من يقرأ العنوان أعلاه قد يظن أن الجيش المصري كان من الضعف والدعة، بحيث تمكنت الطائرات الإسرائيلية من ضرب 80 في المئة من الطائرات المصرية وهي على الأرض بكل سهولة، ولكن ليس الأمر على هذا النحو. أما الحقيقة الغائبة فهي أن الجيش المصري كان محيَّداً بالكامل، وكل الوحدات والفصائل التي كانت في سيناء كانت دفاعية بحتة، فالجيش المصري المنهك لأربعة أعوام فى حرب اليمن لم يتسنَ له بعد إعادة بنائه وتأهيله، وقد أقحم في هذه الحرب قسراً وجيء بالمكان والزمان المناسبين وفي ظروف ضبابية لزجة في هذه المعركة غير المتكافئة، ما سهّل على القوات الإسرائيلية الحصول على النصر الزائف وتأكيد لتحييد الجيش.
اقتبس الفقرة أدناه من خطاب التنحي للرئيس جمال عبد الناصر حتى نعي الحقيقة جيداً، إذ قال: «في يوم 26 مايو/ أيار 1967 أبلغ الرئيس الأميركي لندن جونسون سفيرنا في واشنطن بضرورة ضبط النفس، وألا نكون البادئين بإطلاق النار، وإلا فسوف نواجه نتائج خطيرة. وفي الليلة نفسها طلب مقابلتي بصفة عاجلة السفير الروسي الساعة الثالثة والنصف من بعد منتصف الليل! وأبلغني بطلب مُلح من الحكومة السوفياتية ألا نكون البادئين بإطلاق النار».
من الطبيعي جداً وبعد أن أبلغت المؤسسة العسكرية بيوم الضربة وهو 5 يونيو/ حزيران الساعة الخامسة صباحاً، أن تكون جميع الوحدات والفصائل في كامل جهوزيتها على خطوط النار، والأهم من ذلك أن يكون جميع الأفراد والضباط في مواقعهم استعداداً لساعة الصفر، هذا إذا أخدنا في الحسبان أن جميع الوحدات قد أبلغت بحالة الاستنفار.
في هذا الصدد اقتبس بعض ما ورد فى كتاب ناصر وعامر: «بالرغم من احتمال الحرب والهجوم يوم 5 يونيو ومعرفة القيادات العسكرية بهذا الأمر كما بيّن ذلك الرئيس عبد الناصر عند اجتماعه بهم. كذلك تأكيد المخابرات للأمر نفسه، كل ذلك لم يمنع المشير ومعه كبار القادة من ركوب طائرة لتفقد القوات المسلحة في سيناء في صبيحة يوم 5 يونيو! ضارباً بعرض الحائط كل احتمالات الهجوم ومعرِّضاً نفسه والضباط الذين معه لخطر الموت. والأمر والأدهى أن تنتظره بالمطار معظم القيادات التي تركت مواقعها عندما بدأت الضربة الجوية! حتى فوجئت هذه القيادات بالطائرات الإسرائيلية التي ظنوها بدءاً بالطائرات التي تحرس المشير، وما أن تنبهوا إلى الأمر حتى أسرع كل من هؤلاء القادة عائداً إلى موقعه، وقد وصله بعضهم في اليوم التالي! وقد شاهد المشير ومن كان معه من الجو الطائرات الإسرائيلية وهي تدك المطارات المصرية ولولا تأخر طائرة المشير عن موعدها صباح ذلك اليوم بـ 20 دقيقة لأسقطتها الطائرات الإسرائيلية المغيرة! وقد رجع المشير ولم تجد الطائرة التي تقله سوى مطار القاهرة لتهبط فيه. وكان هذا هو السبب الرئيسي في الهزيمة بل وفي الانهيار السريع الذي حصل للقوات المسلحة (إذ كان عقل الجيش وإرادته غائبين في اللحظة الحاسمة)». (ص 156) انتهى الاقتباس.
وعندما سأل الرئيس عبدالناصر المشير عبدالحكيم: ما الذي حصل في ذلك اليوم؟ أجابه الأخير: أن الطائرات المغيرة كانت أميركية وليست اسرائيلية، وللتحقق من هذا الأمر اتصل عبدالناصر بأحد الضباط الطيارين وسأله عن هذا الأمر فأكد له الأخير أن الطائرات المغيرة كانت إسرائيلية وليست أميركية، كان هذا الضابط هو محمد حسنى مبارك.
أما الأسباب الرئيسية لنكسة 1967 فقد لخصها الكاتب فيما يلي:
- المؤسسة العسكرية (رأي المخابرات العامة): لم تكن القوات المصرية على استعداد لدخول حرب شاملة مع إسرائيل بسبب معارك الاستنزاف في حرب اليمن في السنوات الأربع الأخيرة، كما أن القوات المصرية ليست بالدرجة الكافية والإعداد الجيد والتدريب، إضافةً إلى تلف وتدمير العديد من المعدات في تلك الحرب (حرب اليمن)، وقد دُفعت هذه القوات إلى سيناء كي تتخذ مواقع دفاعية، وتمت تعبئتها بطرق عشوائية غير منظمة، كما تم استدعاء قوات الاحتياط في وقت قصير لم يمكنها من التعود على مسرح العمليات.
- لم تكن القوات البرية المصرية في مستوى تجهيز القوات الإسرائيلية من ناحية التدريب على القتال الليلي، كذلك كانت القوات الجوية بكل قياداتها، ويشمل ذلك أيضاً الطيارين والفنيين، كما أن العتاد وتسليح الطائرات لم تكن بحال تسمح بالهجوم أو تلقي الضربة.
- لم تدرب القوات المسلحة تدريباً كاملاً للانتقال بها وتغييرها من قيادات أمن كما كان جارياً العمل بها منذ بداية الثورة، إلى قيادات عمليات، كما كان القادة الجدد غرباء على الوحدات التي يقودونها، إذ لم يتسنَ لهم الوقت الكافي لخلق جو من الألفة والعلاقة المطلوبة بين القائد وجنوده... (رأي المخابرات العامة).
الكفاءات البشرية (القادة العسكريون)
- تخبط القيادات العسكرية بمستوياتها كافة في إصدار الأوامر المناسبة في الوقت المناسب بسبب قطع اتصال القيادات بتشكيلاتها من ناحية، أو مع قياداتها العليا من ناحية أخرى. وعليه، كانت الأوامر الصادرة متناقضة ما أدى إلى شيوع جو من الفوضى في صفوف القوات المسلحة.
- تدخل القيادة العامة في تفاصيل المعارك بطريقة جعلت من مقر القيادة العامة في القاهرة أشبه بالسوق، ما حال دون وجود الجو المناسب لإدارة المعركة وإعطاء القرارات الصائبة.
وفي هذا الصدد أضاف الفريق صادق مرتجى أسباباً أخرى للهزيمة:
- لم تكن قيادة القوات المسلحة في أيدي قادة محترفين، وليس لديهم إلمام بالعلوم العسكرية، وليس لديهم خبرة في المستجدات في الأسلحة الحديثة، أضف إلى ذلك أن القوات المسلحة المصرية لم تكن بحال استعداد تسمح لها بدخول حرب أساساً، بسبب إنهاك الجيش المصري في حرب اليمن، وكان من الضروري توضيح هذه المسألة للقيادات السياسية قبل الإقدام على هذه المغامرة، ولكن عندما عرض الرئيس عبدالناصر الأمر على القوات المسلحة أجابه المشير بكل ثقة: «برقبتى يا ريس!».
تراخي رؤساء قيادات الجيش وعدم أخذهم الأمر على محمل الجد في حرب 1967، بل إن كثيراً من الضباط في مواقع القتال لم يُبلغُوا برفع درجات الاستعداد في يوم 5 يونيو 1967، لذا كانت الخسائر فادحة والأداء في بعض المواقع أسوأ من السوء.
- على رغم احتمال الحرب والهجوم يوم 5 يونيو ومعرفة القيادات العسكرية بهذا الأمر، كما بيّن ذلك الرئيس عبدالناصر عند اجتماعه بهم، وكذلك تأكيد المخابرات للأمر نفسه، إلا أن ذلك كله لم يمنع المشير ومعه كبار القادة من ركوب طائرة لتفقد القوات المسلحة في سيناء في صبيحة يوم 5 يونيو! ضارباً بعرض الحائط كل احتمالات الهجوم ومعرضاً حياته والضباط الذين معه لخطر الموت.
الانسحاب الكارثة
أما الانسحاب الكارثة، كما وصفه الكاتب، فقد شارك فيه المشير عامر بروح قبلية بحتة بعيدة كل البعد عن الانضباط العسكري، فقد أوعز المشير إلى الفريق فوزي وأنور القاضي وممدوح التهامي لإعداد خطة للانسحاب. وكانت الخطة تقضي بانسحاب القوات إلى خط المضائق على أن تتمسك به (القوات) حتى آخر طلقة وآخر رجل، وأن يتم الانسحاب خلال ثلاثة أيام وأربع ليال. وهنا تدخل المشير وغيّر الخطة إلى 12 ساعة حتى يحقق السبق في إعادة الجنود بأسرع وقت إلى أهاليهم سالمين. وبذلك أضاف عبئاً جديداً على القيادات والفصائل في مسرح العمليات.
كما أن بعض الوحدات لم تبلغ بالانسحاب مما خلق تضارباً شديداً بين الآليات على خطوط العرض، والأخرى على خطوط الطول، وآخر بين القوات الذاهبة إلى ميدان المعركة، والأخرى القادمة منها، ما سبب إرباكاً وفوضى كبيرين، وخصوصاً أن بعض الضباط والقادة سمعوا عن أمر الانسحاب من زملائهم فقط، فما كان من الجنود في هذا الوضع المأزوم إلا أن تركوا آلياتهم وأسلحتهم أهدافاً سهلة تقتنصها الطائرات الإسرائيلية فقتل من قتل.
كما أن الإصابات لم تسعف، ما ضاعف الخسائر وبلغ عدد الأسرى قرابة الخمسة آلاف جندي. أما باقي الجنود والذين قدر عددهم بمئة ألف، فقد عادوا أدراجهم للوطن مشياً على الأقدام من دون ماء أو طعام، فوصل البعض قراهم بعد أسبوع في حالة مزرية.
في يوم 13 سبتمبر/ أيلول 1967 في الساعة 6:35 مساءً، أعلن رسمياً وفاة المشير عبدالحكيم عامر منتحراً بمادة الأكنوتين، وبموت عبدالحكيم عامر سقطت المؤسسة العسكرية وبدأت المؤسسة السياسية، ولأول مرة منذ بداية ثورة يوليو/ تموز، تحكم مصر.
إقرأ أيضا لـ "سيدعدنان الموسوي"العدد 4318 - الخميس 03 يوليو 2014م الموافق 05 رمضان 1435هـ
اضافة
لم يك مما ذكرته فقط. بل كانت القيادة سهرانة في حفلة رقص. المذكرات تكتب هذا و ليس اتهام.
من رسم حرب اليمن هو المتسبب
الحقيقة بأن دولة نفدت أجندة خارجية لاستنزاف الجيش المصري في اليمن واستطاعت انهاكه لوجود المال الكثير وهاهو السيناريو تنفده في دول عربية في وقتنا الحاضر