في هذا الزمن الدامي بعض فسحات أمل. في هذا الجو العاصف بعض مرافئ يستريح فيها المسافرون. في هذا الدمار الهائل لا شيء قد يبقى سوى إرادة الإنسان في صنع غدٍ أفضل عبر سفراء السلام... ذلك بعضُ قليل من رسالة المهرجان الدولي للسلام؛ هذا المهرجان السنوي الذي احتضنت نسخاته السابقة كل من الصين ولبنان والمملكة العربية السعودية، ويعقد دورته الجديدة هذا العام بمدينة طبرقة من محافظة جندوبة الواقعة في الشمال الغربي للجمهورية التونسية، وذلك بحضور رئيس مكتب حقوق الإنسان للمفوضية العليا للأمم المتحدة في تونس وعدد من سفراء السلام والإعلاميين.
وقد أعلن مدير المهرجان الدولي للسلام معتز بالله الوسلاتي رئيس جمعية «أمل تونس»، الجهة المنظمة لهذه الدورة من المهرجان، في ندوة صحافية عقدت بمدينة طبرقة عن برنامج وموعد انطلاق المهرجان الدولي للسلام بتونس؛ حيث سيكون افتتاحه يوم غد 27 من أغسطس/ آب، انطلاقاً من محافظة جندوبة، وسيختتم بالمركب الرياضي برادس من ولاية بن عروس يوم 16 سبتمبر/ أيلول 2014 المقبل، بعد أن يستكمل عرض فقرات برنامجه في كافة محافظات الجمهورية التونسية.
ويأتي تنظيم المهرجان الدولي للسلام في تونس متزامناً مع مرحلة سياسية واجتماعية عسيرة على الشعب التونسي تحتاج دعماً معنوياً ورمزياً من هكذا مهرجان دولي؛ فالبلاد على أبواب انتخابات تشريعية ورئاسية مصيرية لإرساء أول ديمقراطية عربية تتمخّض عن ثورات الربيع العربي، هذه الديمقراطية كان ثمنها باهظاً في بعض الردهات من هذا المسار الانتقالي الذي عقب الثورة التونسية؛ فقد سالت دماء الشهداء عبر الاغتيال السياسي، كما وجد الإرهاب، بمختلف أشكاله ومصادره، في بعض شباب تونس المتحمّس أرضيةً ليفعل فعله ويفرّق بين الأصدقاء والأشقاء، ويقتتل الإخوان في الجبال ويشتبك المتطرفون مع رجال الجيش البواسل، ويذهب ضحية هذا الصراع الدامي عشرات الشهداء من أبناء الجيش التونسي، فضلاً عن موت عددٍ كبيرٍ من أولئك الشباب المغرّر بهم. كما شهد النسيج الاجتماعي بعض التفكك نتيجة النفخ في بعض المشاكل الاجتماعية بين الجهات والمحافظات، قصد توظيفها سياسياً من قبل بعض الأطراف، أو ما يمكن تسميتها بـ «الدولة العميقة»، لإفشال المسار الانتقالي الديمقراطي بشتى السبل.
لكن رغم هذه الصفحة القاتمة من تاريخ الثورة التونسية المباركة، فإن عقلاء البلاد ومؤسسات المجتمع المدني جنّبوها ويلات المراحل الانتقالية التي عاشتها دول أوروبية سابقاً بعد ثورات عارمة، أو التي تعيشها بعض الدول العربية حالياً، كما هو الحال في ليبيا وسورية خصوصاً. لذا يأتي تنظيم هذا المهرجان في تونس في وقت مناسب جداً، خصوصاً أن الهدف الأساسي من تنظيم المهرجان هو توجيه رسائل تدعو الشعب التونسي إلى السلام باعتباره الضامن للتعايش السلمي بين الشعوب.
وخلال المهرجان سيتم الإعلان عن سفراء السلام بكافة المحافظات التونسية، وسيتخلل ذلك عروض موسيقية وأخرى مسرحية ولوحات فنية، تحكي قصص السلام في العالم، حيث من المزمع أن تشمل التظاهرة كل محافظات الجمهورية، إذ سيتمّ خلال الانتقال من محافظة إلى أخرى، التوقيع بالبصمات على أكبر قطعة قماش من المنتظر أن تحطم أكبر رقم قياسي مسجّل في مسابقات «غينيس»، حيث يسعى المبادرون من خلالها إلى تسجيل رقم قياسيّ عالميّ بالتوقيع على قطعة قماش مساحتها 12 ألف متر مربع، ستمكن التونسيين من وضع بصمات أيديهم إسهاماً منهم في نشر قيم السلام والتسامح ورفض العنف بكل أشكاله، ودعم تضامن الشعب التونسيّ ووحدته خصوصاً في هذه المرحلة الحسّاسة، حيث من المنتظر أن تطوف هذه القطعة لاحقاً مختلف جهات الجمهورية، إذْ سيشمل عرض التوقيع هذا المدارس الابتدائية والمدارس الإعدادية، حيث سيتزامن توقيت اختتام المهرجان مع اليومين الأولين لعودة التلاميذ إلى مقاعد الدراسة.
على أن يتمّ بعد الانتهاء من جمع التوقيعات، تفصيلها إلى قطع صغيرة وبيعها لتمويل بناء مركز ثان لمكافحة الإدمان على المخدرات في تونس؛ ذلك أنّ مداخيل المهرجان ستوظف لبناء مركز لمعالجة المدمنين على المخدرات بمحافظة جندوبة.
وسينهض رسل السلام، بكل محافظة من محافظات الجمهورية التونسية، بدور محوري في إرساء رسائل المحبة والسلام، وتكريس مفاهيم الوسطية والتعايش السلمي، بغاية تغليب صوت الحوار السلمي على نداء الكراهية والعنف، لا على الصعيد الوطني فحسب، وإنما على الصعيدين العربي والعالمي، وسيكون على هؤلاء الرسل حمل أنبل رسالةٍ ونقلها إلى كل المجتمعات ونشر مفاهيم الوسطية والاعتدال.
إن شباب تونس الذي أبهر العالم بثورةٍ سلميةٍ واستطاع أن يحافظ على مقدرات بلاده طيلة هذه المرحلة الانتقالية، ويحافظ على كل ما هو إيجابي من مراحل حكم البلاد السابقة، رغم بعض الصعوبات التي لا يمكن إنكارها أو الخجل منها، هذا الشباب حريٌّ بأن يواصل نشر رسالة السلام بين أرجاء وطنه، وكذلك بين دول الجوار ودول المنطقة عموماً.
إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"العدد 4371 - الإثنين 25 أغسطس 2014م الموافق 29 شوال 1435هـ
المهرجان الدولي للسلام بتونس
نرجو أن تكون تونس مرفأ سلام تليها بقية دول الربيع العربي
حقا هم كذلك
إن شباب تونس الذي أبهر العالم بثورةٍ سلميةٍ واستطاع أن يحافظ على مقدرات بلاده طيلة هذه المرحلة الانتقالية، ويحافظ على كل ما هو إيجابي من مراحل حكم البلاد السابقة، رغم بعض الصعوبات التي لا يمكن إنكارها أو الخجل منها، هذا الشباب حريٌّ بأن يواصل نشر رسالة السلام بين أرجاء وطنه، وكذلك بين دول الجوار ودول المنطقة عموماً.