في الدول الراقية إنسانياً وأخلاقياً وحضارياً، لا تجد فيها أحداً من العقلاء الأسوياء نفسياً وعقلياً، يتحسس من المعتقدات والخصوصيات الدينية أو المذهبية، لأي مكون في المجتمع. ولا يختلف عندها إذا كان المكون كبيراً أو صغيراً، فحرية ممارسة المعتقد مسألة لا يختلف عليها الأسوياء في العالم الإنساني.
ولهذا أعطت المجتمعات الديمقراطية المتحضرة للحريات الدينية ضمانات دستورية وقانونية وحقوقية واضحة لا لبس فيها، لكي لا يفكر أحد من المتسلقين والمتطفلين والموتورين في انتهاكها والاعتداء عليها، فالدول التي تحترم وتقدر الموروثات الدينية والمذهبية، نجدها تضعها في أولوياتها الإنسانية، ونراها تبذل الجهود الكبيرة من أجل تقديم كل التسهيلات اللازمة لحماية حرية المعتقدات، لأنها لو عملت خلاف ذلك ستكون بعيدة عن المبادئ الأخلاقية والإنسانية والحضارية والقانونية؛ وأن المساس بها أو محاولة عرقلتها يضر بالعلاقات الإنسانية والاجتماعية ويربك السلم الأهلي.
والمطلع على الدساتير والقوانين في مختلف الدول المتحضرة، يستطيع أن يدرك أهمية احترام وتقدير المعتقدات في مختلف الأحوال والظروف على الاستقرار السياسي والاجتماعي.
ولهذا تجد في الدول الديمقراطية الحقيقية حرصاً شديداًَ على أن لا تتأثر الحقوق والحريات الدينية والمذهبية بالاختلافات السياسية والاجتماعية، ومن ينادي بمحاربتها أو التعرض إليها بسوء ينظر إليه باعتباره شخصاً شاذاً يريد زعزعة الأمن الاجتماعي في البلاد، ويُقدّم إلى القضاء لمخالفته القانون بصورة صريحة وواضحة.
إن مثل تلك الدعوات غير المسئولة خطيرة على أمن وسلامة المجتمعات الإنسانية، التي من المفترض أن يسعى الجميع على صونهما وعدم السماح لأحد بمساسها والإعتداء عليها بالقول أو الفعل، لأنها حق إنساني أصيل في القوانين والمواثيق والأعراف الدولية.
وقد وضعت البنود القانونية التي تجرّم من ينتهك هذا الحق ويتطاول عليه تحت أي مبرر كان، فالمنتمي لأي معتقد ديني أو مذهبي لا يقبل أن يُهان أو يُستخفّ أو يستهزأ بمعتقده، كما أنه لا يقبل لنفسه أن يمارس ضد المنتمين للمعتقدات الأخرى ما يرفض ممارسته ضده.
والله سبحانه وتعالى نهى عن السخرية بالآخرين بقوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم» (الحجرات، 11)، وأراد الله أن يقول للمستخف قد يكون المحتقر أعظم قدراً ومكانةً عند الله وأحب إليه من الساخر منه والمحتقر له.
ونهى الله أيضاً عن اللمز والهمز حيث قال سبحانه: «ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الإسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون» (الحجرات، 11).
وقد أثبتت الدراسات الإنسانية والاجتماعية أن اللمز بالقول والهمز بالفعل أداتان تستخدمان لتدمير المجتمعات الإنسانية، من خلال زرع الخوف والتوجس وعدم الثقة في أوساط مكوناتها الدينية أو العرقية، حتى تضعف كل المكونات نفسياً ومعنوياً وإنتاجياً.
ولا شك أن من يعمل على تقويض وطنه وإضعاف نسيجه الاجتماعي، ينفذ جريمة كبرى ضد الإنسانية، فالكل يعلم أن العلاقات الإنسانية تقوى وتضعف حسب مستوى احترام وتقدير الأنظمة السياسية لمعتقدات الناس، فصناعة الإرباكات في المجتمع تبدأ من الاستهانة والاستخفاف بالمعتقدات الدينية، سواءً كان بالمقالات الصحافية أو الخطب المغلفة بغطاء ديني، ولو فسح لكل الناس التحرك في تجاه الاستهزاء بمعتقدات بعضهم البعض، ولم يتدخل القانون لحماية المجتمع من الانفلات المجنون والعمل الجاد لإنهاء هذه المسألة، فماذا سيحدث في المجتمع؟
لا يوجد نظام رشيد في العالم لا يسعى إلى استدامة الاستقرار في بلاده، ويعمل على تأليب طرف على طرف آخر، ويسمح للأصوات المؤججة للخلافات الطائفية لتحدث شرخاً عميقاً في أوساط الناس باستخفافها بمعتقداتهم الدينية. ولهذا تجد الأنظمة الديمقراطية التي تحترم القانون وتطبقه على كل من يخالفه دون استثناء ولا تمييز، لو حدثت في بلدانها مشكلة سياسية أو اجتماعية أو أمنية، تراها تعالجها في حدودها القانونية، ولا تحمّل المعتقد الديني أو أطرافاً أو مؤسسات ليس لها أية علاقة بحدوث المشكلة لا من بعيد ولا من قريب.
في العالم الإنساني الديمقراطي يعتبر المساس بالمعتقدات الدينية ومتعلقاتها تحت أية مبررات، مساساً بالسلم الأهلي الذي من واجب المؤسسات الرسمية والأهلية الحفاظ عليه بكل الوسائل والطرق، وعدم السماح إلى إرباكه ببعض التصرفات غير القانونية، والإسراع بمحاسبة قانونية لكل شخص يخالف النواميس الأخلاقية في هذا الجانب الحساس، وعدم نسج التبريرات الواهية التي تزيد من إرباك العلاقات الإنسانية.
لقد فتح الإسلام باب الحوار الموضوعي العلمي في مختلف الموضوعات، ولم يحجر على أحد الحديث عن تاريخ الأمم السالفة بمصداقية ودون زيادة ولا نقصان.
والقرآن الكريم له السبق في سرد قصص الأمم السالفة التي سبقت الدعوة الإسلامية المباركة بكل تفاصيلها وحيثياتها، وبيّن الحكم الإلهي في جميع المواقف والأعمال الإيجابية والسلبية، لأخذ الدروس والعبر منها، ولتصحيح الأفكار وتغيير الواقع الإنساني إلى الأفضل، والكشف عن القواسم المشتركة بين الأديان والمذاهب وليس لإيجاد التناحر والتنافر بينها.
والقصد في نهاية المطاف الوصول إلى الرضا الإلهي، فنجد الإنسان الواعي إيجابياً إلى أبعد الحدود عند قراءته للتاريخ وتصفحه الكتب العقائدية والفقهية للأديان والمذاهب الأخرى، ويركّز على القواسم المشتركة التي تساعد على ترسيخ العلاقات الإنسانية والوطنية بين مختلف مكونات المجتمع، ولا يذهب إلى تضخيم الاختلافات العقائدية والفقهية مستغلاً حسن ظن الناس البسطاء به، ويحوّلها إلى صراعات دامية بين مختلف أطياف المجتمع التي تنبذها الفطرة الإنسانية السليمة وتحرمها الأديان السماوية وفي مقدمتها الدين الإسلامي العظيم، لأن العصبية التي تثير الكراهية والبغضاء في أوساط المجتمع ليست من الدين الذي يحث على التسامح والألفة والمودة والمحبة بين الناس، بما فيها من خير كثير لكافة أبناء البشرية، في مختلف الجوانب الدينية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والمعنوية.
من هنا نجد المجتمعات التي تتحكم العصبية العمياء في قراراتها وإجراءاتها وممارساتها، يكون مصيرها التخلف والتراجع في مختلف المجالات.
والعقل السليم يدعو دائماً إلى كلمة سواء بين أصحاب المعتقدات الدينية المختلفة، ولم يذهب إلى مخالفة أبسط القوانين الإنسانية والأخلاقية، باستخدامه أساليب الاستخفاف والاستهزاء بالمعتقدات الدينية والمذهبية والتعدي على متعلقاتها، لأنه يعلم عن الآثار السلبية الناتجة عنها، دنيوياً وأخروياً. نسأل الله أن يمن على مجتمعاتنا الإنسانية بالخير الوفير، ويرزقها الأمن والأمان والسلام بين جميع مكوناتها الدينية والمذهبية، وأن لا يفرق جمعها ولا يشتت شملها، وأن يجعل أيامها القادمة خيراً من ماضيها.
إقرأ أيضا لـ "سلمان سالم"العدد 4341 - السبت 26 يوليو 2014م الموافق 28 رمضان 1435هـ
كلام صحيح
لكن أين أنتم من الذي يسبون ويعلنون في صحابة رسول الله صَلِّ الله عليه وسلم ويطعنون في زوجته السيدة عائشة. ام المؤمنين ..لماذا لم ينطق احدا منكم..تعلمون الأطفال من الصغر بكره الصحابة....لم يطالب احد بهدر دمكم ..ياترى ماذا ستقولون الى رسول الله يوم الحساب...سب اي شخص او لعنه لا يجوز فكيف بصحابة رسول الله ...والسب واللعن يدور ويدو ويرجع على صاحبه.
كتاب
كتاب صحيفة الوطن متضايقين لان وقفو الكاتب العامر الي بث فى مقاله الكذب
للاسف
انت قلتها "في الدول الراقية إنسانياً وأخلاقياً وحضارياً" مو في البحرين الي هي من الدول المتخلفه الي كلمن على باله انه نبي و هو من مذهب منزل من السماء و هم اشرف الخلق
ضايعه الحسبه في هالديره لا حسيب و لا رقيب
اجمل ما قرات
احييك على ما كتبت وفعلا كلامك وزنه ذهب
غير واقعي
صحيح بان الدول المتحضرة لديها قوانين حرية العقيدة و احترامها في قوانينها، لكن علي المستوي التطبيقي الوضع نفسه كما في الدول الاخري. المشكلة في هذا الانسان الذي لم يتحضر و ليس في القوانين في بطون الكتب!