في الوقت الذي نالت الحكومة الموسعة لرئيس الوزراء الفلسطيني أحمد قريع ثقة المجلس التشريعي، بدا ان «إسرائيل» والولايات المتحدة تراجعتا أمام واقع ان الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات ليس «غير ذي صلة» مع استمرار نفوذ الرئيس الفلسطيني داخل هذه الحكومة التي سيكون على واشنطن وتل أبيب أن تتكيّفا على متابعة عملية السلام معها. وتراجعت واشنطن عن موقفها السابق بأن رئيس الوزراء الفلسطيني يجب أن يسيطر على كل قوات الأمن قائلة انها ستحكم على مجلس الوزراء الفلسطيني الجديد من خلال أدائه. وفيما يعد اعترافا بواقع ان الفلسطينيين لن يختاروا الحكومة التي تريدها واشنطن، قالت وزارة الخارجية ان المعيار الوحيد هو ما إذا كان مجلس الوزراء الجديد سيتخذ إجراءات صارمة ضد النشطاء الفلسطينيين. في حين أعلنت الحكومة الإسرائيلية استعدادها لاتخاذ إجراءات من شأنها تسهيل مهمة قريع حسبما أعلن المتحدث باسم رئيس الحكومة الإسرائيلي زلمان شوفال الذي أوضح ان «إسرائيل» ستمتنع عن شن عمليات كبيرة في الأراضي الفلسطينية بغية إعطاء الفرصة لقريع ليتمكن من توطيد سلطته. هذه الأجواء التي عكستها الصحف العبرية، توحي بأن «إسرائيل» قررت منح قريع فرصة لتوطيد سلطته. كما كشف بعض المعلقين الإسرائيليين ان هناك ضغوطا أميركية بالإضافة إلى الضغوط التي أحدثتها وثيقة التفاهمات الفلسطينية الإسرائيلية (وثيقة جنيف) والنقد الذي وجهه رئيس الأركان الإسرائيلي موشيه يعالون إلى تصرفات الحكومة الإسرائيلية إزاء حكومة أبومازن ومسئولية شارون المباشرة في إسقاطها بعدم التعاون معه. ورأت «هآرتس» في افتتاحيتها ان رئيس الوزراء الفلسطيني الجديد أحمد قريع، تعلم من أخطاء سلفه محمود عباس، حين حرص على عدم تحدي رغبة الرئيس ياسر عرفات، لاسيما في ما يتعلق باستمرار الإمساك بزمام المؤسسات الأمنية. ومن هنا شددت «هآرتس» على ضرورة أن تتعلم الحكومة الإسرائيلية أيضا من أخطائها وأن تدرك ان الطريقة الناجعة لتعزيز مكانة الحكومة الفلسطينية هي العمل على تعزيز مكانة قريع نفسه وليس إضعاف عرفات. وان التهديد بطرد عرفات، لم يؤد سوى إلى تعزيز مركزه بين الفلسطينيين ولاسيما المسئولين في القيادة الفلسطينية. وفي هذا السياق، لفتت «هآرتس» إلى ان على رئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون، ووزير الدفاع شاؤول موفاز، أن يأخذا على محمل الجد تصريحات رئيس هيئة الأركان موشيه يعالون الأخيرة بشأن مساهمة الحكومة الإسرائيلية في سقوط حكومة عباس. وتابعت الصحيفة العبرية: ان ما يضمن نجاح قريع، هو دعمه للإسرائيليين والفلسطينيين الذين يريدون وضع حد لسيل الدماء على الجانبين. وأوضحت ان غياب عملية لإحلال السلام على مستوى الحكومتين الفلسطينية والإسرائيلية هو ما يشجع على اتخاذ مبادرات غير رسمية كمبادرة جنيف، على سبيل المثال. وأكدت في هذا السياق انه في حال اختارت الحكومتان الحوار فإنهما ستلقيان دعما هائلا من الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي. وتابعت بعرض التزامات الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي من أجل تحقيق السلام بينهما. فعلى الجانب الفلسطيني يجب اتخاذ خطوات حاسمة ضد العنف إلى جانب المباشرة بعملية الإصلاح. أما على الجانب الإسرائيلي فيجب تحسين أوضاع الفلسطينيين وإخلاء المستوطنات العشوائية والحواجز، إلى جانب تجميد عمليات الاستيطان والجدار الفاصل، بالإضافة إلى وضع استراتيجية سياسية منطقية وعادلة. وختمت بالقول ان قيام حكومة قريع، فرصة جديدة لوقف التدهور بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
وأشار ألوف بن في «هآرتس»، نقلا عن مصادر في الحكومة الإسرائيلية، إلى ان هذه الأخيرة مهتمة اليوم بتحقيق بعض التقدم الدبلوماسي، لذلك فهي تنوي فتح حوار مع حكومة أحمد قريع، على رغم ان الرئيس الفلسطيني لايزال يسيطر على المؤسسات الأمنية الفلسطينية. وأضافت المصادر ان الحكومة الإسرائيلية تخطط لإعطاء قريع، فترة سماح، لكي تتحضر لمكافحة «الإرهاب». ما يعني انه حتى لو لم تتوصل الحكومة الفلسطينية إلى هدنة مع المنظمات «الإرهابية» فإن «إسرائيل» ستوقف عملياتها العسكرية في الأراضي الفلسطينية ماعدا تلك التي تهدف إلى إحباط العمليات «الإرهابية». ونقل بن، عن مصدر آخر في الحكومة الإسرائيلية، ان ذلك ليس تنازلا استراتيجيا بل هو تنازل تكتيكي من أجل فتح باب الحوار. وتساءل مصدر آخر، انه في حال بدأت القوى الأمنية الفلسطينية فعلا باتخاذ إجراءات ضد «الإرهاب» فمن يهتم بالجهة التي تسيطر عليها؟ واستدرك انه في حال أصبحت المؤسسات الأمنية الفلسطينية كلها تحت سيطرة قريع، ولم تقم بأية خطوة لوضع حد «للإرهاب»، فإن أي تقدم لن يحصل على صعيد عملية السلام. غير ان مصادر إسرائيلية أشارت إلى انه لم يتم بعد تحديد موعد لعقد لقاء بين شارون وقريع، وان ذلك لن يحصل قبل عودة رئيس الوزراء الإسرائيلي من زيارته لإيطاليا. إلاّ ان المصادر أشارت إلى ان مكتبي رئاسة الوزراء الفلسطيني والإسرائيلي يجريان اتصالات منتظمة ويتبادلان الرسائل. وأورد بن في هذا السياق جزءا من تصريح شارون لنظيره السلوفاكي من انه سيلتقي قريع، عندما يصبح الفلسطينيون جاهزين لذلك، وان المشكلة ليست في اللقاءات بل في السياسات والالتزام بالتعهدات. إلى ذلك لفت بن إلى ان رئيس مكتب شارون، دوف فيسغلاس، سيرأس وفدا إسرائيليا إلى واشنطن في نهاية الشهر لإجراء محادثات مع المسئولين الأميركيين. واعتبر في هذا السياق انه على رغم ان الولايات المتحدة لا تتدخل بشكل مباشر في الاتصالات التي تجري بين حكومتي قريع وشارون، غير ان القدس تعتقد ان واشنطن ستتدخل في حال طلب الجانبان الفلسطيني والإسرائيلي ذلك.
في أي حال عاد ألوف بن في «هآرتس» وأشار إلى ان شارون سيلتقي نظيره الفلسطيني أحمد قريع بعد عودته من زيارته لإيطاليا. وبعد أن يتم لقاء شارون قريع، سيلتقي وزير الخارجية الإسرائيلي سيلفان شالوم نظيره الفلسطيني نبيل شعث. غير ان بن كشف ان مكتب رئاسة الوزراء الإسرائيلية لايزال يبحث في الطريقة التي يجب على أساسها التعامل مع قريع. موضحا ان التردد داخل مكتب شارون ناتج عن استمرار الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في السيطرة على المؤسسات الأمنية الفلسطينية من خلال مجلس الأمن الوطني الفلسطيني. غير ان المعلق السياسي الإسرائيلي استدرك بالقول ان شارون تعهد بلقاء قريع وهو اليوم تحت ضغط شديد من أجل إظهار بعض التقدم على الجبهة الفلسطينية، وأن مكتب وزارة الخارجية الإسرائيلية باشر بإجراء محادثات تحضيرية مع الحكومة الفلسطينية الجديدة قبل تجديد اللقاءات السياسية المباشرة. وأكد بن ان الاتصالات لم تنقطع، لافتا إلى ان رئيس مكتب وزارة الخارجية الإسرائيلي رون بروسّور التقى رئيس مكتب قريع حسن أبولبدا، ورئيس مكتب شعث. وعرض الجانبان خلال اللقاء توقعاتهما كما ناقشا سبل إحراز تقدم سياسي. إلى ذلك التقى رئيس مكتب شارون، دوف فيسغلاس، نظيره في مكتب قريع منذ أكثر من ثلاثة أسابيع غير انه لم يتحقق خلال اللقاء تقدم يذكر لأنه لم يكن معلوما يومها ما إذا كان قريع سيستمر في منصبه بوصفه رئيسا للوزراء وسيقوم بتشكيل حكومة جديدة. ومنذ ذلك اللقاء استمرت الاتصالات الهاتفية بين المكتبين، كما جرت اتصالات بين فيسغلاس ووزير المال الفلسطيني سلام فياض.
ولاحظ أرنون ريغيولار في «هآرتس» ان الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات مازال مستمرا في تقسيم قوات الأمن الفلسطينية وفي قيادتها. ونقل عن مصادر من قوات النخبة الفلسطينية ان عرفات عاد وقسّم جهاز الأمن الوقائي بعد أن كان وزير الداخلية الفلسطيني السابق محمد دحلان عمد إلى توحيده. موضحا ان هذا الجهاز بات، بناء على تعليمات عرفات، مؤلفا من قسمين، واحد في غزة والآخر في الضفة الغربية. واعتبر ريغيولار، انه بهذه الخطوة، يكون عرفات محا آخر عمل إصلاحي قامت به حكومة أبومازن.
وأجرى مولي مور في «واشنطن بوست» قراءة للوضع في «إسرائيل»، لاسيما على مستوى الدعم الشعبي لرئيس الوزراء الإسرائيلي شارون. وقدم مور لمقالته بالقول: انه مع استمرار العنف بين الفلسطينيين والإسرائيليين ومع تراجع الجهود الرسمية لإحلال السلام، بدأ بعض أعضاء حكومة شارون يعبرون عن معارضتهم لبعض المسائل، فيما باشرت جهات مختلفة العمل على مبادرات سلام غير رسمية في وقت أظهرت استطلاعات الرأي تراجعا في الدعم الشعبي لرئيس الوزراء الإسرائيلي. واستعرض مور آراء محللين سياسيين ومسئولين في مجال استطلاعات الرأي، إضافة إلى آراء بعض المسئولين في الحكومة الإسرائيلية. فنقل عن بعض المحللين ان تسارع الحوادث الدراماتيكية في الفترة الأخيرة أنتج انقسامات حادة داخل القيادة الإسرائيلية وضمن فئات الشعب الإسرائيلي. وتابع نقلا عن بعض المسئولين في هذه القيادة وبعض المحللين، ان الاستياء الذي يشعر به الإسرائيليون تفاقم إثر تصاعد القلق من تدهور أوضاع الاحتلال الأميركي في العراق وانعكاسات ذلك على مستوى تأجيج النزاع بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وتابع مور أن حتى أقرب مساعدي رئيس الوزراء الإسرائيلي من تكتل «ليكود» غير قادرين على الدفاع عنه. غير ان رئيس الوزراء الإسرائيلي لا يشعر بأنه مهدد - بحسب المسئول الإسرائيلي - لأنه يعلم ان ما من شخصية إسرائيلية أخرى قد تستطيع هزيمته. في الوقت نفسه، يرى المسئولون الإسرائيليون ان الرئيس الأميركي جورج بوش يواجه حملة انتخابية صعبة، لذلك فإن شارون يتوقع أن يخفف الأميركيون من ضغطهم عليه من أجل إجراء تغييرات سياسية على الأقل خلال سنة إضافية. واعتبر مور ان قرار شارون الأخير تخفيف الحصار المفروض على الفلسطينيين في الضفة الغربية، هو رضوخ للانتقادات التي أججتها تصريحات رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي الأخير. أما في ما يتعلق بمبادرات السلام غير الرسمية التي أعلنت أخيرا والتي شارك في وضعها مسئولون إسرائيليون سابقون وشخصيات يسارية إسرائيلية إلى جانب مسئولين في السلطة الفلسطينية، لاحظ مور، ان شارون وحكومته اغتاظوا كثيرا من تلك المبادرات، لاسيما بعد التشجيع الذي حظيت به من وزير الخارجية الأميركي كولن باول وأمين عام الأمم المتحدة كوفي عنان. وختم مور بالقول ان بعض الخبراء يعبرون عن شكوكهم في نجاح أي من تلك المبادرات
العدد 439 - الثلثاء 18 نوفمبر 2003م الموافق 23 رمضان 1424هـ