لأول وهلة قد يتبادر إلى ذهن البعض سؤال: ما العلاقة بين التاريخ والمنافقين ورمضان؟ ولكننا أمام مشاهد دماء تنزف على الأرض، وشباب يغيب عن أعيننا، ودموع الثكالى والأرامل تنحدر يومياً على الوجنات، وأنات وآهات أمهات محروقات القلوب، وأطفال لم تهنأ بأعياد ميلادها في أحضان والديها، ورضيع لم يشاهد وجه أبيه أو أمه، دون أن يرف جفن أو يحزن قلب لهول هذه المشاهد، لهو عين النفاق من الآخر.
وبعد أن نحلل واقع السنوات التي مضت، ونعيد قراءة ما حدث، ونمعن النظر والتفكير، فلسوف ينكشف الغطاء أمامنا عن تلك العلاقة بين أحداث التاريخ والمنافقين في كل زمان، ولكن بقدر المسموح به.
فنحن دائماً نعيش أمام فصول تاريخية ومشاهد درامية في هذه الحياة. من بعضها نفهم ما دار في ماضينا، أو في حاضرنا، ومن الأخرى، المفترض أن، نتعظ كي لا نقع في نفس الشَرَك، أو الخطيئة، أو الحفيرة. ولذا أدعوكم للعودة فقط إلى تاريخنا الذي مرت به ثلاث مفاصل أساسية، على هذه الجزر، كانت جد مهمة، لم يتم أخذ العبرة منها حتى اليوم! وهاهو المفصل أو الدرس الرابع إن صح التعبير، يمر بنا كمذنّب «هالي» بزخّات شُهبه، نعيشه يومياً منذ أربع سنوات وهو مؤثر على الجميع، لكن لا يبدو أن النتيجة بها عظة وعبرة، وكأنهم يقولون بأن التاريخ لا يعيد نفسه. مع أنه بالفعل يعيد نفسه، وتعود قصصه لتذكرنا بوجوب أخذ العبرة والعظة كي لا تتكرّر نفس الأخطاء، وهذه حكمة الباري عز وجل في مسير حياتنا الدنيوية، وفي تذكيرنا بنفس الدروس مرة ومرات. فقد مررنا منذ بداية العقد الرابع من القرن التاسع عشر، ونهاية العقد السادس من القرن نفسه، وبداية العقد الثاني من القرن العشرين، بنفس ظروف الدرس الرابع هذا، وإن اختلفت الشخوص والمسميات، إلا أن طلاب نفس الفصل لم يتعلموا الدرس بعد. ولا مجال هنا لسرد التاريخ بأحداثه ومشاكله وكيفية مواجهتها، بالركون إلى السلبيات منهجاً، وإغماض العين عن الايجابيات مخرجاً، لحفظ البلاد والعباد من الشر والإحباط المهيمن.
وضمن هذا السياق يقفز على سطح نفس مفاصل ذاك التاريخ فئة لا يهمها أن تقرأ الدروس الثلاثة السابقة جيداً، وهم أحد أسباب ضياع بوصلة الحلول منذ عهد الرسالة ألا وهم المنافقون. وقد توقف القرآن الكريم عند ظاهرتهم طويلاً، وأوصلها لنا من باب القصص والحكايات لأخذ العبرة والعظة. وما ركزت عليه سورة التوبة العظيمة ذات المضامين الحياتية، ليس في زمن النبي محمد (ص) فحسب، بل اليوم وغداً؛ لخير دليل لنا في هذه الدنيا لمن ينشد الصلاح للمجتمع ولتنقيته من بؤر الفساد وتأجيل الاستقرار. فالمنافقون متوافرون دائماً طوال التاريخ، وللأسف أنهم يزدادون أو تُكشف سرائرهم أمامنا في وضح نهار المشاكل والأزمات، وما نحن اليوم إلا في أزمة كبرى، ولذا نرى المنافقين كُثراً من حولنا، وما كنا نحسبهم كذلك ذات يوم غابر، ولا الرسول الكريم (ص) كان يحسبهم أيضاً في زمانه أنهم كُثر من حوله. وبسبب الخطورة المؤثرة جداً في نسيج ولحمة المجتمع الآمن؛ فقد حذر المولى عز وجل من هؤلاء، بل وضعهم في خانة مساوية تماماً للكفار وتوعدهم بالعذاب إن لم يتوبوا، وأمر نبيه (ص) أن يجاهدهم كما يجاهد الكافرين، فإلى هذه الدرجة تصل خطورة المنافقين في المجتمع.
ولا يحسبن البعض، ممن مردوا على النفاق وازدادوا غياً مؤخراً، ونحن في شهر رمضان وهو شهر الله حقاً وفعلاً، أن العبادة وحدها تحميهم من العقاب. ولو كانت العبادة وحدها مقياساً للإيمان الحقيقي وللحماية من الغواية والعصيان، فإن إبليس عبَدَ الله حوالي 6000 سنة، فمن منكم أعبدُ منه؟ إلا أن ذلك لم يحمه من أن يصبح أول العاصين والمتكبرين، وعرّاب كل الشياطين من بني الإنس بعد ذلك على الأرض ومازال. وما المنافقون اليوم إلا أنجب خريجي معهد إبليس الرجيم.
هذا ليس حكماً بشرياً من أحد، بل هي من كلمات وحكم القرآن الكريم وتفاسير الآيات حولها. فالله أمر نبيه بمجاهدة المنافقين وإغلاظ القول عليهم وليس مداراتهم ومجاملتهم والتستر على مواقفهم وصياغة عبارات التبرير لها. أما مصيرهم وعقابهم في الآخرة فالله تعالى أولى به كما حدّده في السورة والآية نفسها.
كما ينبهنا المولى عز وجل بأن المنافقين في المجتمع ينخرون في بنيانه كالسوس، وهم ليسوا ذكوراً فقط بل بينهم إناث بقوله: «المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف»، (التوبة، 68). والخالق يؤكد هنا بأن المنافقين جميعاً بعضهم من بعض، لاشتراكهم في خبائث الصفات والأعمال، من تحريض وتدبير المكائد بارتداء الأقنعة المتنوعة أمامنا كل يوم. وقناع الرياء والتدليس من بعض الإناث المدعيات الفهم والوعي لهو أكثر إيلاماً للمجتمع، من حيث أن المرأة هي مربية الأجيال والأمم، فطوبى لأجيال تُخرجها أمثال هؤلاء المنافقات وهن يُغثثننا يومياً بزبد نفاقهن علناً. وهؤلاء هن من يشتركن مع الذكور المنافقين، للدلالة على كمال الاتحاد والاتفاق بينهم في نفسياتهم، وفي جزاء أعمالهم وعاقبة حالهم، كما ورد في آيات الذكر الحكيم. ولربما تشير جملة «واغلظ عليهم» إلى معنى الذم والتوبيخ، أو الهجران، وعدم المخالطة والمعاشرة، وإن اقتضى الأمر أكثر يوعظون باللسان أو يُفضح سرهم، علهم يرتدعون.
وإنك إن ناقشت هؤلاء المنافقين في ضرورة التغيير نحو الأفضل، أسمعوك كما يقول الشاعر:
ما لبعض الناس لا يحسب للتفكير فضلا
ومتى ناقشته الرأي تعداك وولّى
زاعماً إبقاء ما كان على ما كان أولى
هؤلاء المنافقون هم عادةً من يتحوّلون إلى أداة ضاربة بيد السلطات عبر التاريخ، ويصبحون المعوقين لكل حل واقعي لأنه يضرّ بهم وبمصالحهم. وهناك من منافقي اليوم من يعيشون من هؤلاء، الذين يضعون العصا في كل عجلة خير دوارة، ويبثون سمومهم حتى صار النفاق هو مداد أقلامهم ودماء شرايين حياتهم، ويعتقدون إنهم يحسنون صنعاً.
ومنهم من يقرأ القرآن طوال الشهر الكريم ويمر على آيات المنافقين، لكنه يحسب أنها لا تعنيه، بل تعني فقط كفار ومنافقي مكة والمدينة زمن الرسول (ص). وقد أظهرهم الله لكم خلال السنوات الأربع العجاف الماضية.
فهل يعي المتطلعون إلى غدٍ أفضل، ما أوصله القرآن لهم عبر سوره وآياته بكل وضوح في كيفية مواجهة المنافقين بعيداً عن حسن النية، وتهيئة التربة لأفضل الحلول؟
إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"العدد 4329 - الإثنين 14 يوليو 2014م الموافق 16 رمضان 1435هـ
تخاطب من يا أستاذنا
مقالك تأثرنا منه كثيرا وقد قرأته بتمعن ... ولكن ألم تسمع الاية الكريمة ((صم بكم عمي فهم لا يعقلون )) وبعض الاية لا يشعرون... مقالك في زمان هذه الاية ،، ليس لهم حل الا عذاب الله .. والمنافق مهدم الحياة الانسانية وحقا نعوذ بالله منهم.
من حفر حفره لاخيه وقع فيه
من اراد ان يعتاش على حساب ايذاء اخوانه في الدين والانسانيه لاييبارك الله له وسوف يحاسبه وهو ايضا تحاسب نفسها وضميره
بورك فيك دكتور
مقال جميل وفي مكانه ووقته ولكن من يعقل ويفهم ممن طمس الله على قلوبهم وأبصارهم فإنهم حصب جهنم ،