أكمل العراق شهراً على سقوط موصِلِه. الحكومة في بغداد بالكاد صارت تتحدث عن وصولها إلى تكريت. دون أن نعرف ظروف السيطرة على دجلة والحجاج والمالحة والحويجة والزوية والخضر فضلاً عن الموصل. الجماعات المعارضة الأخرى ممن اعتقدت أن «داعش» تفتح لها حصوناً صارت أسيرة لديها: إما أن تُبايعوا البغدادي أو تذهبوا إلى الجحيم.
الرابح الوحيد هم الأكراد. استغلوا حالة الانفلات وسيطروا على كركوك وخرج مسعود برزاني ليقول: انتهى الخلاف مع بغداد على المادة 140! حصل كل ذلك بينما التنظيم القروسطي ينتشي بإعلانه الخلافة على سفوح من شمال وغرب العراق والشرق السوري، متفنناً في تقطيع أوصال المخالفين له كونهم «مرتدين وصحوات وروافض وصليبيين كَفَرَة». أما حكومة بغداد فهي تكابد من أجل النهوض بعد ضربة القَذَال.
هذه صورة العراق منذ شهر. وعندما يكون العراق على تلك الهيئة، فهذا يعني أنه مرشح للدخول في فوضي وجود! نعم وجود. هذا تعريف قاله وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري المنسحب من رأس عمله بمعية السرب الكردي. ثم اعترف بشيء منه مبعوث الأمم المتحدة إلى العراق نيكولاي ملادينوف قبيل فشل جلسة البرلمان العراقي.
المشكلة في العراق أنه ليس صورة واحدة، بل هو عدة صور متباينة وإن بَدَت متفقة. يجب على بغداد أن تفصل بين «داعش» كتنظيم إرهابي وبين أهالي نينوى وصلاح الدين. وعلى نخب المحافظات الغربية أن تدرك أنهم ضمن مشروع الأكراد مشمولون بالبيع كما الشيعة، وأنهم ضمن مشروع «داعش» ليسوا في سياق قومي وطني بل هم في أرض سيسعى أولئك إلى تفتيتها جغرافياً وأهلياً، حتى تحترب مع ذاتها طيلة مئات السنين.
نعم، المالكي ليس حاكماً جيداً لكن العراق ليس المالكي كي يتم التفنن في اللعب على مستقبله بالنار. هذه مسألة يجب أن تتضح. «داعش» ليسوا بديلاً «وردياً» لأهل الموصل الذين تركوا مدينتهم وفروا إلى أربيل. مليون من أصل مليون ونصف لا يريدون هكذا حكم وإلاَّ بقوا واطمأنوا لهم. الموصليون الذين يتنشقون حضارة الأكديين لا يمكن أن يستقيموا مع «برابرة السياسة» وأدعياء الخلافة. الجميع لديه تجربة معهم في الشام.
بريد المالكي استلم الرسالة، وما تبقى هو أن يستلم البغدادي وجوقته رسالة أخرى من قيادات الموصل والجماعات الأخرى فيها ومن غيرها، وهي أنكم لستم البديل، وإلاَّ فإن المستقبل لن يكون كما نريد. الموصل التي بها أكبر عدد من ضباط الجيش العراقي السابق أصبحوا يُقادون مِنْ قِبَل دولة الخلافة إلى المجهول كي لا يكونوا قوة منافسة لها. هكذا تقول تقارير واردة من هناك. حتى رسالة الدوري الأخيرة يُشَمُّ منها ذلك الخوف.
«داعش» ليست قيمة مضافة لمعارضي المالكي، ولا لعشائر الموصل من شمَّريين وجبوريين ودليميين وطائيين وبقاريين. بل هي ليست شيئاً نافعاً للمكوِّن السُّني بأسره في العراق، ولا في سورية ولا في أي مكان تطمح هي فيه. فمآسي الشعوب ومطالبها ليست بازاراً ولا بورصة يتم استثمارها فضلاً عن اختطافها.
هؤلاء ليسوا مشروع دولة. أبسط الأشياء لا يستطيعون القيام بها سوى القتل والتعزير. الموصليون اليوم يشكون من الضعف الشديد في الخدمات ونقص الدواء وعدم صرف الرواتب، في حين، ظلَّ الهم الأول لتنظيم «داعش» هو حث الناس على ترك اللعب بالدومينو والإقلاع عن التدخين. إنهم يَسْخَرُون من حاجات ومن مستقبل الناس.
قبل أيام صرَّح محافظ نينوى أثيل النجيفي أن الحكومة العراقية المركزية وافقت على توزيع الرواتب في المحافظة الخارجة عن سلطة الدولة، وأنه سيجري توزيعها «قريباً في الأقضية والنواحي القريبة من مركز مدينة الموصل، وهذا يعني أن يتوجه الموظفون ومستحقو الرواتب لهذه البلدات الآمنة أو عبر وكلاء». هذا الأمر يعطينا مؤشراً على أن منطق الدولة حتى ولو كان الخلاف السياسي فيها قد وصل إلى الترقوة، إلاَّ أن التعامل معه يبقى أسهل من التعامل مع جماعات عبثية كـ «داعش» لا سقف لها ولا أفق.
حكومة علاوي ذهبت. وحكومة الجعفري ذهبت. وحكومة المالكي ستذهب. لكن مَنْ يعطي ضماناً بأن «داعش» سوف تترك الموصل والعراق إن هي تمكّنت ونحن نرى التجربة المرة في أفغانستان منذ خمسة وعشرين عاماً حين أصبحت الدولة هناك كومة من التراب.
في السياسة يمكن إقامة تحالفات هنا وهناك، بعضها استراتيجي وآخر موضوعي، ثم الاستناد إلى ضغوط دولية لتغيير واقع على الأرض كما جرى في العام 2006، لكن كيف يمكن لأحد أن يتحالف مع «داعش» وهي تقتل مَنْ هم على ذات نهجها في سورية كما يجري مع جبهة النصرة وإلى حد ما مع الجبهة الإسلامية وأضرابها؟ إنه رهان على الشوك.
إن المسئولية الأكبر اليوم ليست على الولايات المتحدة الأميركية وحدها كما يظن البعض، بل هي على الدول العربية جميعها. نعم ربما بعضها في حالة خصام مع بغداد لكن التجارب علمتنا أن قواسم العرب مع بعضهم أكثر من أي أحد آخر. تلك القواسم التي جعلت دولاً عربية عديدة لأن تلتقي وهي في أوج الخلاف مع بعضها عند المنعطفات، كما جرى بعد العدوان الثلاثي على مصر. وتلك التجربة يمكن أن تتكرّر مع العراق من أجل الأمن القومي العربي، الذي صار مُهدَّداً من جماعات تريد أن تهدم البيت على الجميع.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 4331 - الأربعاء 16 يوليو 2014م الموافق 18 رمضان 1435هـ
الحكم
من المخجل تماماً أن يرفض حكم الاكثرية للاقلية الذين كانوا يحكمون عقود من الزمن.
هل تعلمون
ان تركيا لها اليد الطولى ايضا في سقوط مدينة الموصل لان حكم الاخوان في تركيا قريب من هذه العصابات وان بدا مختلفا عنهم حيث يجعر خليفة تركيا الحالي بان السنة مهمشين ايضا وان الشيعة 65% هم اقلية و ليسوا اكثرية كما انه لديه اطماع في الموصل ولم تعترف دولته باتفاقية 1927 لحد الان كما انه استفاد من الاكراد بحصوله على نفط باقل من ربع 20 دولار للبرميل وهكذا تكالبت على العراق دول النواصب الاعرابية لانها لا تريد ان يحكم الاكثرية العراق ولكن هيهات لهم ذلك .
علي جاسب . البصرة
استاذ محمد
يا أخي استاذ محمد
والله غريبه اتعول على العرب ؟والله غريبه.في ظل هذه الاوضاع لا يصلح إلا المالكي البطل.
عايش في المريخ
شكلك عايش في كوكب غير الارض
متى اسرائيل ضربت غزه واحنا ساكتين؟
حبيبي إلي ساكت هم ولات أمركم الواجب طاعتهم (حكام العرب)الوحيدون الذين كانوا مع الفلسطينيين طول هذه السنين هم الشيعه.
ايران
عندما تدخلت ايران واخت تتحكم في مفاصل العراق اقتصادة لم تتكلموا واسرائيل تضرب غزة لم تتكلموا سنوات والمالكي يفتك بسنة العراق ولم تتكلموا والان بعد ان صحى اهل الانبار جئتم تتباكون على العراق وتنسبون انتفاضنتهم لداعش الا تخجلون
للزائر 3
الجهل المركب وباء
امة عظيمة عربية اسلامية تدار من قبل اغبياء
هذا حالنا من يأتي للقيام بواجبة إدارة الأمة ليس بأفضل ممن ذهب
مقال رائع
مقال أكثر من رائع أستاذ محمد .. نعم معارضوا المالكي من السنة حالهم كالمستجير من الرمضاء بالنار والخوف أن لايتداركوا موقفهم إلا بعد خراب الموصل وليس خراب البصرة!!