استكمالاً لقراءتنا في قرار المحكمة الدستورية، لمناقشة مدى دستورية المادة (5) مكرر، المضافة إلى قانون البلديات، نتناول في هذا المقال الأخير، الأسباب التي ركنت إليها المحكمة الدستورية.
جاء في حيثيات قرار المحكمة الدستورية، بأن «مشروع المادة 5 مكرراً من قانون البلديات المضافة بمقتضى المادة الثانية من مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون البلديات الصادر بالمرسوم بقانون رقم 35 لسنة 2001، فيما اقتضاه من إفراد العاصمة بتنظيم بلدي اختصّه به، مبناه قاعدةٌ عامة مجردة تستند إلى أسس موضوعية لا تقيم في مجال تطبيقها تمييزاً من أي نوع بين المخاطبين بها، المتكافئة مراكزهم القانونية بالنسبة إليها. وكان تمييزه العاصمة بتنظيم خاص عائداً إلى مصلحة عامة بحسبان العاصمة واجهة المملكة وتضم الأغلب الأعم من وزارات الدولة وهيئاتها العامة والسفارات والقنصليات الأجنبية، علاوة على أن العديد من المرافق التي توفرها العاصمة غير مقتصرة على القاطنين فيها بل تنداح لتشمل بخدماتها جميع المواطنين والمقيمين، أيّاً كانت المناطق التي يقيمون بها في إقليم المملكة، وما يستلزمه ذلك من تدابير وتراتيب استثنائية فإن مؤدى ذلك كله أن القواعد التي يقوم عليها هذا التنظيم الخاص لأمانة العاصمة تغدو مرتبطة بأغراضها النهائية ارتباطاً غير منتحَل، مؤدية إليها، مفضية لها، غير مخالفة من ثمّ للدستور”.
هل التعيين يعزّز من العاصمة واجهة للبحرين؟
إذا كنا نتفق على صحة ما سطره قرار المحكمة الدستورية من قول «إن النص المعروض يتمخض بالشروط التي حدّد بها نطاق ومجال تطبيقه، عن قاعدة عامة مجرّدة لتعلقه بتنظيم وقائع غير محددة بذواتها أو انسحابه إلى أشخاص بأوصافها. وكان مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون لا يقوم -على ما استقر عليه قضاء المحكمة الدستورية- على معارضة صور التمييز جميعها؛ ذلك أن بينها ما يستند إلى أسس موضوعية ولا ينطوي بالتالي على مخالفة لنص المادة 4 و18 من الدستور، فالتمييز المنهي عنه بموجبهما هو الذي يكون تحكّمياً، ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يعتبر مقصوداً لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها يُعتبر هذا التنظيم ملبّياً لها، وتعكس هذه الأغراض إطاراً للمصلحة العامة التي يسعى المشرع لبلوغها متخذاً من القواعد القانونية التي يقوم عليها هذا التنظيم سبيلاً إليها”.
غير أن الذي يتعذر علينا وعلى المواطنين في العاصمة القبول به ما قرّرته المحكمة بهذا الشأن، بأن تمييز العاصمة بتنظيم خاص عائدٌ إلى مصلحة عامة بحسبان العاصمة واجهة المملكة وتضم الأغلب الأعم من وزارات الدولة وهيئاتها العامة والسفارات والقنصليات الأجنبية، وأن العديد من المرافق التي توفرها العاصمة غير مقتصرة على القاطنين فيها بل تنداح لتشمل بخدماتها جميع المواطنين والمقيمين”، ذلك أنه وإن كان من المستقر بأنه لا يوجد في التشريعات ومنها القانون الإداري، تعريفٌ محدّدٌ لمصطلح المصلحة العامة، وأن جميع النصوص التي جاءت كمصدر لفكرة المصلحة العامة اكتفت بالنص عليها دون أن تضع تحديداً أو تعريفاً لها، غير أنه لا يمكن اعتبار مصلحة معينة مصلحة عامة دون أن يكون لها أدنى أثر بالنسبة للأفراد الموجودين والذين سيوجدون في المستقبل. فالمصلحة العامة حسب هذا المفهوم ليست إلا حكماً بين مختلف المصالح الفردية.
هل حرمان ناخبي العاصمة مصلحة عامة؟
وفي إطار هذا الفهم للمصلحة العامة، نتساءل: أين هي المصلحة العامة في حرمان 40 ألف ناخب في 30 منطقة من مناطق العاصمة من انتخاب من يمثلهم في المجلس البلدي؟ هل المصلحة العامة التي اقتضت تخصيص أمانة عامة بالتعيين للعاصمة، كما جاء في حيثيات قرار المحكمة الدستورية تتمثل في أن العاصمة واجهة المملكة ولأنها تضم الأغلب الأعم من وزارات الدولة وهيئاتها العامة والسفارات والقنصليات الأجنبية، ولأن العديد من المرافق التي توفرها العاصمة غير مقتصرة على القاطنين بل تشمل بخدماتها جميع المواطنين والمقيمين؟
إن العاصمة حتى تكون واجهةً في داخل المملكة وخارجها، يتعين أن يكون مجلسها البلدي ديمقراطياً منتخباً انتخاباً حراً مباشراً، يمارس نشاطه ومسئولياته في إطار القانون تحت رقابة وتوجيه الدولة، بل إن في قيام المجلس البلدي بممارسة اختصاصاته التي نص عليها قانون البلديات تجاه وزارات الدولة وهيئاتها العامة والسفارات والقنصليات الأجنبية والمقيمين، إنما يعزّز ويساهم من كون العاصمة هي واجهة البحرين ولا ينتقص منها. وعلى افتراض صحة ما توصلت إليه المحكمة الدستورية بشأن المصلحة العامة، يحقّ لنا أن نتساءل: ألم يكن من الأجدر بالمشرّع العادي في ظل صحة هذا الافتراض، أن يضع نصاً في القانون يستثني فيه وزارات الدولة وهيئاتها العامة والسفارات والقنصليات الأجنبية من خضوع ما يقدّم لها من خدمات بلدية للمجلس البلدي، ويلحق خضوعها بالجهاز التنفيذي، بدلاً من حرمان مواطني العاصمة من حقهم في انتخاب مجلسهم البلدي؟!
غير أن الحقيقة تبقى واضحةً من الهدف المعلن من مقدّمي الاقتراح بتعديل القانون، ليس هو المصلحة العامة بل هو كما زعموا أن «العاصمة يجب أن تكون بمنآى عن أجندات الجمعيات السياسية، وخصوصاً أن التجربة أثبتت أن بعض المجالس البلدية انحرفت عن مسارها الطبيعي الذي أنشئت من أجله وهو تقديم الخدمات العامة للمواطنين، وأصبحت للأسف الشديد تعمل في السياسة”!
فهذا الزعم فضلاً عن أنه لا دليل ولا حجة عليه، فإنه يعتدي على حقّ حل المجلس المنصوص في قانون البلديات بموجب المادة (18) التي نصّت على أنه «يجوز حل المجلس البلدي بمرسوم قبل انتهاء مدة ولايته إذا ارتكب مخالفات جسيمة متكررة أدت إلى إلحاق الضرر بمصالح البلدية، على أن يتم إجراء الانتخابات للمجلس البلدي الجديد خلال أربعة أشهر من تاريخ صدور ذلك المرسوم. ويعين المرسوم الصادر بحل المجلس لجنة تتولى اختصاصات المجلس حتى يتم تشكيل المجلس البلدي الجديد”.
وعلى الرغم من أن هذا النص المتعلق بحل المجلس يتعارض مع ما هو مقرّر بأن المجلس البلدي يتم انتخابه شعبياً ولا يجب حله بمرسوم، فضلاً عن أنه لا يتضمن حق المجلس في التظلم من الحل، واشتمل على مدة طويلة لانتخاب مجلس جديد، لكنه بنصه الحالي وضع طريقاً لحل المجلس البلدي إذا تجاوز صلاحياته وارتكب مخالفات جسيمة متكررة، دون حاجة إلى إلغاء المجلس البلدي وتعيين أمانه عامة مكانه. وبهذا المعنى فإن هذا الإلغاء لا يتجاوز ويعتدي على أحكام الدستور فحسب بل على قانون البلديات أيضاً.
إقرأ أيضا لـ "حسن علي اسماعيل"العدد 4398 - الأحد 21 سبتمبر 2014م الموافق 27 ذي القعدة 1435هـ
هذا هو مربط الفرس
والا فان كل المبررات ااتي ساقتها المحكمة مخالفة للدستور.لكن تكلم من؟
تناقش من يا استاذ؟
وهل يعترف القوي بالقوانين؟