أكد تقرير صادر عن «اليونسكو» أن الصحافة العربية لاتزال تواجه تحديات استمرار القيود المفروضة عليها، بما فيها قيود على حرية التعبير والرأي، وذلك وسط استمرار المطالبات بالتحرر من الضغوط المفروضة عليها.
جاء ذلك، في تقرير اتجاهات الدول العربية في حرية التعبير وتنمية الإعلام، والذي يأتي ضمن تقرير «الاتجاهات العالمية في حرية التعبير وتنمية الإعلام»، الصادر عن «اليونسكو»، ويتناول أربعة محاور: حرية الصحافة، التعددية في الإعلام، استقلالية الإعلام، وسلامة العاملين في وسائل الإعلام.
وتم إعداد التقرير استناداً إلى تقرير موجز عن الحالة العالمية لحرية الصحافة وسلامة الصحافيين، الذي تم تقديمه إلى المؤتمر العام للدول الأعضاء في اليونسكو في نوفمبر/ تشرين الثاني 2013.
وأشار التقرير إلى أن الاتجاه العالمي الشامل فيما يتعلق بحرية وتعددية واستقلالية الإعلام وسلامة الصحافيين على مدى الأعوام القليلة الماضية، شهد تغييراً كبيراً بسبب التطور التكنولوجي والأزمة المالية العالمية، والتي أثرت على الهياكل الاقتصادية والتنظيمية التقليدية في وسائل الإعلام، والأطر القانونية والتنظيمية وممارسات الصحافة، واستهلاك وسائل الإعلام وعادات الإنتاج، ناهيك عن ظهور صحافة المواطن ومساحات من وسائل الإعلام المستقلة.
وفيما يتعلق بالدول العربية؛ أكد التقرير، أنه خلال الأعوام الستة الماضية، شهدت المنطقة العربية فترة مضطربة، وخصوصاً في الدول التي شهدت الاحتجاجات الشعبية، والصراعات المسلحة، وحركات الإصلاح التي كانت لها تداعيات كبيرة على حرية الصحافة.
وجاء في التقرير: «واجهت حرية الصحافة بعض التحديات في البلدان ذات الحكومات الجديدة، أسوة بالبلدان التي لم تشهد التحولات السياسية. لكن الاتجاه السائد يشير إلى استمرار القيود على حرية التعبير والرأي والصحافة، حتى وسط الضغوط المتزايدة للتحرر».
وأضاف «أصبحت لمنصات الأخبار الرقمية وصحافة المواطن شعبية متزايدة، وبات تأثير آليات الرقابة يقتصر على وسائل الإعلام التقليدية، ومع ذلك، فإنها أثارت أيضاً رد فعل من السلطات في عدد من دول المنطقة التي أوجدت قوانين أكثر صرامة وعقوبات أقسى».
وتطرق التقرير إلى أدوات تقييد حرية وسائل الإعلام، من خلال الاستخدام المستمر للرقابة المباشرة، وقضايا التشهير، والضغوط الاقتصادية من خلال الامتناع عن نشر الإعلانات.
كما أشار إلى أن بعض البلدان في المنطقة شهدت عزوفاً مستمرّاً عن مشاهدة وسائل الإعلام بوصفها قوة مزعزعة للاستقرار وكمصدر للفتنة والشقاق، وفي الدول التي شهدت تغييراً في القيادة السياسية، نادراً مَّا يتم الاعتراف بدور وسائل الإعلام المستقلة، في الوقت الذي كانت فيه وسائل الإعلام المملوكة للدولة تفتقر إلى حد كبير من الاستقلالية.
واعتبر أن صحافة المواطن التي تمارس عبر وسائل الإعلام الاجتماعية والمدونات، لعبت دوراً في التغييرات السياسية الأخيرة، وأن هذه الظاهرة استمرت لتشكل ضغوطاً نحو المزيد من حرية التعبير في المنطقة.
أما على صعيد تعددية وسائل الإعلام، فأشار التقرير إلى أن التغيير الأكثر أهمية الذي شهدته البلدان العربية، كان في العام 2007 حين بدأ انتشار الإنترنت واستخدام الهاتف النقال وبدأ استخدام وسائل الإعلام الاجتماعية، والتي كان لها دور كبير في تغيير طريقة الناس في هذه المنطقة للحصول على المعلومات وتجاوز الحواجز الهيكلية للإنتاج الإعلامي.
واعتبر التقرير أن الأعوام الماضية التي شهدت فيها عدد من الدول العربية احتجاجات شعبية وواكبتها حركة الإصلاح الأوسع في المنطقة، أدت إلى المزيد من التعددية في وسائل الإعلام، مشيراً إلى أن المنطقة التي تملك حكوماتُها وتسيطر على معظم وسائل الإعلام فيها، شهدت توسعاً في القنوات الفضائية، بما في ذلك القنوات المملوكة للقطاع الخاص، بالإضافة إلى الشعبية التي باتت تتمتع بها شبكة الإنترنت، إذ تمكن الناس من التواصل مع بعضهم بعضاً بقدر أكبر من الحرية، بما يواكب التغيرات في النسيج الاجتماعي والسياسي في المنطقة.
وجاء في التقرير أن «الاتجاه نحو صحافة المواطن والمدونات شهد انتشارا متسارعا منذ العام 2007، وهذا يعني أن مستخدمي وسائل الإعلام الاجتماعية، والشباب خصوصاً، كانوا قادرين على الانتشار وتوثيق الأحداث يوماً بيوم، بما في ذلك أثناء الحركات الشعبية، وأصبحت وسائل التواصل الاجتماعي البديل لمصادر الأخبار عن وسائل الإعلام المحلية والعالمية».
وتابع «هذا الاتجاه نحو الإنترنت، أسهم في تنشيط المشهد الإعلامي، ولاسيما في ضوء الطلب المتزايد على الأخبار، وخصوصاً في بلدان المنطقة التي شهدت تحولات سياسية، وكل ذلك أدى إلى انتشار وسائل الإعلام نحو مزيد من التعددية تدفعها أطر قانونية جديدة، وذلك بالتزامن مع انتشار الهواتف النقالة الذكية، على رغم أن أسواق التلفزيون الوطني تميل إلى البقاء إلى حد كبير في أيدي الحكومات أو عدد قليل من وسائل الإعلام التابعة إلى التكتلات المتحالفة معها، ما أدى إلى تغطية مجموعة أكبر من وجهات النظر، على رغم استمرار التمثيل الناقص للنساء في وسائل الإعلام».
وفيما يتعلق بالاستقلال والتنظيم الذاتي لوسائل الإعلام، فقد أشار التقرير إلى أن 19 دولة من المنطقة العربية بقيت بعيدة المنال عن الاستقلالية، وأنه في معظم البلدان العربية، لم تقلل الحكومات من تدخلها في وسائل الإعلام الإخبارية، وخصوصاً على صعيد الحصول على تراخيص البث والطباعة، وأن قرار منح التراخيص لا يتم من قبل هيئات مستقلة، وإنما يتم وفقاً لعملية مسيسة، بحسب ما ورد في التقرير.
وذكر التقرير أن «معظم أنحاء المنطقة شهدت عقوداً من تقييد حرية التعبير التي أسفرت عن مستويات عالية من الرقابة الذاتية بين الصحافيين. كما أن التطورات في وسائل الإعلام، وخصوصاً خلال الأعوام الثلاثة الماضية، تشير إلى وجود اتجاه متزايد بين العديد من الحكومات لتنظيم الاتصالات عبر الإنترنت، في الوقت الذي خلق الإنترنت جيلاً جديداً من الصحافيين، بما في ذلك العديد من الصحافيين والمدونين، الذين يملكون جرأة أكبر في إعداد تقاريرهم».
وتابع «الأخبار والآراء التي توجه انتقادات للحكومات، ومناقشة المحرمات الاجتماعية والآراء التي تنتقد على أساس الدين، ظهرت في وسائل الإعلام، ولاسيما في البلدان التي تمر بمرحلة انتقال سياسي. وأسهمت هذه التطورات في الحد من الرقابة الذاتية بين الصحافيين في المنطقة».
وعلى صعيد سلامة الصحافيين، ذكر التقرير أن الأعوام الستة الماضية شكلت فترة مضطربة وخطيرة على نحو متزايد للصحافيين في العديد من البلدان العربية، وأنه على رغم أن موجة الانتفاضات السياسية خلقت فرصا جديدة للصحافيين، إلا أنها خلقت ظروفا خطرة للصحافيين في جميع أنحاء المنطقة، ولا سيما في مناطق النزاع، ما يؤدي إلى زيادة في الاعتقالات والسجن والمضايقات، ومصادرة المعدات الخاصة بالصحافيين.
وأكد التقرير أن الاضطرابات السياسية الجارية، ولا سيما الانتفاضات التي بدأت في العام 2011 في أجزاء من المنطقة، والتوسع في الصحافة، سواء داخل وسائل الإعلام المؤسسي أو صحافة المواطن، والعلاقات المتوترة على نحو متزايد بين الحكومة والصحافة في البلدان التي تمر بمرحلة انتقالية، وكذلك أولئك الذين يحاولون منع الانتفاضات الشعبية، باتت مهددة لسلامة الصحافيين.
كما أشار التقرير إلى استمرار سياسة الإفلات من العقاب في حالات قتل الصحافيين، مع تحقيق القليل من التقدم في معالجة الجرائم الممارسة ضد مهنيي وسائل الإعلام، التي تم الإبلاغ عن وقوعها في معظم الأحيان على أيدي موظفي الدولة أو الجماعات السياسية.
العدد 4325 - الخميس 10 يوليو 2014م الموافق 12 رمضان 1435هـ