العدد 4357 - الإثنين 11 أغسطس 2014م الموافق 15 شوال 1435هـ

إسقاط رحلة الخطوط الماليزية... التأطير القانوني كجريمة حرب

ويليام بورك وايت

أستاذ القانون الدولي ومدير بيري وارلد هاوس في جامعة بنسلفانيا.

(ينشر المقال بالاتفاق مع «بروجيكت سنديكيت»)

وَصَف الرئيس الأميركي باراك أوباما إسقاط رحلة الخطوط الجوية الماليزية رقم 17 بأنه «فِعلة شنيعة ذات أبعاد لا توصف»، في حين اعتبره الرئيس الروسي فلاديمير بوتن «حادثاً» و»مأساة رهيبة». ووسمه الرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو بالعمل الإرهابي، وأسماه رئيس الوزراء الماليزي نجيب رزاق «عملاً غير إنساني وغير متحضر وعنيفاً وغير مسئول».

قد تكون كل هذه الأوصاف دقيقة، ولكن كلاً منها يحمل ثِقَلاً خطابياً مختلفاً وآثاراً قانونية متفاوتة. والآن حان الوقت لكي تعتبر الحكومات والمنظمات الدولية الهجوم على الرحلة رقم 17 جريمة حرب محتملة.

الواقع أن هذا التحول في الخطاب مطلوب، أولاً لأن تأطير استحقاق هذا العمل الحقير للتوبيخ الأخلاقي ضمن لغة مشتركة من شأنه أن يساعد في اصطفاف المفاهيم العامة بشأنه. فحتى لحظتنا هذه، يتباعد السرد العام في روسيا بحدة عن السرد في الغرب. فيصور المسئولون الروس ووسائل الإعلام الروسية هذا الحدث في أفضل الأحوال باعتباره خطأً فادحاً، وفي أسوإها بوصفه مؤامرة أميركية تهدف إلى تقويض الدعم الذي يتلقاه المتمردون. ومن جانبهم يلقي الأميركيون والأوروبيون اللوم بشكل متزايد على روسيا متهمين إياها بتجهيز المتمردين أو مساعدتهم.

ونتيجةً لهذا فإن إمكانية التوصل إلى فهم مشترك لهذه الفِعلة تتضاءل بشكل واضح، ومعها يضيع أي احتمال للتعاون الحقيقي. ولكن من خلال الاعتراف بإسقاط طائرة الخطوط الماليزية (الرحلة رقم 17) بوصفها جريمة حرب، فقد تتمكن الحكومات من خلق الفرصة للتوفيق بين الروايات المختلفة.

أياً كانت دوافع الجناة الأساسية، فلا أحد يستطيع أن ينكر الانتهاكات الأخلاقية والقانونية التي وقعت. ووصف هذه الجريمة بمسماها القانوني يُعَد إقراراً بهذا، ويحول دون اندلاع معركة خطابية لتأطير الهجوم باعتباره خطأً أو مأساة أو مؤامرة. وقد يكون حتى الروس على استعداد لقبول هذا التأطير، لأنه يجنبهم توجيه أصابع الاتهام إلى فاعلين بعينهم ويؤكد أن محكمة القانون - وليس سلسلة من التصريحات الإعلامية - هي التي ستحدد ماذا حدث ومن هو المسئول.

وثمة سبب آخر لوصف إسقاط الطائرة الماليزية علناً باعتباره جريمة حرب، وهو أن هذا الوصف قد يكون مفيداً في إلقاء القبض على الجناة. فهناك خطرٌ حقيقيٌ يتمثّل في احتمال اختفاء أولئك المسئولين عن الضغط على زر الإطلاق - وربما المسئولين عن إصدار الأوامر بالإطلاق - وسط الفوضى التي تعم منطقة شرق أوكرانيا، أو امتدادات روسيا الشاسعة، أو أي مكان آخر. وهناك أيضاً الخطر المتمثل في نجاح الجناة إذا تم العثور عليهم، في تجنب المحاكمة إذا كيفت السلطات المحلية هذه الجريمة سياسياً، وبالتالي استثناؤهم من شروط تسليم المجرمين المعتادة.

وقد تقبلت كل الدول المعنية في المنطقة الالتزام القانوني بتقديم المساعدة في التحقيق في جرائم الحرب وملاحقتها قضائياً. والواقع أن الالتزام بمحاكمة المشتبه في ارتكابهم جرائم حرب، أو تسليمهم لمواجهة المحاكمة في مكان آخر، يصبح ضرورة أكثر إلحاحاً وإلزاماً وفقاً لمدى خطورة الجريمة المزعومة.

ورغم أن التفاصيل الكاملة للهجوم على الطائرة الماليزية تظل مجهولة، فإن إطلاق صاروخ أرض جو على طائرة ركاب مدنية تحلّق فوق منطقة حرب يُعَد في الأرجح انتهاكاً لقانون الحرب المُلزِم لكل من الحكومة الأوكرانية والحكومة الروسية والمتمردين. والواقع أن الصراع في شرق أوكرانيا يشكل نزاعاً مسلحاً غير دولي (حرب بين حكومة وحركة متمردين) ويحكمه القانون الإنساني الدولي، الذي يحظر بشكل قاطع استهداف المدنيين. بعبارةٍ أخرى، إذا اعتبرنا أن من أطلق الصاروخ، كائناً من كان، فعل ذلك بنية قتل الركاب المدنيين على متن الطائرة الماليزية، فإن هذا التصرف يُعَد جريمة حرب بلا أدنى جدال.

وحتى لو كان الهدف ضرب طائرة نقل أوكرانية، فإن هذا التصرف يشكل في الأرجح جريمة حرب. إذ يشكل مبدأ التمييز - الشرط الذي يلزم الأطراف المتحاربة بالتمييز بين الأهداف المدنية والعسكرية - عنصراً أساسياً في قانون الحرب، بما في ذلك القانون القابل للتطبيق في الصراعات المسلحة غير الدولية. وعلى حد تعبير اللجنة الدولية للصليب الأحمر فإن «واجب الرعاية يشمل القيام بكل ما هو ممكن للتحقق من أن الأهداف عسكرية».

وفي هذه الحالة، كان من الممكن بسهولة اتخاذ العديد من الخطوات لتمييز طائرة الخطوط الجوية الماليزية، الرحلة رقم 17، عن طائرات النقل العسكرية، بما في ذلك التحديد البصري (ربما باستخدام المنظار المكبّر)، وتحليل إشارات الرادار، والتحقق من شفرة بثّ الطائرات المدنية. وإذا لم يتم اتخاذ هذه الخطوات الأساسية كما يبدو مرجحاً، فإن حتى إصابة الطائرة بطريقة عَرَضية تشكل جريمة حرب.

إن المحكمة الهولندية أو الماليزية، أو حتى المحكمة الخاصة التي قد تقام تحت رعاية الأمم المتحدة (كتلك التي نظرت قضية تفجير طائرة شركة بان آم فوق لوكيربي العام 1988)، سوف تحدد في نهاية المطاف من يتحمل المسئولية القانونية عن إسقاط الطائرة الماليزية. وتأطير الهجوم بوصفه جريمة حرب محتملة الآن – كما فعل مفوض الأمم المتحدة الأعلى لحقوق الإنسان نافي بيلاي - قد يساعد في التوفيق بين الروايات المتضاربة التي تخرج إلينا تباعاً. ولعل الأمر الأكثر أهمية أن القيام بهذا من الممكن أن يلعب دوراً أساسياً في تأمين الدعم السياسي والدبلوماسي والقانوني اللازم لتقديم الجناة إلى العدالة.

العدد 4357 - الإثنين 11 أغسطس 2014م الموافق 15 شوال 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 8:42 ص

      منطق العقل

      كل هذا الهراء واللف والدوران حول إسقاط رحلة الخطوط الجوية الماليزية رقم 17 لن ينطلي على أي إنسان عاقل على أطلاع تام بالاحداث في أوكرنيا... لأن الاجابة الصحيحة عن أسباب سقوط الطائرة الماليزية تتأسس عندما نعرف السلطات أو الجهة الرسمية أو الطرف المسئول الذي سمح أو منح رخصة تحليق الطائرة الماليزية في تلك المناطق المتوترة من شرق أوكرانيا ..الجواب والاسباب معروفة طبعاً !!!

اقرأ ايضاً