لم تعرف غزة هاشم الهدوء طيلة تاريخها البشري، فهي كانت وما تزال تصد كل اعتداء، اشتق بلاؤها من اسمها المعني بالمنعة والقوة. غزة التي اختارت طريق المقاومة، وتدفع في كل وقت ثمن الحرية بمجازر بشرية ودمار كبير، هي اليوم مدعاة لأن تكون إما قمة الحربة أو نهاية السبحة.
تعتبر غزة التي أسسها الكنعانيون في القرن الخامس عشر قبل الميلاد، أكبر مدن قطاع غزة، لذا عرف القطاع باسمها، وتقع في المنطقة الجنوبية من الساحل الفلسطيني على البحر المتوسط. وتعتبر غزة من أكثر المناطق كثافة بالسكان في العالم، إذ يسكنها أكثر من مليون و700 ألف نسمة بحسب إحصائية العام 2013 على مساحة تقدر بـ 360 كم مربع، ثلثهم يعيش في مخيمات اللاجئين تحت إشراف الأمم المتحدة.
غزة التي عُرفت بغزة هاشم نسبة إلى هاشم جد الرسول (ص) الذي دفن فيها، كانت واحدةً من المدن الملكية الخمس للبيزنطيين القدماء، خضعت للحكم الإسلامي في القرن السابع الميلادي، وتعرضت لغزو فرنسي على يد الجنرال نابليون بونابرت خلال حملته الفرنسية على مصر، لكنها سرعان ما رجعت إلى سلطان الدولة الإسلامية أثناء حكم العثمانيين، واستمرت حتى سقوطها خلال الحرب العالمية الأولى في العام 1917، عندما استطاعت جيوش أللنبي البريطانية احتلالها.
بعد ثلاثين عاماً أصبحت غزة تحت الحكم المصري من ضمن المنطقة العربية وفقاً لقرار التقسيم الصادر من الأمم المتحدة العام 1947، ثم خضعت لـ «إسرائيل» بعد نكسة يونيو/ حزيران 1967.
ومع الانتفاضة الفلسطينية العام 1987 التي استمرت حتى مطلع التسعينيات، انسحبت القوات الإسرائيلية من قطاع غزة العام 1994، وأصبحت المنطقة تحت الحكم الذاتي الفلسطيني وفقاً لاتفاقية أوسلو. وفي 27 ديسمبر/ كانون الأول 2008، بدأت «إسرائيل» قصفها الجوي البربري الشرس على غزة تريد به القضاء على حكم حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، والقضاء على المقاومة الفلسطينية، لكنها لم تفلح في ذلك، ولم تطل يداها سوى الفتك بأهالي غزة الأبرياء، فسفكت دماءهم بوحشية باستخدام القذائف المحرمة دولياً، ولم تستثنِ من ذلك الطفل أو الشيخ الكبير، وبعد 23 يوماً لم تجد «إسرائيل» بدّاً من إعلان الانسحاب للحفاظ على ما تبقى من ماء وجهها بسبب فشلها الذريع في القضاء على المقاومة، مخلفةً وراء هجومها ناراً لم ولن تنطفئ من قلوب الغزيين أبداً، إذ سعرت مرةً أخرى العام 2012.
أعادت «إسرائيل» الحرب الثالثة في غزة، لتؤكد من جديد وحشيتها، إذ واصلت قصفها لأكثر من عشرين يوماً، لتصل حصيلة عدوانها في يومه الرابع والعشرين والتي بلغت - حتى كتابة هذا المقال - 1259 شهيداً، وأكثر من 7100 جريح، وقد توقفت محطة توليد الكهرباء الوحيدة في غزة التي كانت توفر الكهرباء ثلاث ساعات في اليوم عن العمل، بعدما قصفتها المدفعية الإسرائيلية ودمرت خزان الوقود فيها.
الحرب لم تتوقف يوماً، خصوصاً بعد إعلان القائد العام لكتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس محمد الضيف إنه لن يكون هناك وقف لإطلاق النار في غزة إلا بعد وقف العدوان الإسرائيلي ورفع الحصار، وقد رفضت حماس المبادرة المصرية في الوقت الذي تتزايد فيه المؤشرات على قرب التوصل إلى هدنة إنسانية مبدئية مدتها أربع وعشرون ساعة.
الحرب التي تُدار الآن قاسيةٌ ومدمّرةٌ، وما يزيد قسوتها أن أكثر قتلاها هم أطفال غزة، إذ بات الموت يحصدهم أينما يختبئون، إذ أن طفلاً واحداً على الأقل يموت كل ساعة في غزة، وهي تصفية لأطفال غزة قبل غيرهم، ما جعل الناطق باسم حركة حماس سامي أبو زهري يوجه رسالة استنكاره لخذلان الحكومات العربية قائلاً: «إن أطفال غزة سيسألون حكام العرب بين يدي الله عن خذلانهم وتركهم لليهود القتلة».
هذه الحرب تحمل أكثر من رسالة، وربما توجه القضية الفلسطينية إلى أكثر من صعيد، إذ أصبحت حماس رقماً صعباً في القضية على المستوى الدولي، ومعها جعلت العرب في مأزق سياسي أمام خيار المقاومة الذي بدأ يتصاعد قبوله الشعبي لتعيد معه القيادات الإسرائيلية حساباتها من جديد حول من هي القوة الفاعلة في الأرض الفلسطينية، ومن هي القوى المؤثرة فيها، وكيف تدار المسألة، لتبقى غزة هي حربة القضية الفلسطينية، وستبقى تعيش بين مطرقة القسوة الصهيونية وسندان الخذلان العربي.
إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"العدد 4346 - الخميس 31 يوليو 2014م الموافق 04 شوال 1435هـ
وماذا تريدون
من الدول العربية ان تفعل ؟ هل تريدون منها ان تجر الى حرب اخرى بسبب تصرفات عصابات حماس الارهابية التي تتخذ من السكان دروعا بشرية ؟ هل تريدون ان تكون دول المنطقة ضحية من ضحايا الارهاب الحمساوي الارهابي ؟ كان على عصابات حماس ان تحسب ان اي تصرف احمق سيرتد على ابناء غزة اولا . اما العنتريات الجوفاء فما هي الا فقاعات لا تنفع بشئ ولا تجلب لاصحابها الا الموت والخراب .
علي جاسب . البصرة