منذ الترخيص بإنشاء الجمعيات السياسية الذي جاء مع الانفراج السياسي في مطلع العقد الماضي، درجت جمعيات وقوى المعارضة السياسية على الاحتفال سنوياً أو بشكل شبه سنوي، بذكرى الانسحاب البريطاني في منتصف العام 1971 من البحرين. وهو الحدث التاريخي البالغ الأهمية الذي تحقق بفضله إعلان قيام دولة البحرين دولة عربية مستقلة بما يخوّلها حق الانضمام إلى المنظمات الدولية والإقليمية، وفي مقدمتها الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية.
ولعل ما يسترعى الانتباه في احتفال هذا العام ما تردد من أطروحات، سواء في سياق فعاليات الاحتفال، أو عبر بعض الآراء التي ترددت في وسائل التواصل الاجتماعي بأن الدافع الأساسي الذي حدا ببريطانيا للانسحاب من البحرين وبقية الأقطار الخليجية التي ظلت متواجدة فيها، هو الأزمة المالية التي مرّت بها في أواخر ستينيات القرن الماضي، استناداً لما صرح به وزير الدولة للشئون الخارجية البريطاني حينذاك روبرتس في مطلع العام 1968.
ورغم ما ينطوي عليه هذا التصريح من حقيقة لا جدال فيها عن معاناة الاقتصاد البريطاني حينذاك، إلا أنه لا ينبغي لنا وضع هذا السبب في حد ذاته، كعامل موضوعي، بمعزل عن دور نضالات وكفاح شعوب المنطقة ضد الاستعمار البريطاني منذ فرض وجوده، وحكمه غير المباشر على امتداد نحو قرنين، وعلى الأخص خلال فترة العقدين اللذين سبقا الانسحاب، حيث تأطرت تلك النضالات وتطورت مع انتشار التعليم وبروز العمل النقابي وشيوع التنظيمات السياسية المعارضة تحت الأرض، والتي قادت نضالات شعوب الخليج العربي في سياق المد القومي الذي شهدته المنطقة العربية برمّتها حينذاك.
وتأسيساً على ما تقدّم، يمكننا القول إن المصاعب المالية البريطانية، كعامل موضوعي ساهم في التعجيل بالانسحاب من الخليج، لم يكن إلا نتيجة وليس سبباً في حد ذاته، بمعنى أنه إذا كان من المُسلَّم به ثمة عوامل داخلية وخارجية أفضت إلى تلك الأزمة الاقتصادية، فمن بين تلك العوامل الخارجية حاجة بريطانيا لتعزيز وجودها العسكري والإداري في الخليج من خلال الإنفاق، الأمر الذي يسبب نزيفاً متواصلاً. ولم يكن بطبيعة الحال هذا الجانب من النزيف والاحتياجات المالية المتزايدة المترتبة عليه، إلا لدعم وزيادة إنفاقها العسكري والإداري في مستعمراتها الخليجية نتيجة لافتقادها ولإحباطها من إرساء الأمن والاستقرار الدائمين الوطيدين في مستعمراتها بسبب الاضطرابات والاحتجاجات الجماهيرية المتواصلة المناوئة لوجودها العسكري وفرض نفوذها السياسي المتسيد في تلك المنطقة، بغض النظر عن تباين نزيف تلك النفقات من قطر خليجي إلى آخر تبعاً لأشكال تلك الاحتجاجات التي تتراوح بين السلمية شبه العنيفة التي تواجه بالقمع، أو حتى من خلال العمليات المسلحة كما كان في اليمن الجنوبي وعمان.
ولم تعلن بريطانيا عزمها على الانسحاب ممّا أسمته بشرق السويس، وهي تعني تحديداً الخليج العربي، إلا بعيد إجبارها على الانسحاب الفعلي من قواعدها ومحمياتها مما كان يعرف لاحقاً باليمن الجنوبي في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني 1967. ومن نافلة القول أن مشيخات هذه المنطقة تشكّل بمجملها امتداداً جغرافياً طبيعياً لمشيخات وإمارات البحيرة الخليجية الخاضع معظم أقطارها لإدارة وحكم غير مباشر من الدولة المستعمِرة ذاتها. وكما ذكرنا فقد جاء هذا الانسحاب من جنوب اليمن تحت تأثير الكفاح المسلح والإضرابات والانتفاضات الجماهيرية السلمية العارمة التي خاضتها بدعمٍ من مصر ذات الوجود العسكري في الشمال حينئذ والاتحاد السوفياتي والصين، وذلك إبان الحرب الباردة التي شهدها العالم بين المعسكرين الغربي والشرقي في تلك الحقبة من تاريخ العلاقات الدولية المعاصرة.
وإلى جانب تلك العوامل الذاتية المتمثلة في ضغوط نضالات شعوب المنطقة التوّاقة للتحرر الوطني من ربقة الاستعمار وتقرير مصائرها وتحقيق الاستقلال الوطني الناجز، يمكننا القول أن ثمة أربعة عوامل موضوعية متشابكة أدى تراكم ضغوطها مجتمعةً إلى إجبار بريطانيا على اتخاذ قرارها النهائي بالانسحاب الكامل من منطقة الخليج العربي كقرار حكيم ذي بعد نظر باتجاه إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وتجنب المزيد من الخسائر في المال والعتاد والأفراد والسلاح، وتفادياً أيضاً الوصول إلى وضع كارثى ينذر بعواقب وخيمة يصعب التنبؤ بمداها أو حجمها على بريطانيا.
العامل الأول: الضربة التي تلقتها بريطانيا بقيام ثورة يوليو المصرية العام 1952 والتي قضت على النفوذ السياسي الاستعماري المتسيّد.
العامل الثاني: جلاء القوات البريطانية من مصر بموجب الاتفاقية التي وقعتها مع القاهرة العام 1954.
العامل الثالث: ثورة يوليو/ تموز العراقية من العام 1958 وما تبعها من حمل بريطانيا على الانسحاب من العراق.
العامل الرابع: الانسحاب الإنجليزي من عدن وأراضي مشيخات اليمن الجنوبي في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 1967 والذي دفع بريطانيا مع توالي متاعبها المالية إلى الإعلان بعد شهور قليلة مع مطلع العام 1968، عن عزمها الانسحاب من شرقي السويس.
ولئن كان يمكن فهم التباين في الآراء داخل البلدان الخليجية التي انسحبت منها بريطانيا ووقعت مع حكوماتها إنهاء اتفاقيات الحماية بشأن تحديد اليوم الوطني لتلك البلدان، فلا ينفي الاختلاف بأي حال من الأحوال على الأقل إعلامياً الذكرى السنوية لتواريخ فسخ اتفاقيات الحماية مع بريطانيا التي لا نعتقد أن هناك من يختلف بأنها تنتقص من السيادة الوطنية، فلولا إلغاء هذه الاتفاقيات، حتى لو كان برغبةٍ من طرف واحد على خلاف رغبة الطرف الآخر، لما تمكنت حكومات تلك الأقطار من إقامة دولها الوطنية الفتية المستقلة، ولما تمكنت من الانضمام إلى منظمة الأمم المتحدة وجامعة الدولة العربية.
إقرأ أيضا لـ "رضي السماك"العدد 4380 - الأربعاء 03 سبتمبر 2014م الموافق 09 ذي القعدة 1435هـ
بريطانيا الى الان لم تنسحب
يجب ان يكون العنوان ......هل انسحبت بريطانيا من الخليج؟؟؟؟؟؟؟
الانسحاب المبرمج
الانسحاب البريطاني من شرق السويس كان مبرمجا ومرتبطاً ببرنامج المصالح البريطانية وأولوياتها وفقا للمخطط السياسي البريطاني للمنطقة التي كانت خاضعة تحت هيمنتها واستعمارها ..وأن التطورات السياسية والعلمية كانت عاملاً مهماً في تغير وسائل وأساليب السياسية البريطانية ونمط تواجدها وأساليب هيمنتها ..وأننا نعتقد بأن الامبراطورية العجوز (سياسياً) لا يمكن أن تتخلى عن مناطق نفوذها وهيمنتها الاقتصادية والساسية ..مع التحية س.د
بريطانيا اخبث من ان تخرج دون ان تجعل لها خيوطا تتحكم بها في المنطقة
ان كانت خرجت بريطانيا ظاهريا فهي في السر تدير امر بعض البلدان وتحت مسميات اخرى لكنها هي من يدير اللعبة وبخبثها ومكرها الدائم المتواصل
تحت ضربات للمقاومه
بل طوعيا وكان مشايخ الخليج اول المعارضين للانسحاب