دعا سياسيون ومعلقون عرب الرئيس الأميركي جورج بوش إلى محاولة وضع حد للاحتلال الإسرائيلي إذا كان يريد تحقيق تقدم في مجال الديمقراطية في «الشرق الأوسط» وذلك بعد الخطاب الذي ألقاه عن رؤيته للديمقراطية في المنطقة. وأجمعت الردود العربية على التطرق إلى مسألتي العلاقة العربية مع أميركا ومسألة فرض الديمقراطية... ان «سبب الكراهية العربية لأميركا هو الانحياز الأميركي الكامل وبنسبة 99,9 في المئة لـ «إسرائيل» بحسب تعبير أمين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى، الذي قال «انه يؤيد القيام بإصلاحات في العالم العربي شرط ألاّ تكون مفروضة من الخارج وإنما تقررها الدول». وقال الأمين العام للمنظمة العربية لحقوق الإنسان محمد فائق، «فعلا هناك نقص في الديمقراطية ولكن فرضها من الخارج مستحيل خصوصا من الولايات المتحدة لأنها لا تحمل أية صدقية نتيجة دعمها لـ «إسرائيل» واحتلالها العراق». ومن جهته، قال المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين في مصر مأمون الهضيبي انه يوافق الرئيس بوش القول ان «الإسلام ليس ضد الديمقراطية شرط ألاّ تفرض القيم الغربية على الشعوب الإسلامية». وأضاف ان «أكثر ما يؤدي إلى كراهية الشعوب الإسلامية للأميركيين هو انحيازهم الكامل للكيان الصهيوني والعدوان على العراق وأفغانستان».
ورأى جوزيف سماحة في «السفير» اللبنانية، ان خطاب بوش ينتمي إلى المناخ العقائدي للمحافظين الجدد... وإذ اعتبر ان خطاب بوش تبسيطي وساذج وخطير وتلتقي هذه الصفات بشدة أكبر عنده إذا كان يصدق ما يقول فثمة «أنبياء» مخيفون ولكن «نبيا» مسلحا مثل بوش هو الأكثر إثارة للرعب... ورأى أيضا ان تبسيطية بوش وسذاجته هما في خدمة خطره. ورأى سماحة، ان الخطاب يعبّر عن نزعة تدخلية قصوى بشعارات تفيض فيضا عن «الجوهر الجيد» للأمة الأميركية التي لا تفعل سوى تلبية «ابتهالات» بألا تنسى تعزيز الحرية في جميع أنحاء العالم. وسخر متسائلا كيف يسعها ذلك ورئيسها يعتبر، وبلغة تبشيرية ونبوية ان الحرية هي خطة الله للإنسانية؟ وشدد سماحة، على ان ما حلم به المحافظون الجدد عقودا جاء بوش ينفذه. وذكّر بأنه سبق لأميركا أن نشرت الديمقراطية فعلا ولكن في سياق حروب ضد أنظمة تعاديها، أما في «الشرق الأوسط» فهي لم تتمتع مرة في التاريخ، ولا غيرها، بمثل هذا النفوذ الهائل. فالمنطقة مسحوقة أمامها وتابعة لها بشكل وضيع. وتساءل ساخرا هل تنوي واشنطن، فعلا، زعزعة هذا الواقع أم انها تريد «عملية تجميلية» تجعل حلفاءها «محترمين» أكثر؟ مؤكدا ان الاختبار الفعلي للسياسة الأميركية الجديدة هو في المجالات التي يبرز فيها تنافر بين «القيم» و«المصالح». فماذا سيكون الموقف؟ مرجحا أن يكون ثمة تناقض بين الديمقراطية العربية والمصالح الأميركية في تعريفها التقليدي، وهذا التناقض لم تلغه تفجيرات 11 سبتمبر/ أيلول. والخوف، بهذا المعنى، هو أن تكون الادعاءات التي يحملها الخطاب مجرد تغطية لاندفاعة عدوانية تنتزع حقها باسم «القيم» من أجل أن تغلّب «المصالح». وختم بالقول ان تبسيطية بوش وسذاجته هما في خدمة خطره.
ورأى عبد الوهاب بدرخان في «الحياة»، ان خطاب الرئيس بوش، أو خطاب الديمقراطية مهم بكل تأكيد، وأي خطاب لرئيس أميركي هو محطة سياسية يفترض أن يبنى عليها بالنظر إلى الدور الأميركي النافذ في المنطقة والعالم. لكننا اعتدنا، وخصوصا مع هذه الإدارة على أقوال تناقضها الأفعال، وعلى أخطاء بارزة لا تعقبها أية مراجعة أو تصحيح. معتبرا ان كل الفضائل والنيات الحسنة التي يمكن أن يبثها الرئيس في مداخلاته عن العرب شعوبا وحكومات، لا تلبث جرائم شارون أن تبددها كأنها لم تكن. وبعبارة واحدة، رأى بدرخان، ان التغييب المتعمد لأي نقد لعصابة شارون كان من العناصر الكافية لنسف صدقية خطاب الديمقراطية.
وفي مقالة تحت عنوان «ليكتمل إنصاف الإسلام»، تمنت «الأهرام» المصرية لو ان كلمات بوش ووزير خارجيته كولن باول التي أشادا فيها بالإسلام تتحول إلى أفعال ولا تكون مجرد كلام مناسبات عابر لترضية المسلمين وتطييب خواطرهم. مؤكدة ان المسلمين في حاجة ملحة إلى تغيير في أقوال وأفعال المسئولين في الولايات المتحدة وغيرها فيما يتعلق بالإسلام ومعتنقيه حتى يتوقف ما يتعرضون له من إهانات وإذلال في تلك الدول منذ تفجيرات 11 سبتمبر لمجرد ان المتهمين بتنفيذها كانوا من المسلمين. وأملت الصحيفة المصرية، في ألاّ تستمر واشنطن في الانحياز لـ «إسرائيل» على حساب الفلسطينيين والسوريين واللبنانيين والمسلمين عموما وأن تنصفهم بالفعل وليس بالقول فقط بل بإقناع «إسرائيل» بتنفيذ الاتفاقات والقرارات الخاصة بعملية السلام حتى يعود الاستقرار إلى «الشرق الأوسط». مؤكدة انه عندئذ سينزوي المتطرفون تدريجيا ويتوارى «الإرهاب» لأن دوافعه ستكون قد زالت وشعر المسلمون بأن الظلم قد رفع عن كاهلهم.
وكتبت صحيفة «الرأي» الأردنية ان الوقت حان لكي تترجم إدارة بوش أقوالها إلى أفعال بعد أن أكدت وجهة نظرتها لدعم الديمقراطية وحريات الشعوب لكنها مازالت تتجاهل في الوقت ذاته السياسات العدوانية لـ «إسرائيل». وأضافت ان سياسة كهذه تؤدي فقط إلى تعميق الفجوة بين وجهة النظر الأميركية وموقف الشعوب في الشرق الأوسط ولن تنجح في تشجيع الداعين إلى الإصلاحات في المنطقة.
ورأت سحر بعاصيري في «النهار» البيروتية، أن في كلام بوش إقرارا بفشل السياسات الأميركية في منطقة «الشرق الأوسط»... واعتبرت انه من غير المفيد أن يعرض بوش أمراض المنطقة... فما ينفع هو أن يثبت بوش ان المسألة في العراق هي مسألة تحرير وليست احتلالا... وما ينفع هو التوصل إلى حل عادل للقضية الفلسطينية... واعتبرت ان بوش في أمسّ الحاجة إلى أن يقفز على فوضاه العراقية إلى صورة لشرق جديد تقنع الأميركيين بأن ثمة قضية حقيقية تبرر بقاء جنودهم في العراق وتبرر الأعداد المتزايدة من قتلاهم. وقال عبدالباري عطوان في «القدس العربي» الفلسطينية ان خطاب الرئيس بوش هو اعتراف متأخر وغير مباشر بالخطأ الفادح الذي ارتكبته الإدارات الأميركية المتعاقبة في دعم وحماية أنظمة دكتاتورية قمعية عربية فاسدة لأكثر من ستين عاما... لكن عطوان رأى أيضا، ان إدارة بوش إدارة مجنونة مهزومة ولغت في الدم العربي والإسلامي ولم يكن غريبا أن يضعها الأوروبيون جنبا إلى جنب مع «إسرائيل» كمصدر خطر لتهديد السلام في العالم.
وقد يكون رئيس تحرير «السياسة» الكويتية، أحمد الجارالله، من الإعلاميين القلائل الذين أشادوا بخطاب بوش، فقد اعتبر أن كلام الرئيس الأميركي يعني إعادة تأكيد عدم انسحابه من العراق قبل أن يحقق أهدافه فيه أي إقامة الدولة الديمقراطية النموذج. وذكّر بأن الأهداف الأميركية في العراق هي أهداف سامية وغير الأهداف التي تلوكها ألسنة المتضررين من النجاح الأميركي في العراق... وقال الجارالله: «لن يكون الحديث عن بقاء الأميركيين في العراق لتحقيق الأهداف إلاّ جزءا من الضغوطات الحضارية على كل المنطقة من أجل أن تكون الحرية هي مستقبل شعوبها والديمقراطية هي مستقبل أنظمتها». وختم بالقول «إنه بعد كلام بوش فإن أي كلام آخر عن «الشرق الأوسط» والعراق سيكون كلاما خارجا عن الموضوع»
العدد 431 - الإثنين 10 نوفمبر 2003م الموافق 15 رمضان 1424هـ