ليس جديداً على أهل البحرين أن توجّه لهم الاتهامات والنعوت الباطلة. اتهموهم بعدد من التهم العدائية، ونسبوهم في فترة للقرامطة الذين هدموا الكعبة، ويكثر اليوم وصف أهل البحرين بالصفويين. والسر باختصار، أن هناك صفحة من التاريخ يُراد تشويهها لتحقيق أهداف لا تخفى. فلماذا يوصف أهل البحرين الطيبين بالصفويين؟

لإلصاق كل التهم التي توجّه إلى إيران في فترة الدولة الصفوية وإيران اليوم، إلى أهل البحرين. بكلمات أخرى، للتشكيك في وطنيتهم ولاتهامهم بالانتماء إلى إيران الفارسية الشيعية المعادية للعرب والمذاهب الإسلامية الأخرى حسبما يرون.

من الواضح أن هناك من يطلق هذا الوصف بقصد الإهانة والتجريح، ولكن ربما يكون من المفيد التفكير فيما وراء ذلك. هناك رغبة في توجيه الإهانة، ولكن الإهانة ليست مستقلة بذاتها هنا، وإنما هي قائمةٌ على أساسٍ يجري تفسيره وتضخيمه وتحويره، ليؤسّس صورةً يُعاد إنتاجها بين فترةٍ وأخرى لتصنع صورةً نمطية.

هناك تاريخٌ لا يمكن إنكاره من العلاقة بين البحرين وإيران، ولكن ما يتم فعله هو قراءة هذا التاريخ وفق رؤية تتمظهر بالإهانة والرغبة في التجريح، وهي متخمةٌ بفكرة يُراد لها أن تستقر في الأذهان كصورة نمطية غير قابلة للتشكيك. هذه الفكرة هي أن أهل البحرين ينتمون إلى إيران أكثر من انتمائهم للبحرين. ولمناقشة هذه الفكرة، يمكن طرح بعض النقاط التي تختصر بعض الحديث السابق عن علاقة البحرين بالدولة الصفوية.

أولاً: لا يمكن إنكار التاريخ الطويل من العلاقة بين البحرين وإيران ولكن لابد من إدراك حدود هذه العلاقة. كانت البحرين تابعةً سياسياً لإيران لفترات طويلة، وإن كانت متقطعة. فمنذ ما قبل الإسلام كانت البحرين في بعض فتراتها تابعة للدولة الساسانية الفارسية، وحين وصلتها رسالة الإسلام على يد العلاء الحضرمي، كان يحكمها المنذر بن ساوى التميمي، وهو حاكمٌ عربيٌ ولكنه مرتبطٌ بالدولة الفارسية. كما كانت هناك جاليةٌ فارسيةٌ تسكن البحرين منذ تلك الفترة.

البحرين ارتبطت أيضاً بالدولة الصفوية لأكثر من مئة عام، واستمرت الادعاءات الإيرانية بالسيادة على البحرين منذ منتصف القرن التاسع عشر الميلادي حتى الاستفتاء الذي أشرفت عليه الأمم المتحدة العام 1970، والذي تبعه استقلال البحرين في 15 أغسطس/ آب العام 1971. هذا التاريخ من العلاقة لم يؤثر في الخيارات الوطنية لأهل البحرين الذين أثبتوا رغبتهم في استقلال البحرين، سواء في استفتاء الأمم المتحدة أو في دستور العام 1973، أو في تصويتهم على ميثاق العمل الوطني العام 2001.

ثانياً: تطورت علاقة البحرين بإيران بشكل ملحوظ بعد قيام الدولة الصفوية (1501-1736م) وإعلانها التشيع حيث أصبحت العلاقة أكثر متانةً مع الارتباط المذهبي الجديد. يمكن القول هنا أن فترة قيام الدولة الصفوية وسيطرتها على البحرين هي الفترة الأكثر تميزاً ووضوحاً في مستوى العلاقة بين البحرين وإيران، حيث ارتبط البلدان سياسياً ومذهبياً لأول مرة. في تلك الفترة تحديداً، تبدو علاقة علماء البحرين، قادة المجتمع آنذاك، بعلماء الدين في الدولة الصفوية مختلفة تماماً عن علاقتهم بالحاكم المحلي التابع للحكم الصفوي. ففي الوقت الذي كان علماء البحرين يفدون على الدولة الصفوية لنشر المذهب الإسلامي الشيعي، وللاستفادة من علماء الدين هناك، لم تكن تبدو علاقتهم بالحاكم السياسي على ما يرام.

لم يقر علماء البحرين، وحتى علماء الدولة الصفوية نفسها، بأخطاء هذه الدولة ولكنهم تعاملوا معها كحاضنة لمذهب أهل البيت (ع). على أساس ذلك يمكن القول بأن ارتباط البحرين بالدولة الصفوية كان ارتباطاً دينياً أكثر منه ارتباطاً سياسياً.

ثالثاً: التشيع في البحرين سابقٌ على التشيع في إيران. فمن المعروف أن الدولة الصفوية حين قامت العام 1501 جعلت من التشيع مذهباً رسمياً للدولة في عام قيامها. أما بذور التشيع في البحرين فترجع لسنوات الإسلام الأولى حيث كان لبعض ولاة البحرين دور في ذلك. كان أبان بن سعيد بن العاص، أحد ولاة البحرين في عهد النبي (ص)، يعرف بولائه لأهل البيت والإمام علي (ع)، وكذلك الحال مع عمر بن أبي سلمة الذي ولاه الإمام علي (ع) على البحرين. كما يستدل على التشيع القديم لأهل البحرين بمشاركة بعض أبناء قبيلة عبد القيس التي كانت تقطن البحرين في حروب الإمام علي (ع)، وكذلك معركة كربلاء حيث هاجر بعض أفراد عبد القيس من البحرين إلى البصرة والكوفة.

مما يجدر ذكره أيضاً، إن التشيع كان موجوداً ومعروفاً في إيران قبل قيام الدولة الصفوية، خصوصاً في بعض المناطق كالري وكاشان، ولكنه لم ينتشر في عموم ايران إلا بعد قيام الدولة الصفوية في 1501 م. في المقابل، فإن التشيع في البحرين لم يكن كذلك، وهو قديم جداً. حين قامت الدولة الصفوية في 1501 م ساهم علماء البحرين في نشر المذهب الشيعي في إيران جنباً إلى جنب علماء جبل عامل والنجف وكربلاء والقطيف. وعلى أساس ذلك لا يمكن القول أن أهل البحرين أخذوا مذهبهم من إيران.

رابعاً: ارتباط البحرين الديني بإيران لا يعني الارتباط السياسي. هناك مراكز علمية وفقهاء لكل المذاهب الإسلامية والارتباط بهذه المراكز والفقهاء هو من مستلزمات الاعتقاد المذهبي نفسه ولا دخل للسياسة فيه. كما ان هناك مدرستان فقهيتان لدى الشيعة، أحدهما «اخبارية»، والاخرى «أصولية»، والمدرسة المنتشرة تاريخياً في البحرين هي الأخبارية، بعكس إيران التي تنتشر فيها المدرسة الأصولية.

ان من ينتمي لوطنه لا ينتظر اعترافاً وتكريماً، ولا يكترث لإهانة من الآخرين، ويكفيه فخراً أن يكون من أهل هذه البلاد الطيبين.