لم تنفجر ثورات وحراكات الربيع العربي ضدّ الظلم والتسلّط والفساد فقط. ذلك أن العمل السياسي يصبح ممارسةً عبثيةً معلّقةً في الهواء إذا لم يقابل النضال من أجل تغيير أوضاع سيئة مضرّة نضال موازٍ من أجل إحلال أوضاع جديدة مفيدة.
تلك الأوضاع الجديدة المطلوبة، والتي عبّرت عنها الشعارات التي نادت بها حناجر الجماهير الغفيرة في السّاحات والشوارع العربية، يمكن اختصارها في مطلب الإنتقال إلى نظام ديمقراطي سياسي – اقتصادي –اجتماعي عادل.
إذاً الإنتقال إلى الديمقراطية، وليس غير الديمقراطية، كان في قلب وروح تفجُّر أحداث ربيع العرب. ولأنّ الأمر كذلك، فإنّ موضوع الديمقراطية في أرض العرب يجب أن ينال الكثير من التفكير والتحليل والتحديد والتعريف، بما في ذلك التعلّم من أخطاء الآخرين في ممارستهم للديمقراطية. إذ كما كرّرنا مراراً، فإن الديمقراطية هي مسيرةٌ وصيرورةٌ لها بداية وليس لها نهاية، ولها أرضيةٌ وليس لها سقف.
من التجارب الديمقراطية المهمة، المليئة بالدروس والعبر، تجارب المجتمعات الغربية في ممارستها للديمقراطية، والتي هي الآن قيد المراجعة والنّقد والتقييم من قبل عشرات الباحثين والمفكّرين الغربيين.
والسَّبب؟ لأن انحرافاتٍ قد حدثت، وأخطاءً مميتةً في الممارسة قد أطلّت مؤخراً برأسها، ودلائل تراجع مقلق في قيمتها عند الكثير من المواطنين تظهر ملامحها في الأفق بين الحين والآخر، وآخرها صعود اليمين المتطرّف في الانتخابات الأوروبية الأخيرة.
مثلما نتحدث عندنا، في الأرض العربية، عن الثورات المضادة واختطاف الثورات، يتحدّثون أيضاً عندهم عن أعداء الديمقراطية الحميمين في الداخل، وعن الديمقراطية المناهضة المضادّة والمشوّهة.
في رأس قائمة الإشكاليات في ديمقراطيتهم موضوع الحرية. فالإصرار على الحرية الفردية المنفلتة شبه المطلقة أوجد الإنسان الاستهلاكي النّهم الأناني، وأوجد التسلّط والتلاعب والفساد لأصحاب المال، والنتيجة تتمثّل اليوم في اختزال الفرد عند الليبرالية الجديدة في البعد الاقتصادي، وذلك على حساب الأبعاد السياسية والاجتماعية والثقافية، أي أبعاد الصالح العام الكلّي.
ومن أجل تثبيت وإنعاش تلك الحرية المطلقة، تمّ إضعاف سلطات الدولة، المسئولة عن حماية الضّعاف والفقراء والمهمّشين أمام المال وأصحابه، فازدادت الفروق بين الأغنياء والفقراء، وتراجعت أهم مبادئ الديمقراطية المتمثلة في المساواة والعدل في توزيع الخيرات.
وبموازاة ذلك الشّطط في الحرية الفردية تراجع دور الديمقراطية في المراقبة وضبط التجاوزات والتأكد من الفصل بين السلطات، واختزلت الديمقراطية في النهاية في الفعل الانتخابي الدوري، والذي بدوره أصبح مرتهناً لأصحاب المال من خلال دعم المرشّحين بمال أصحاب المصالح النفعية، وبمؤسسات الإعلام التي يملكونها، كما هو واضحٌ ومتجسّدٌ في الانتخابات الأميركية على وجه الخصوص.
إن كل ذلك يهدم الميزة الأساسية التي تقوم عليها الديمقراطية، ميزة عدم سيطرة مبدأ على آخر، وفي حالة الغرب مبدأ الحرية على مبادئ الضّبط والمراقبة القانونية وحماية الضعفاء أمام جور الأقوياء.
بدأ الغرب إذاً في اكتشاف العدو الداخلي الحقيقي للديمقراطية، المتمثل في الليبرالية الجديدة المتطرفة المنادية بجنون على أن الفرد قادر لوحده، دون حاجةٍ لدولةٍ أو ربٍّ أو عائلةٍ أو نقابةٍ أو غيرهم؛ قادر على الاكتفاء بذاته الحرة ولذاته الأنانية في إشباع حاجاته الضرورية، وعلى الأخص حاجاته المادية التي أصبحت في عالم الرأسمالية العولمية المتوحشة أهم وأسمى من حاجاته المعنوية.
ويتوصّل هذا الجنون الليبرالي إلى نتيجة مفادها أن تتحرّر السلطة الاقتصادية من رقابة أو محاسبة أية سلطة أخرى، أي تصبح سلطةً بلا حدود.
وعندما توجد أية سلطة، سواءً أكانت اقتصادية أم سياسية أم اجتماعية أم دينية، بلا حدود، يبدأ الموت المحتّم للشرعية الديمقراطية، وتنتعش الفاشستية والأنظمة الشمولية، والتي بدورها تنحر الحرية، سواءً أكانت حريةً مطلقةً أو كانت مقيّدة.
إذاً فالديمقراطية الغربية، بعد أن تخلّصت من أعدائها الخارجيين، الذين تمثّلوا في الفاشستية والنازية والشيوعية المشوّهة المختطفة، تجد اليوم نفسها أمام أعدائها الداخليين بأشكالهم المختلفة، وهي تواجه معركة حياة أو موت.
قادة ثورات وحراكات الربيع العربي، التي قامت من أجل انتقال عربي تاريخي ديمقراطي، يحتاجون أن يتعلّموا من دروس الغرب الديمقراطي، وأن لا يقعوا في نفس المطبّات التي أوصلت ديمقراطية الغرب، إلى الطرق المسدودة التي تواجهها الآن، بحيث تبقى الأسس والسلطات الديمقراطية التي يطالبون بها ويحقّقونها متوازنة، ولا تحتكم إلا لمبدأ العدالة والإنصاف، من أجل بناء ديمقراطية عربية سياسية – اقتصادية – اجتماعية – ثقافية عادلة.
ميزان العدالة والإنصاف هو وحده الذي سيحمي الديمقراطية في آخر المطاف.
إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"العدد 4381 - الخميس 04 سبتمبر 2014م الموافق 10 ذي القعدة 1435هـ
إنهم متماسكون.
لا خطر على الديموقراطية الغربية من أي طرف لا خارجي ولا داخلي فالخارجي يواجهونه بالقوتين المدنية المتسلحة بالاقتناع الفكري المتماسك والوعي المؤسس على العلم. والعسكرية المتسلحة بالعتاد المتطور والعقول العسكرية المتمرسة. أما الداخلي فبالتماسك المجتمعي حول مبدأي الحرية والديموقراطية اللتين جربتهما المجتمعات الغربية وعاشت حالة السبق والريادة عبرهما. ذلك إضافة إلى أن الجميع بمن فيهم غيلان وحيتان الاقتصاد مقتنعين بل ومؤمنين أن وضعهم هذا هو الضمانة الوحيدة لمزيد من النجاحات لهم لأنه الوضع الذي مكنهم.
شكرا الى الاب العزيز المخلص
الله ينصر شعب البحرين الطيب وتتحقق الدمقراطيه الصحيحه والله ياخد حق الشعب المسلوب والله افرج عن المظلومين المعتقلين القابعين فى سجون الحكومة الظالمه واصبرهم على التعذيب المستمر اللهم فرج يالله