العدد 4330 - الثلثاء 15 يوليو 2014م الموافق 17 رمضان 1435هـ

التمثيل العمالي ولعبة ازدواجية المعايير

عبدالله حسين

الأمين العام المساعد للعلاقات الدولية والعربية بالاتحاد العام لنقابات عمال البحرين

من أوضح المسلمات التي استقر عليها المجتمع الدولي وباتت موضع إجماع دولي، هي مسألة تمثيل طرفي العمل غير الحكوميين وهما العمال وأصحاب العمل في الهيئات الدولية والوطنية، وفي المفاوضات الجماعية التي تجري داخل المنشآت بين الطرفين، والتي قد تفضي إلى إبرام عقود جماعية لأن معايير العمل الدولية واضحة في ترسية حق التمثيل لهذين الطرفين وفق معيار «الأكثر تمثيلاً» المنصوص عليه في دستور منظمة العمل الدولية، وفي القرارات والمبادئ التي أرستها لجنة الحرية النقابية التابعة لمجلس إدارتها، إذ بموجب هذا المعيار تعمل المنظمة الدولية المذكورة وجميع الهيئات الدستورية والنظامية المنبثقة عنها وأطراف الإنتاج المنضوية تحتها.

وليس ثمة من يستطيع تغيير إجماعات أو توافقات دولية استقر عليها رأي المجتمع الدولي، الممثل لمعادلة العمل من حكومات وعمال وأصحاب أعمال، وأحالها إلى معايير حاكمة لكل تفاصيل هذه المعادلة وللأطراف الداخلة فيها، لأن أي تغيير لهذه المعايير هو خرقٌ فاضحٌ لها يرفضه مجتمع العمل الدولي بقوة ويبطله. فليس من المسموح التلاعب على المعايير تحت أية حجة كانت، ويكفي الرجوع إلى تجارب المنظمة في القضايا التي عرضت عليها، والمتعلقة بتعامل أطراف العمل أو بعضهم بشأنها، للتأكد من أنها كانت تشدّد على احترام المعايير والتقيد بها، وعدم الخروج عليها. إذ لا يجوز إخضاعها للمزاج أو الذوق السياسي أو الانتقائية أو التمييز أو التحيز أو المحاباة. فالمعايير وُضعت لتحقيق العدالة واحترام الحقوق، ولرفض الإجحاف بحق صاحب الحق.

معايير العمل الدولية أرست مبدأ «الأكثر تمثيلاً» كمعيار لتحديد المنظمة الممثلة للعمال أو أصحاب العمل في الاستحقاقات الوطنية والدولية، وفي المفاوضة الجماعية، واشترطت أن تتمتع هذه المنظمة بالصفة التمثيلية والاستقلالية، فالصفة التمثيلية تقضي أن تكون هذه المنظمة الأكثر من الناحية العددية، بمعنى الأكبر من ناحية العضوية، وصفة الاستقلالية تقضي أن تكون سيدة أمرها، تتمتع باستقلالية القرار وبعيدة عن التأثيرات الرسمية للسلطات العامة.

ومن هنا تنبثق أهلية المنظمة المهنية لتمثيل الطرف العمالي أو أصحاب العمل، وتستمد شرعية تمثيل الطرف غير الحكومي كونها تتمتع بأغلبية عددية في القطاع المهني الذي تمثله وتتمتع بحرية انتخاب ممثليها واستقلالية قرارها وخياراتها، وتتصرف بمنأى عن التدخلات الرسمية للحكومة.

وبموجب معايير العمل الدولية التي أرستها لجنة الحرية النقابية باعتبارها جهة مختصة بالبت في قضايا الحريات والحقوق النقابية، لا يجوز للسلطات العامة سواءً تنفيذية أو تشريعية أو قضائية، التدخل في مسألة تمثيل العمال أو أصحاب العمل، أو السعي إلى تغييرها بما يخالف معايير العمل المنصوص عليها في مواثيق العمل الدولية أو في مقررات الهيئات الدستورية والنظامية لمنظمة العمل الدولية، فليس هناك سلطة لوزير أو قاضٍ أو نائبٍ لتغيير أحكام ونصوص مستقرة ومعترف بها كقانون دولي، لأن هذا القانون يسمو على القوانين الوطنية، وكل ما يخالف القانون الدولي في التشريع الوطني يبطل وفقاً لذلك، ويتوجب تعديله ليتوافق مع أحكام القانون الدولي وليس العكس.

إن أي مسعى يرمي إلى تغيير قانون وطني متوافق في أحكامه مع معايير أممية راسخة يعتبر مخالفةً صريحةً لهذه المعايير الأممية، وخرقاً صارخاً للقانون الدولي ولن تقبل به لجنة الحرية النقابية ومنظمة العمل الدولية اللتان تعملان على ترسيخ معايير العمل الدولية، وفي مقدمتها المعايير الخاصة بالحريات والحقوق النقابية وجعلها واقعاً ملموساً، وفرض احترامها وإلزام المكونات المنضوية تحت المنظمة من الدول الأعضاء والأطراف غير الحكومية بالتقيد بها وتطبيقها.

ومن أبرز المعايير التي ترتكز عليها معادلة العمل الثلاثية هي المساواة بين أطراف العمل، فلا يجوز التفرقة بينهم في الحقوق والامتيازات القانونية المترتبة عليها، فما ينطبق على أحدهم ينطبق على الآخر، فمثلاً أحقية التمثيل التي تمنح للمنظمة الأكثر عدداً والأكبر عضوية والمستقلة القرار، تترتب عليها امتيازات قانونية متعارف عليها دولياً، وهي حق التشاور مع السلطات العامة وتسمية المندوبين لدى الهيئات الوطنية والدولية وفي المفاوضات الجماعية، ولا يجوز منح هذه الامتيازات القانونية لطرف وحرمان طرف آخر منها أو انتقاص حقه فيها.

فالطرف العمالي له حقوقٌ متساويةٌ مع طرف أصحاب العمل وفي مقدمتها حق التمثيل والامتيازات القانونية المصاحبة له، وأية محاولة ترمي إلى الإخلال بالحق في المساواة بين طرفي الإنتاج غير الحكوميين أو الانتقاص منه أو خلق فوارق فيه لا تقوم على أساس المساواة والتكافؤ بين الفرقاء، تعتبر خرقاً لمبدأ المساواة الذي يقوم عليها مبدأ الثلاثية.

ومن الطبيعي أن ترفضها منظمة العمل الدولية ولجنة الحرية النقابية فيها. فلعبة الكيل بمكيالين لا تتوافق مع معادلة الثلاثية التي هي ركيزة تكوين وهيكلية المنظمة ومحور عملها ونشاطها الأممي، وازدواجية المعايير مناقضة لمبدأ المساواة بين الفرقاء. فمعادلة العمل الثلاثية عادلة في أحكام المساواة في الحقوق بين أطرافها ولا تجيز التمييز بينهم، فالذي يمس أو ينتقص حق الطرف العمالي في التمثيل العمالي ويبقي على حق طرف أصحاب العمل في هذا التمثيل، فإنه يتبع معايير مزدوجة لا تتوافق ولا تستقيم مع معادلة الثلاثية وأحكامها، بل يناقضها روحاً وجوهراً ونصاً.

فالاتحاد العام لنقابات عمال البحرين بما يتمتع به من أهلية التمثيل العمالي المنصوص عليها في قوانين البحرين الوطنية النافذة، ومنها قانون العمل في القطاع الأهلي (36/ 2012)، وقانون هيئة تنظيم سوق العمل (19/ 2006)، وقانون إنشاء صندوق العمل (57/ 2006)، وقانون الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي (3/ 2008) كممثل للعمال تتوافق تماماً مع دستور منظمة العمل الدولية ومواثيق العمل الدولية ومقررات لجنة الحرية النقابية التابعة لها باعتبار الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين هو المنظمة العمالية الأكثر تمثيلاً للعمال، بالنظر لما يتمتع به من أكثرية عددية من القوى العاملة واستقلالية في الإرادة والقرار، تخوّله تمثيل العمال في المفاوضات الجماعية والمشاورات مع السلطات العامة، وتعيين مندوبيه لدى الهيئات الوطنية والدولية المعنية بالعمل والعمال.

والاتحاد العام لنقابات البحرين يصر على هذا الحق المدعوم بمعايير صريحة وواضحة أرستها المنظمة الدولية والهيئات الدستورية والنظامية التابعة لها، والتي لا تقبل إطلاقاً ازدواجية المعايير، كأن يعامل الاتحاد العام للنقابات بصورة مغايرة لمعاملة ممثل أصحاب العمل البحرينيين، وهو «غرفة تجارة وصناعة البحرين»، من حيث إبقاء أحقية الغرفة في تمثيل قطاعها المهني وهو حق لها، بينما يُصادر أو يُنتقص حق الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين في تمثيل قطاعه المهني، وهي ازدواجية معايير مرفوضة من قبل المعايير العادلة للتمثيل ومن قبل الجهات المسئولة عن إرسائها وتطبيقها.

إقرأ أيضا لـ "عبدالله حسين"

العدد 4330 - الثلثاء 15 يوليو 2014م الموافق 17 رمضان 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 5:42 ص

      العدالة

      الاتحاد العام يواصل انضال من أجل العمال

    • زائر 3 | 5:28 ص

      شكرا لكم

      نشكر لكم جهوكم وجهادكم من اجل الحفاظ على حقوق العمال

    • زائر 2 | 5:16 ص

      السبب معروف

      لان غرفة التجارة تنفذ الأوامر أو تمشي في فلك الحكومة
      والاتحاد العام يعمل للدفاع عن العمال وفق المعايير الدولية لذالك تراه يزعج اصحاب القرار

    • زائر 1 | 3:00 ص

      ما ضاع حق وراءه مطالب

      يعطيكم العافية الشهادة لله فقد قمتم في الاتحاد العام بواجبكم خير قيام و صمدتم رغم الهجمة الشرسة. جزاكم الله عنا خير الجزاء.

اقرأ ايضاً