خشية من تأثيرات الحركات الشعبية المطالبة بالحقوق والحريات، خصوصاً بعد أحداث الربيع العربي، يلجأ بعض أصحاب المصالح من سياسيين وتجار وكتاب وغيرهم من المستفيدين من الوضع غير العادل لما يمكن تسميته بـ «صناعة» المعارضات الفاشلة وذلك للحفاظ على المكتسبات غير المشروعة.
تقوم هذه الصناعة على أساس دفع المعارضات للفشل أو اختراع صور تنميطية فاشلة للمعارضات غير خاضعة للنقاش. لا يهم هنا إن كانت المعارضة في حقيقتها على غير ذلك، الحقيقة ليست مطلوبة هنا بتاتاً، المطلوب هو وضع الأفخاخ لفشل المعارضة أو اختلاق صورة تنميطية عن المعارضة تشوّه صورتها أمام الرأي العام المحلي والدولي.
تتنوع المعارضات في الوطن العربي. فهناك المعارضات التي تتشكل منذ البداية بصورة غير سلمية ما يؤدي إلى فشلها، وهناك المعارضات التي تنطلق بشكل سليم ولكنها في النهاية تستجيب للأفخاخ التي تضعها لها قوى المصالح ما يؤدي إلى فشلها. وهناك المعارضات العاقلة والواعية ولكن، في سبيل التخلص منها، تتعرض لما يمكن أن يعرف بفن صناعة المعارضات الفاشلة لإعطائها صورة غير حقيقية تظهرها على أنها معارضة فاشلة.
ورغم ما يمكن أن يعتريها من سلبيات، فإن المعارضات القائمة في الوطن العربي، بشكل عام، لم تقم إلا لسبب عدم قيام الدولة العربية بواجباتها تجاه المواطن العربي. فهناك حقوق مسلوبة، وهناك حاجة شعبية تدفع باتجاه القيام بحركات للمطالبة بالحقوق والحريات. فالدولة العربية بتقاعسها عن تلبية احتياجات مواطنيها هي المسئولة الأولى عن بروز الحركات المعارضة. بعد ذلك يأتي الدور على المعارضات التي يجب أن تراعي الواقع المحلي وتستخدم الأساليب المعقولة التي تضغط على السلطات، وفي الوقت نفسه لا تسمح بأن يكون البلد كله في مهب الريح وعرضةً لمشكلات وهزات كبرى. حين تراعي المعارضة الواقع المحلي وتستخدم الأساليب التي لا تعرض البلاد لاهتزازات كبرى يشعر أصحاب المصالح أن مصالحهم في خطر، وأن الحفاظ على هذه المصالح يستلزم البحث عن مخارج وتحديات تصرف الأنظار عن المطالب الأساسية وتوجهها وجهة أخرى. هنا تأتي الحاجة لفن صناعة المعارضة الفاشلة.
يمكن الحديث عن ثلاثة عناصر تعتبر أعمدة فن صناعة المعارضات الفاشلة. أولى أعمدة هذا الفن هي «صناعة» المعارضة الطائفية. كل الشعارات التي ترفعها المعارضة والتي تنادي بالأخوة والمصير المشترك لا تجدي. كل المبادرات التوافقية لا تجدي. فالمعارضة طائفية رغماً عنها، شاءت أم أبت، ليس لأنها الحقيقة بل لأنها إن لم تكن طائفيةً ستهدّد مصالح ومكتسبات المتمصلحين من الوضع القائم.
ثاني أعمدة هذا الفن هي «صناعة» المعارضة غير السلمية. أي موقف غير سلمي يصدر من أي شخص من الأشخاص في غمرة المطالبات الشعبية يكون محسوباً على المعارضة وإن ندّدت به ورفضته ليل نهار. هي معارضة سلمية حقاً ولكن المطلوب أن تكون معارضة غير سلمية، وهذا ما يتم الإصرار عليه، ليس لكشف الحقيقة وإنما لصناعة شكل المعارضة المطلوب ليسهل القضاء عليها.
ثالث الأعمدة هو الاتصال بالخارج. لا يهم من يكون هذا الطرف الخارجي. قد تكون مؤسسة حقوقية أهلية، أو مؤسسة إعلامية خاصة، أو شخصية ذات نفوذ، أو دولة جارة، أو حتى الأمم المتحدة، أي طرف خارج الحدود، حتى لو كانت الدولة على تواصل دائم به، يعد تواصلاً مع الخارج وامتثالاً لأوامره. مرة أخرى، المطلوب ليس واقع الحال وإنّما الصورة التي يُراد للمعارضة أن تكون عليها.
اللافت هو أن أصحاب المصالح القائمين على هذه الصناعة قد يلجأون لاختلاق بعض القصص والقضايا التي لم تقم بها المعارضة أصلاً، وذلك لتثبيت عدم عقلانية المعارضة. على سبيل المثال، إذا كان المطلوب هو أن توصف المعارضة بالطائفية ولكن لم يصدر منها ما يكفي لاتهامها بذلك، فيجب أن يتم اختلاق قصص غير حقيقية لتبرير هذا الاتهام. أو قد يحتاج الوصف إلى ما هو أكثر من ذلك من قبيل الإثارة والتأجيج. أحياناً قد توصف بعض المعارضات بالطائفية ولكن دون أن يؤدي ذلك إلى صراع داخلي يحتاجه أصحاب المصالح. هنا تأتي الحاجة لما هو أكبر من مجرد إطلاق الوصف وصناعة الصورة التنميطية. يقوم أصحاب المصالح باختلاق قصص اعتداءات طائفية تقوم بها المعارضة على الطوائف الأخرى لتشعل النار وتؤجج المشاعر الطائفية.
هذا الحال ينطبق على الارتباط بالخارج أيضاً. قد لا يكون هناك ما يسند الارتباطات الخارجية فيأتي اختلاق قصص الاجتماعات والسفرات واستلام الأوامر لتثبيت ذلك. وينطبق ذلك على الأساليب غير السلمية، حيث تأتي قصص الأسلحة و... غير ذلك. باختصار، لكي تكون الصورة المقدّمة للمعارضة منطقية بعض الشيء يحتاج أصحاب المصالح للتضخيم أحياناً، وللاختلاق التام أحياناً أخرى. كل ذلك لا يهم لأن الحقيقة أساساً ليست مهمة، وهذا أساس هذه الصناعة. لذلك يمكن الحديث عن «صناعة» الطائفية والأساليب غير السلمية والاتصالات الخارجية. هي صناعة وفن يمارسه بعض أصحاب المصالح للاحتفاظ بمكاسبهم غير المشروعة.
تبدو المعارضات العربية في حاجة إلى التصدّي لهذه الصناعة من خلال الإصرار على المطالبات الشعبية، على اعتبار أن الهدف النهائي لهذه الصناعة هي حرف الأنظار عن المطالبات الشعبية المصرة على الحقوق والحريات. من جهة أخرى، ربما يكون من المفيد الإصرار على ثبات الصورة الحقيقية للمعارضة العقلانية والواعية، وعدم الانجرار لأي أسلوب قد يشوّه هذه الصورة ويمنح أصحاب المصالح المبرر المطلوب لتأكيد الصورة التنميطية للمعارضة. يضاف إلى ذلك، يبدو التواصل مع الجهات التي يسعى أصحاب المصالح لتشويه صورة المعارضة لديهم، مهماً للغاية لإعطاء صورة واقعية وحقيقية للمعارضة من جهة، ولكشف وتعرية ألاعيب أصحاب المصالح أمام هذه الجهات.
ما يصب في صالح المعارضات هو أن الكثير من أصحاب المصالح أصبحت ألاعيبهم مكشوفة بعد الربيع العربي، خصوصاً أنهم صاروا يكرّرون ما قام به غيرهم. كما أن وسائل التواصل الاجتماعي باتت توفر لحركات المعارضة العربية فرصة إبداء رأيها، وتفنيد الصور التنميطية الكاذبة عنها بصورة مؤثرة، ما يجعل أصحاب المصالح في واقع مكشوف.
حين نهضت الشعوب وجاء الربيع العربي ارتفعت النبرة الطائفية وسادت الصراعات العسكرية وازدادت التدخلات الأجنبية. لا يبدو كل ذلك من قبيل الصدفة.
إقرأ أيضا لـ "حسن سعيد"العدد 4404 - السبت 27 سبتمبر 2014م الموافق 03 ذي الحجة 1435هـ
محب الوطن 1615
وزارة العدل تدارك الخطأ وتلغي الجمعيات المذهبية لأن هذه الجمعيات لا تعترف بالديمقراطية وتجمع الحشود من مذهبه باسم الدين وطبيعة شعبنا الطيب متدين فهل فيها عضو واحد من الطيف التخلف بل المختلف من نفس الذهب خارج من الملة محورها إلا تفرق الشعب
لن
لن بقدروووو ان يسكتووو كلمة الحق وسنستمر فى الحراك والله معنا
المعارضة الطائفية
عندما تتكلم المعارضة الطائفية تذكرني بالمعارضة البحرينية