انطلقت أبسط مبادئ الممارسة الطبية منذ أن عرف الإنسان مهنة الطب والتطبيب من قاعدة مفادها أن سلامة المريض أولاً وقبل كل شيء ما يستوجب على الطبيب المعالج إنسانياً ومهنياً ودينياً وأخلاقياً بذل الجهد الكبير في استقصاء مسببات المرض وصولاً إلى وصف العلاج الشافي، وتلك مسئولية جليلة وعظيمة تتطلب من الإمكانات الذهنية والجسدية والنفسية الكثير ما يجب توافره في شخصية الطبيب حتى يتمكن من النهوض بواجبه وأداء رسالته على وجه أكمل.
إن طبيعة العلاقة العلاجية بين الطبيب والمريض أساسها الثقة والمصداقية التي أولاها المريض بداية عندما ذهب بما يحمل من آلام ومعاناة طارقاً، بعد الله سبحانه وتعالى باب الطبيب طلباً للعلاج والشفاء، وهي علاقة ومسئولية تلقي بثقلها على عاتق الطبيب المعالج الكثير من الواجبات المهنية والأخلاقية، التي هي في نظر المريض مسئولية شخصية يتوقع من الطبيب أنه قادر كل المقدرة على تحملها علماً ومعرفة، وأنه أهلاً لذلك.
كلنا أقسمنا عند تخرجنا من كليات الطب على أن نضع علمنا وخبرتنا وأن نسير ملكاتنا ومهاراتنا العلاجية في سبيل علاج المريض أياً كان نسبه وجنسه ولونه ومعتقداته وتحت أي ظرف سلماً وحرباً ليلاً ونهاراً، تدفعنا إنسانيتنا قبل كل شيء من دون توقع أي عائداً مادياً أو غير ذلك.
لقد بنيت الممارسة الطبية في الأساس على مبادئ سلامة المريض وراحته وهذا ما لا يختلف عليه، وليس لنا هنا أن ننسى أن الطبيب مهما بلغ من علم واكتسب من خبرة ومهارة يبقى إنساناً، معرضاً للسهو والنسيان ويبقى، كغيره من البشر، تحت طائلة التأثر والتأثير في كل ما حوله من معطيات اجتماعية ونفسية وعلمية وغيرها. وقد تسيره تلك العوامل والتداخلات إلى تباينات في الممارسة والعلاج، ونحن هنا لسنا في مجال اختلاق الأعذار لأطبائنا وإنما في حياد تام نريد إيصال معلومة بديهية وبسيطة هي أنه إن حدث وقصر الطبيب فهو معرض لذلك لكن الأساس هو في تمييز القصور وبنائه على قاعدة أنه وارد وفي الكثير من الأحيان إن لم يكن أغلبها، القصور أو الخطأ الطبي، إن جاز التعبير، مسألة قصور في منظومة علاجية أو تشخيصية أو إدارية ما أنتج مخرجات غير متوقعة قد تنعكس أو انعكست فعلاً سلباً على سلامة المريض بشكل مباشر أو غير مباشر.
ليس لنا أن نتوقع أن يصل أي نظام رعاية صحية وعلاجية في أي مكان من العالم، مع ما توصل له العلم من تقدم ومعرفة، إلى درجة مستوى التخلص الصفري التام من كل أوجه القصور والخطأ عند تقديم خدمات التشخيص والرعاية، فذلك هدف لا يتسق والطبيعة البشرية، ولكن ما يجب أن نحققه من مؤشرات رعاية متخصصة وذات مهنية عالية هو وضع الاستراتيجيات وبرامج الرعاية المتكاملة التي تقلل من احتمالية حدوث قصور أو خطئ طبي سواء كان تشخيصياً أو علاجياً أو كليهما ما يجعل التميز في سلامة العلاج العلامة الفارقة التي يستشعرها كل المرضى. ولنا في السبيل ذاته مثال أن يكون خط التشخيص والعلاج في كل مرافقنا الصحية منتهجاً مبادئ السلامة أولاً فكما يحتاج المريض إلى دواء يستجلب به الشفاء والعافية يحتاج قبله إلى أمان وسلامة كل ما يسبقه من تقييم مرضى وفحص إكلينيكي على أعلى مستوى من الكفاءة والمصداقية
كل ما سبق وأن أشرنا له هو ما يتوجب عمله في تكييف البيئة داخلياً تهيئة لتحقيق السلامة لمرضانا، ولكن يبقى الكثير من العوامل المؤثرة الأخرى خارجياً منها تعاطي وسائل الإعلام المختلفة والمناهج الطبية التي تعنى بتعليم وإعداد أطباء المستقبلودور الأبحاث وعلم الجودة والتغيير وممارساتهما وجمعيات المرضى وصانعي القرار الصحي وواضعي سياسات الصحة العامة ونظام التقاضي والمسائلة القانونية وتشريعات الرعاية الصحية حيث يمثل النظام القضائي في محور تعاطيه مع القصور الطبي والأخطاء المهنية العامل الفاعل عندما نتحدث عن الوصول إلى خلق أفضل بيئة لإرساء مبادئ سلامة المرضى وحماية الأطباء من تبعات أوجه القصور في الرعاية والعلاج.
لقد بنى النظام القضائي والحقوقي على مبدأ إثبات الخطأ وفي الكثير من الأحيان يذهب ممارسوه من محامين وقضاة بعيداً، بينما الأجدى في خلق نظام مُساءلة طبي من الاحترافية بمكان هو الذهاب إلى علاج كل ما يحصل من قصور ممارسي أو علاجي في كل المرافق الصحية ودور الرعاية ووضعه منهجاً في تحسين وضمان جودة وسلامة أفضل وخارطة طريق تصوب وتحسن المخرجات الصحية، من ذلك ممارسة القضاء الصحي وفق أسس ومعايير الجودة والسلامة ما يشكل شبكة حماية للمريض أولاً والكادر الطبي ويرتب المسئولية المهنية والقانونية وفق مبادئ ومعايير الممارسة الطبية الحرفية بعيداً عن آلية استقطاب المريض من جهة والطبيب من جهة أخرى والحفاظ على أسمى وأرقى علاقة أوجدتها المجتمعات البشرية وهي علاقة المريض والطبيب، فهل يقدر لنا أن نرى يوماً نظام تقاضي صحياً يأخذ زمامه ممارسو القانون الطبي ويبلور في كيان قائم بذاته.
إقرأ أيضا لـ "محمد حسين أمان"العدد 4395 - الخميس 18 سبتمبر 2014م الموافق 24 ذي القعدة 1435هـ
دكتور نبغي موضوع عن التكبر والغرور
بالغرب ما تفرق بين البروفيسيرو و العامل