لا شيء يمكن له أن يبسط الأمن والتراحم والتكامل بين أفراد المجتمع، أكثر من حفظ الحقوق الإنسانية الأساسية، في العدالة والمساواة؛ والمعاملة بالمثل إزاء الحقوق والواجبات، وتشخيص العقوبة بما لا يمدها إلى غير مرتكب الجرم؛ وحق الحياة وحق الأمن على النفس والعرض والمال. فإن سُقيت براعم تلك الحقوق، بالتربية والتعليم وتقويم الممارسة، وحُصِّنت بالقوانين المتساوية التطبيق، عبر نظام المؤسسات، بعيداً عن التصرفات الفردية المتنفذة، المباشرة منها أو الموكَلَة من قبل المتنفذين، في حالات الأمر والمنح والمنع، ساد الأمن والطمأنينة في المجتمع، بما يحفظ استقراره جيلاً بعد جيل.
ففي نظام المؤسسات، ليس هناك من أوامر لأداء فعل ما، أو قرار لمنح الحق نتيجة استحقاقه، أو منعه نتيجة قصور الحق فيه، إلا عبر الإثبات المستندي القانوني بحوزة الأطراف، وإن خلا ذاك الإثبات، وسادت التوجيهات الشفوية، فإن الأمر هو تفشي وممارسة النفوذ الفردي، وهي حالة يتوجب أن لا يكون لها، لا أصل ولا تبرير، فواحدها في ضرها بالمجتمع، كما هو تَقيُّح المجتمع بكثرتها وتكرار ضرها، ليتوجب أن يتصدى لها نظام المؤسسات والقانون، بالمحاسبة والبتر.
والإثبات المستندي دليلٌ على نهج إدارة الدولة، من أعلى مستوياتها إلى أدناها، للشفافية في النظام المؤسسي، والمستند هو حق للمواطن لإثبات حقوقه أو عدمها، ومحاسبة الجهة الحكومية، مانعة هذا الحق أو ماسته بالتعدي أو الخطأ، فهكذا تبدأ الحقوق ما بين الاستحقاق والعدم، وتنتهي بالإثبات المستندي.
ونظام المؤسسات لا يستقيم إلا من خلال استقلال قيام السلطات، التشريعية والقضائية والتنفيذية عن بعضها، باستقلالها تأسيساً وإدارةً وقراراً، في نظام إدارة الدولة الحديثة، التي لا تقوم إلا بشروط قيام هذه المؤسسات، المستقاة من مبدأ أن «الشعب مصدر جميع السلطات»، فتتوزع مهمات إدارة الدولة بين جميع مكوّناتها، تعاقداً وتفويضاً وإنابة، وتشريعاً وقضاءً وتنفيذاً، في تكامل متواصل العطاء من ذا وذاك، إلى ذا وذاك، ينتقل واحدهم من هذه السلطة إلى تلك، أو يخرج من أيها، بطريقة التداول السلمي، المحكوم بالإرادة الشعبية، المصاغ ممارستها عبر نصوص الدستور المدني العقدي بين الممثلين المنتخبين لجميع المكونات الشعبية، عبر الانتخاب الحر المباشر، المتساوي القوة الانتخابية لكل مواطن، وبما يتم التوافق عليه من تفويض بعضهم البعض، لتأسيس وإقامة وتعديل وإبدال وتنظيم وتطوير، نظم إدارة الدولة وتشكيل سلطاتها ومؤسساتها، وبهذا يخضع الجميع للنظام العام للدولة- الوطن، الذي يملك أرضه وبحره وسماه وثرواته، كامل أفراد الشعب تساوياً، بما لا يتفارقون في خدمات الدولة، ويتكافلون بالمال والكفاءة والعطاء والعمل، تجمعهم العدالة والمساواة في الحقوق الإنسانية السياسية والمدنية والحياتية.
إلا أن بعض المتحذلقين القلة، من الكتّاب ومعتلي المنابر الدينية، والنواب والبلديين والسياسيين، وجدناهم بابتعادهم عن المعيار المواطني، وفي موالاتهم بالاستسلام والطاعة التامة للسلطة، وبما يتعارض ودستورية التشريعات ويتعارض وقانونية الإجراءات، حين يخادعون البسطاء والطيبين من الناس، ليستثيروا فيهم نزعة مذهبية وطائفية، ضد حقوق عامة ينالونها كاملة، وينال بعضها أو محروم منها الآخرون، على أنها حق خاص لهم، لا يستحقها الآخر، ويلومون السلطات وهم يغمزون بطرف عيونهم وتحريك «قمّازاتهم» وجانب شفاههم، ليعلم أصحابهم أنهم كاذبون هازئون.
فيتناولون قولاً وكتابة، مفاهيم سياسية بالتحايل وتشويه الحقائق، مثل مفاهيم الدولة والوطن والسلطة والشعب والحكومة والقيادة، وسمو أيها على الأخرى، والعلاقات المفترضة بين كلها، ودور كلها في خدمة الوطن والمواطن، وأصل مصدر إنشائها وسلطتها، وحق محاسبتها وإبدالها، ويتغافلون عن المبدأ المدني الحديث، المنصوص عليه في جميع الدساتير: «الشعب مصدر السلطات جميعاً»، ليهزأ أحدهم بنفسه وثقافته وإنسانيته، دون أن يدري، فقد لعبت به النشوة المسكرة، بما يناله القائل من تمييز وحماية وعدم محاسبة وإفلات من العقاب، فللتعبير عن تقديسه للسلطات التي يرتمي في أحضانها، فإنه ينال بالسوء من عزة، من بنى له الوطن بمهنة الأجداد، من «صَفّار الجدور» ومن «زَرّاع وخَرّاف النخل» و»الغوّاص»، وهيّأ له ولأمثاله من العاقّين للأجداد، رغادة العيش التي هم فيها اليوم يرتعون، في ظل التمييز الذي تمنحهم إياه الجهات التي سلبت السلطة من الشعب، حيث التَسَيّد جبراً، بالبطش والقوة المفرطة القاتلة، ليرفع صاحبنا حاجبيه للتعجب مما يجهل، ويسأل «هل رأيتم شعباً في العالم يملك السلطات؟»
وأسأل صاحبنا: هل رأيت من يجاريك جهلاً بالنظم السياسية، والحقوق الإنسانية، السياسية والمدنية؟
إقرأ أيضا لـ "يعقوب سيادي"العدد 4323 - الثلثاء 08 يوليو 2014م الموافق 10 رمضان 1435هـ
الحق حق .
سأقولها صراحة بالرغم من صحة ما تقوله فعلا لكن علينا أن نعترف حقا أن قيادتنا فى البحرين أفضل بكثير من دول عربية وأجنبية كثيرة فالحرية المتاحة ممتازة قباسا بدول أخرى والجمعيات كثيرة عندنا فى حين يحرم وجود جمعيات فى العديد من الدول والتواصل والوصول للقيادة ليس من المستحيلات كما لدى بعض الدول فاذا قست بالمسطرة والقلم بكل تجرد فنحن فى نعمة ولا أقول ذلك مجاملة لأحد .فينبغى العدل فى القول .ولا يجرمنكم شنآن قوم أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى .محبكم جاسم ر
انا ربكم الاعلى
قرار فردي يحكم كل المؤسسات اين هم وتعاليم الإسلام فانها حبرا على ورق