بدأ النفوذ البريطاني في البحرين منذ ما يقرب من القرنين (في 1816 م)، وهذه العلاقة الممتدة قد تفوق الفترة الزمنية التي كانت البحرين فيها تحت نفوذ الدولتين الصفوية والبرتغالية معاً، كما أن تأثيرها على الواقع السياسي المحلي لافت للغاية. البريطانيون عينواً في بداية الأمر وكيلاً تجارياً (native agent)، وكان إما هندياً أو من المحليين من أهل المنامة، وذلك من 1816 حتى 1900. بعدها عينت بريطانيا وكيلاً سياسياً (political agent) من 1900 حتى 1971، وهو الذي أيطلق عليه مصطلح «الباليوز»، وكان دوره أكبر بكثير من الوكلاء المحليين. وعليه، فإن إهتمام بريطانيا في القرن التاسع عشر كان حول التجارة والأمن من القرصنة والحروب والغزوات. وبعد ذلك، منذ 1900 م تطور الإهتمام الى الجوانب السياسية والاقتصادية والداخلية.
هذا النفوذ البريطاني في البحرين وخصوصاً منذ بداية القرن العشرين والإصلاحات الإدارية التي تم الدفع بها، أثار الكثير من النقاشات بين القوى المحلية حول كيفية التعاطي مع الرؤية التي يطرحها البريطانيون في قضايا الشأن الداخلي. مثل هذه النقاشات القديمة/ الجديدة حول الرؤى البريطانية مليئة بالكثير من الإشكالات والأسئلة، وهو ما يستدعي فتح المجال لقراءات متجددة ومن زوايا مختلفة، وخصوصاً في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ البحرين المعاصر.
في الكثير من الفترات التاريخية، لم تقدر البحرين على حماية نفسها من القوى الخارجية الطامعة، الأمر الذي دفعها للارتباط بقوى أخرى لتحميها. هذه الحاجة للحماية دفعت البحرين، في بعض الفترات، أثمانها من مساحة استقلالها. ومن المفارقات، أن البحرين قد تكون أكثر استقراراً وأماناً من الاعتداءات حين تكون متعرضة لاحتلال أو لنفوذ قوة خارجية. تذكر فوزية الجيب في كتابها «النفوذ البرتغالي في البحرين» أن البرتغاليين حين استولوا على البحرين فإن ذلك شكل «تغطية أمنية غير مباشرة للجزيرة، وكان بالتالي يضفي على الجزيرة نوعاً من الاستقرار السياسي السلبي، أي أن جميع الطامعين بالبحرين كانوا يخشون قوة البرتغاليين وبطشهم ويقدرون حجم المخاطر التي يمكن أن يتعرضوا لها إذا ما حدثتهم نفسهم بمحاولة التحرش بالبحرين».
حمى البرتغاليون البحرين من اعتداءات القوى الخارجية، وهذا ما فعله البريطانيون أيضاً. فحين وصلوا منطقة الخليج العربي فإن بعض الحكام كان يرى في بريطانيا «القوة الوحيدة التي يمكن أن تحميهم من أخطار جيرانهم»، الأمر الذي شجع حكام البحرين على التوقيع على معاهدة السلام العامة العام 1820 كما يقول جمال زكريا قاسم في كتابه «تاريخ الخليج العربي الحديث والمعاصر». كما تذكر الشيخة مي الخليفة في كتابها «محمد بن خليفة: الأسطورة والتاريخ الموازي» أنه ونظراً لتعرضه «لاضطرابات داخلية وأخطار خارجية عديدة» طلب الحماية من بريطانيا، وحين رفضت ذلك توجّه إلى الدولة العثمانية والسعودية والفارسية. فكرة الحماية، إذاً، هي فكرة مفتاحية مهمة في فهم العلاقة بين البحرين والقوى الخارجية الأخرى.
خضعت البحرين في الكثير من مراحلها التاريخية لقوى خارجية إقليمية كالصفويين، أو غربية كالبرتغاليين والبريطانيين. هذه القوى الخارجية تتحد في كونها قد سعت للاستفادة من الامتيازات الجغرافية والاقتصادية الهائلة التي توفرها هذه الجزيرة، وفي توفيرها، بالمقابل، الحماية لها من الاعتداءات. لكن هذه القوى تختلف في كيفية التعاطي مع البحرين ومساحة نفوذها فيها. ويمكن تصنيف هذه القوى إلى ثلاثة نماذج.
النموذج الأول يتمثل في مملكة هرمز التي كانت صاحبة النفوذ على البحرين قبل الاحتلال البرتغالي في 1521 م. كانت البحرين في تلك الفترة وكأنها دولة مستقلة تتخذ قراراتها دون الرجوع لهرمز التي كانت سيطرتها على البحرين إسمية فقط، وتستقبل من البحرين الضريبة كل عام.
النموذج الثاني يتمثل في الاحتلال البرتغالي للبحرين. استولى البرتغاليون على البحرين العام 1521 وأقاموا قلعتهم فيها، واستفادوا من موقعها واقتصادها، ولكنهم لم يتدخلوا في شئونها الداخلية. تذكر فوزية الجيب في كتابها «النفوذ البرتغالي في البحرين» أن البرتغاليين رغم سيطرتهم على البحرين إلا أنهم «لم يمارسوا الحكم السياسي عليها، بمعنى أنهم لم يتحكموا بأنماط تسيير المؤسسات فيها بعامة، ولم يرسموا سياستها الخارجية... ولم يبنوا شبكة من القوانين والأنظمة التي تحمل البصمة الغربية، كما لم يخلقوا المؤسسات القادرة على تنظيم شئون الحياة المدنية والاقتصادية العامة، فضلاً عن الشئون التقنية والثقافية بمعناها الواسع».
أما النموذج الثالث فتمثله بريطانيا التي بدأ ارتباطها بالبحرين في 1816 مع تعيين وكيل محلي، وتطورت العلاقة أكثر بعد توقيع «معاهدة السلم العامة» العام 1820. لم يقتصر النفوذ البريطاني في الاستفادة من الامتيازات الجغرافية والاقتصادية بل تعداه ليشمل الشئون الداخلية للبلاد. بكلمات أخرى، يمكن القول أن تجارب البحرين مع القوى الخارجية غير متماثلة، وأن مساحة النفوذ قد تختلف من دولة إلى أخرى، وأن النفوذ البريطاني مثل النموذج الأكثر اتساعاً في مساحة النفوذ.
شكل النفوذ البريطاني تحدياً باعتماده على مبدأ الحماية في مقابل الاستقرار الداخلي. لاشك أن لكل قوة خارجية تسعى لتوفير الحماية مصالحها أيضاً. هذه المصالح البريطانية كانت بحاجةٍ لاستقرار داخلي لا يعرضها للزوال. هنا، ما عادت بريطانيا مجرد قوة حامية من عدوان خارجي وإنما تحوّلت إلى صاحب نفوذ داخلي. عدم الاستقرار الداخلي وفّر مساحة للنفوذ البريطاني الذي سعى، في عشرينيات القرن الماضي على سبيل المثال، لإجراء الإصلاحات الإدارية سعياً لاستقراره لحفظ مصالحه.
هذا النفوذ البريطاني في الشأن الداخلي أثار مساحة من الجدل والنقاش بين القوى المحلية المختلفة، إذ قد ينظر له من زاويتين مختلفتين. فمن زاوية قد ينظر له على أنه تدخل خارجي من جهة استعمارية لا تريد الخير للبلاد ويجب أن يتم التصدي له بغض النظر عن الأهداف المرفوعة لهذا التدخل. من زاوية أخرى، فإن البعض قد ينظر للهدف من التدخل ويلتقي مع البريطانيين في الحاجة إلى الإصلاحات التي تؤدي إلى الاستقرار بغض النظر عن كونها قوة استعمار. ولعل الاختلاف في قراءة التدخلات الخارجية يستدعي النظر في المساحة التي سمحت للقوى الخارجية بالتدخل، وهي مساحة عدم الاستقرار في العلاقة بين بعض القوى الداخلية المحلية.
الفكرة هنا أن عدم الاستقرار الداخلي قد يسمح باتساع مساحة الحاجة للحماية من قوة خارجية ما. فالعلاقة غير المستقرة وغير المتوازنة بين البحرين والدول أو القوى الأخرى هي التي أوجدت حاجة البحرين لقوة خارجية توفر لها الحماية. هذا الكلام نفسه عن الحاجة للحماية قد يتسع، عند البعض، ليشمل حالة عدم استقرار العلاقة بين القوى المحلية نفسها.
مثل هذه النقاشات تعتبر إحدى انعكاسات التدخل البريطاني المباشر في شئون البحرين الداخلية، والتي بدت بشكل بارز في عشرينيات القرن الماضي مع البدء بإدخال الإصلاحات الإدارية.
إقرأ أيضا لـ "حسن سعيد"العدد 4334 - السبت 19 يوليو 2014م الموافق 21 رمضان 1435هـ
اتمنى ان يغير البعض نظرتهم بانها بلد الرقي المطلق
عجبا لمن يقرأ تاريخ بريطانيا الاسود و يحتمي بها او يحاول الحصول على جنسيتها ! بغض النظر عن كل الاسباب فلا نتشرف بجنسيه بلد عدو كان و لا زال ... و اتمنى من البعض ان يغير نظرته المجتزئه بانها بلد الرقي المطلق .. فهذا الرقي لم ينبني الا على دماء الشعوب !
بريطانيا ان البلاوي
بريطانيا سبب كل البلاوي هي الي سوت اسرائيل و الداعشيه و قسمت الدول و سوت المشاكل بين الدول الي احتلتها
بريطانيا وتاريخها الاسود
لا تدخل بريطانيا بلدا الا ويكون التعذيب والقمع والسجون هي الحلول الاولى والامثل والاجدى. تاريخ بريطانيا مليء بهذه الامور ولا نحتاج ان نذهب بعيدا فالهند ليست ببعيدة وما حصل فيها من قتل وزهق للارواح وسفك للدماء كان مذهلا وها هم البريطانيون الآن يريدون وضع تمثال لغاندي في حديقة في بريطانيا بعد ان قتلوا الآلاف من الهنود
ومازال مثل النهج موجود
ومازال مثل النهج موجود لوجود الاسطول الخامس في البحرين عمود مميز كالعاده
أحسنت استاذ
عمود تاريخي متميز..يجعلنا نقرأ واقعنا بطريقه افضل