العدو لم يتمكن من إلحاق الهزيمة بالمقاومة الفلسطينية ونزع سلاحها، وقد أراد أن يبرز نفسه في صورة الضحية بدلاً من الجلاد، فإذا به يظهر على حقيقته أمام العالم أجمع، كغول متوحش خالٍ من الوجدان والضمير.
بخلاف ما يروج له الكيان الصهيوني الغاصب، من أن العدوان على غزة شن بهدف الانتقام للمستوطنين الإسرائيليين الثلاثة، الذين جرى خطفهم في الضفة الغربية، تكشف مؤخراً أن من أقدم على عملية الاختطاف وإطلاق الرصاص على المستوطنين الثلاثة لم يكن فلسطينياً، وليس للمقاومة الفلسطينية أية علاقة بذلك.
ولأهمية هذا الموضوع، نورد بعضاً مما ذكرته القناة الألمانية الثانية (ذي. دي. إف) في يوم الاثنين الموافق 21 يوليو في برنامج أوسلاندر جورنال «المجلة الدولية»، حول قصة اختطاف المستوطنين الإسرائيليين الثلاثة.
أعد الحلقة المذكورة الصحافي البارز كريستيان سيجرس. ولأجل التحقق من ادعاء الحكومة الإسرائيلية، سافر معد الحلقة إلى الأراضي المحتلة، وتتبع خيوط الحدث وملابساته، وعاد بتقرير موثق أثبت فيه أن الجريمة لم تكن سياسية، وقد ارتكبت الجريمة لأسباب مادية بحتة، وأن من أقدم عليها ليس من الفلسطينيين، ولكنه مستوطن آخر. ولكن جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي «شين بيت»، الذي علم بأمرها من جهاز الشرطة، تحفظ على كل ما له علاقة بالحادثة، وكان من بين تلك متعلقاتها، تسجيل لاتصال هاتفي أجراه أحد الشبان المختطفين مع الشرطة، وهو لم يسجل المكالمة فحسب، بل سجل أيضاً صوت إطلاق الرصاص من جانب المختطف على ضحاياه.
ذكر التقرير أن جهاز «الشين بيت» فرض حظراً تاماً على كل المعلومات المتعلقة بهذه الحادثة، ومنع الشرطة من الإدلاء بأي تصريحات بخصوصها. ثم سلم الملف لجيش الاحتلال، بهدف استثمار الحدث في ضرب التوافق الفلسطيني الذي أدى إلى الإعلان عن قيام حكومة وحدة فلسطينية، بين الضفة والقطاع، ومن خلال خطط أعدت سابقاً وتنتظر التنفيذ.
وتوصل الصحافي الألماني الذي حقق في الأمر، إلى أن الحكومة الإسرائيلية متهمة بشكل واضح بالتلاعب بالأدلة، وبالتآمر على المدنيين الفلسطينيين.
وقد نشر هذا الخبر في صحيفة التحرير المصرية، يوم الجمعة (25 يوليو)، ولفتت الصحيفة المصرية إلى أن الخاطف قتل المستوطنين الثلاثة بعد يوم من اختطافهم وحرق السيارة التي وجدت جثثهم بداخلها.
هذه الصورة الكاريكاتورية ليست غريبةً على الكيان الصهيوني، فقد برع الصهاينة، وحتى قبل تأسيس كيانهم الغاصب، في الكذب وتزييف الحقائق. ليس ذلك فحسب، فالعقيدة الصهيونية استندت في جذورها على الخرافة والعنصرية والكذب، بل يمكن القول إن هذه الصفات هي جزء من مكوّنات المشروع الصهيوني، ومن لديه شك في ذلك، فليس عليه سوى قراءة عناصر هذا المشروع، وأين هو موقع الحق التاريخي، ونظرية الاصطفاء، وأسطورة أرض الميعاد إن لم يكن عالم الأوهام والخرافة. ولم يجانب المفكر الفرنسي الراحل روجيه غارودي الصواب، حين كتب عن الأساطير المضللة.
لا يحتاج الكيان الصهيوني لأسباب حقيقية، كي يشن اعتداءاته على العرب. فنوايا العدوان دائماً مبيتة، والهدف هو باستمرار الحيلولة دون تنامي أية قوة أو مقاومة عربية أو فلسطينية، يمكن أن تكون قادرةً على التصدي لنهجه العنصري التوسعي.
في حرب يونيو/ حزيران 1967، هدّد رئيس الحكومة الإسرائيلية ليفي أشكول باحتلال دمشق، ما لم تتوقف عمليات حركة فتح، عبر الأراضي السورية. ولم تكن لفتح، حتى تلك اللحظة عمليات عسكرية حقيقية، تلحق الخطر بالكيان الغاصب. وشنت الحرب بعد إغلاق القيادة المصرية مضائق تيران، في وقت كانت الحركة الدبلوماسية مستعرة بين الأقطاب الدولية، وفي حينه تسلمت مصر ضمانات دولية بأن الكيان الغاصب لن يكون البادئ بالحرب.
في غزو بيروت، قامت جماعة منشقة عن حركة فتح، تدعى مجموعة أبو نضال، باغتيال دبلوماسي إسرائيلي في لندن. وبسرعة اتهمت حكومة بيجن منظمة التحرير الفلسطينية، والرئيس عرفات بالذات، بالتخطيط لعملية الاغتيال، التي لم يكن لعرفات ولا المنظمة يد فيها. وقد أعلنت حكومة بيجن في حينه، أن غزو بيروت هو انتقام لحادثة الاغتيال.
لا يتورع الصهاينة عن شن حروب إبادة بحق المدنيين العزل، وتسوية أحياء كاملة بالأرض، وقصف المنازل على ساكنيها، بشكل همجي ووحشي. ليتأكد مجدداً أن المشروع الصهيوني، في منطلقاته وسلوكه، وكل ممارساته، هو مشروع عدواني، وغير أخلاقي، وأنه لا يتورع مطلقاً عن الكذب والتزوير، متى ما رأى أن ذلك يخدم أهدافه في التوسع والعدوان.
شن الكيان الغاصب عدوانه على قطاع غزة، وتسبب في مصرع أكثر من ألف وسبعمئة شهيد من أهلنا، وما يقرب من تسعة آلاف جريح، عدا الأجساد الغضة الموجودة تحت أنقاض المنازل المدمرة، والذين لم يجر انتشالها بعد. لكن حساب الأرباح والخسائر، يؤكد أن العدو هُزم سياسياً وأخلاقياً، وكسبنا نحن في الأخلاق والسياسة، وأنه لم يتمكن من تحقيق أهدافه من العدوان.
فالعدو لم يتمكن من إلحاق الهزيمة بالمقاومة الفلسطينية ونزع سلاحها، وقد أراد أن يبرز نفسه في صورة الضحية بدلاً من الجلاد، فإذا به يظهر على حقيقته أمام العالم أجمع، كغول متوحش خال من الوجدان والضمير. ويؤكد ذلك أن قتلاه في هذا العدوان هم من العسكريين، وغالبية شهدائنا هم من المدنيين، من ضمنهم أكثر من أربعمئة طفل. وكانت ردة فعل الشعوب في العالم، ولا تستثنى من ذلك أوروبا الغربية، التي اعتادت على مناصرة العدو، هي استنكار جرائم الإبادة، وإدانة المعتدي. وكان موقف بعض دول أميركا اللاتينية هو الأبرز في مناهضة العدوان.
أما الوحدة الفلسطينية، وحدة الضفة والقطاع، التي استهدفها العدو، فهي الآن أكثر قوة ومتانة، ومصر العربية عادت لتمارس دورها بقوة في نصرة الحق العربي، ولتكون متراساً صلباً في حماية الشعب الفلسطيني، وصيانة حقه في الاستقلال وتقرير المصير. والقضية الفلسطينية، التي تراجعت للخلف بعد أحداث الربيع العربي، أكدت مجدداً حضورها بقوة في الوجدان والضمير العربي.
خسرنا كثيراً من الأرواح والممتلكات، وكسبنا كرامتنا وقدرتنا على المقاومة. وقد أكد تاريخ صراعنا مع العدو مراراً وتكراراً، قدرتنا على الخروج من بين الركام، وستكون الأيام القادمة بعون الله، مرحلة تعمير وبناء، ورسم للبسمة على شفاه الجرحى والثكالى وأطفال فلسطين، وما ذلك على الله ببعيد.
إقرأ أيضا لـ "يوسف مكي "العدد 4355 - السبت 09 أغسطس 2014م الموافق 13 شوال 1435هـ
الحكام
ليس حكام العرب ساكتين والحل بيدهم
غزة الشهدا
رحم الله غزة هاشم
حتى انه لم يتمكن
من الحاق الهزيمة بالدول العربية عام 1948 و لا عام 1967 و لا عام 1973 ولكن مع ذلك طلبت الدول العربية الهدنة رأفة به , اليس كذلك يا ...العروبة ؟طيب يا مكي لماذا لا تذهب انت الى غزة و تقاتل مع حماس بدلا من .... ؟
\nوعاشت انتصارات العرب ونسال الله تعالى ان يديمها عليكم الى الابد .
\nعلي جاسب . البصرة