه الأداة، فإن وجود مثل هذا المورد سيجبرنا على وضع خطط ملموسة للتصدي لتفشي الوباء المقبل، وقد يوفر حتى إشارة مسبقة من السوق لمنتجي اللقاحات والأدوية.
لقد استفدنا بشدة فيما قمنا به من عمل حتى الآن بشأن الإيبولا من تركيزنا على مدى العامين الماضيين على تغير المناخ. وبعد فترة وجيزة من بداية عملي بالبنك الدولي، سألت فريقي سؤالاً بسيطاً: ما هي خطة مكافحة تغير المناخ؟ وكانت الردود الواردة من خبرائنا وحتى من قادة مجتمع تغيّر المناخ في معظمها تكتيكية: تكنولوجيات جديدة هنا، ورفع الكفاءة هناك. ورغم أهمية هذه الأمور، إلا أنها لم تكن على مستوى التحدّي للإبقاء على الزيادة في درجة الحرارة على مستوى العالم عند أقل من درجتين مئويتين. ولذلك، ومن خلال العمل مع آخرين، وضعنا استراتيجيتنا الخاصة التي عبرنا فيها عن أملنا في قطع شوط طويل نحو تحقيق هذا الهدف.
وتتكون خطتنا من خمسة أجزاء: تسعير الكربون؛ وإلغاء دعم الوقود الأحفوري؛ وبناء مدن أنظف، وزيادة الممارسات الزراعية التي تراعي المناخ، والاستثمار في مصادر الطاقة المتجدّدة. وقد تطلب تحقيق شيء من ذلك ولو على صعيد واحدة من هذه الأولويات تركيزاً مكثفاً. وقبل انعقاد قمة الأمم المتحدة المعنية بالمناخ، سألت فريقي مرةً أخرى بعض الأسئلة: ما هو أقل عدد لأهم الأشياء التي يمكننا القيام بها من أجل القمة، وما هي هذه الأشياء؟ لم أكن أريد من الفريق التركيز على جميع الأشياء التي نحتاج القيام بها؛ وأردت أن يركزوا على عدد قليل من الأشياء الأساسية التي يمكن أن نكون قادرين على دفعها قدماً إلى الأمام.
وقالوا لي إن أهم شيء نقوم به على الفور هو تسعير الكربون. ولن تحقق هذه الخطوة في حد ذاتها هدفنا المتمثل في الحفاظ على ارتفاع درجة حرارة الأرض عند أقل من درجتين مئويتين؛ إلا أنه بدونها سيستغرق الحد من الانبعاثات العالمية وقتاً أطول كثيراً. ولذلك قرّرنا القيام بحملة: استهداف 50 بلداً ومئات الشركات والمستثمرين للاتفاق على تسعير الكربون، ومن ثم تقديم الاتفاق إلى زعماء الدول في قمة الأمم المتحدة.
وقد أعد فريقنا المعني بالمناخ، الذي يضم خبراء من البنك الدولي ومؤسسة التمويل الدولية، خطة مفصلة للحملة. وتواصل الفريق أولاً مع جميع المكاتب القطْرية للبنك الدولي تقريباً لحشد الدعم لاتفاق تسعير الكربون من جانب الحكومات والشركات. وقمنا بالاتصال بمكتب الأمين العام للأمم المتحدة، وعملنا بشكل وثيق مع نائب الأمين العام ومبعوثي الأمم المتحدة للمناخ في هذا الجهد. وجنباً إلى جنب مع مجموعات القطاع الخاص قمنا ببناء تحالف غير عادي.
وفي بداية الحملة، أحصينا 22 بلداً أعربت عن عزمها مساندة هذا الهدف. وفي ظل مواصلة حشد الجهود، ظل العدد يتزايد. وقبل أقل من أسبوع من الموعد المحدد، وافقت الصين، وهي أكبر بلد في العالم من حيث انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، على مساندة تسعير الكربون، وأصبحت البلد رقم 54 التي تصادق على البيان. وخلال الأيام الأربعة التي سبقت انعقاد القمة، وقع 20 بلداً آخر على البيان. وفي وقت الإعلان، كانت 74 حكومة وأكثر من 1000 شركة ومستثمر قد وافقوا على تسعير الكربون. ومعاً، فإن البلدان الموقعة مسئولة عن 54 في المئة من انبعاثات الكربون في العالم، وتمثل 52 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في العالم، ونحو 50 في المئة من سكان العالم. وفي وقت لاحق، سيلتقي وزراء ورؤساء تنفيذيون لشركات ومجموعة المناخ بمجموعة البنك الدولي لوضع هذا التعهد موضع التنفيذ.
وخلال جميع جهودنا بشأن البنية التحتية، والإيبولا، وتغير المناخ، عملت فرق من مختلف أنحاء المؤسسة معاً في تعاون وثيق وأظهرت التزاماً ملهماً بالابتكار. إنني فخور بهم إلى أبعد مدى. لقد عكست جهودهم الإبداع والمعرفة والمهارة والقوة والحماس وإنكار الذات والإيثار. ويمثل تبادلهم للأفكار وأفضل الخبرات بالضبط الثقافة التي أردنا أن تحققها عملية إعادة التنظيم. إنني على يقين من أن ثمار جهدهم ستنقذ الأرواح، وتعزز النمو الاقتصادي، وتحد من الفقر، وتحمي كوكب الأرض للأجيال القادمة.
عندما أفكر في الإنجازات والنجاحات التي تحققها فرقنا في هذه القضايا الثلاث ذات الأهمية العالمية، وعندما أفكر في زملائي الموهوبين، فإنني أرى مستقبل مجموعة البنك الدولي. ومن خلال العمل مع كل من القطاعين العام والخاص، فإننا نحاول حل بعض المشاكل الأكثر صعوبةً في العالم اليوم، بطريقة تعكس ما نعرفه عمّا يمكن أن نكون عليه ونحن نقدم أفضل ما لدينا - فريق واحد حقاً لمجموعة البنك الدولي.
يجب علينا أن نحافظ على هذا الالتزام، لأن زيادة الهشاشة والتقلبات العالمية ستشكّل تحدياً أكبر لنا يوماً بعد يوم. وفي مسيرتنا نحو إنهاء الفقر المدقع، فإن الصراع والأعاصير والفيضانات والجفاف والصدمات المالية والأوبئة، قد تبطئ من خطانا في بعض الأحيان، ولكنها لن توقفنا. فالبنك الدولي سيكافح بكل قوة وسيكون خلاقاً ومبتكراً وسيطبق حلولاً على نطاق واسع لمساعدة البلدان في مجال إدارة هذه المخاطر والاستعداد لها والتعافي منها وقهرها، حتى تتمكّن هذه البلدان من النمو والازدهار.
وفي نهاية المطاف، فإننا سنواجه هذه التحديات معاً. سننهي الفقر بحلول العام 2030، وسنتأكد من نشر الرخاء بين البلدان وجميع الناس، وسنحمي كوكب الأرض من أجل الأجيال القادمة.
إقرأ أيضا لـ "جيم يونغ كيم"العدد 4420 - الإثنين 13 أكتوبر 2014م الموافق 19 ذي الحجة 1435هـ