هي ليست من أصول الكلمة التي اعتقد العرب قديماً أنها بسبب وجود الجن الذي يوحي بالشعر إلى صاحبه، فجعلوا لكل شاعر كبير جنياً يوحي إليه بالشعر، ولا أن أولئك الجن، كما ظنوا، يسكنون في وادي عبقر؛ بل العبقرية هنا أصولها بحرينية، وعنوانها بحريني بامتياز في بيوت الفقراء، وموقعها في زوايا، وحارات، وأزقة جزر البحرين العتيدة.
هذه الجزر التي بدأ يلف سماءها منذ فبراير 2011 بعض سحب الضباب التي سرعان ما نزلت إلى حاراتها وأزقتها، والممرات الضيقة بين بيوتها، وبعضها آيل للسقوط، بعد منتصف مارس من ذلك العام لتنشر الرعب والخوف، والقلق من الغد.
هذه الجزر التي شهدت لها الأعداء قبل الأصدقاء، بأن أهلها الأصلاء من أنبل الناس، وأبدع الناس، وأصبر الناس على (الضيم والظلايم)، كما يقال في اللهجة العامية.
هذه الجزر تشهد نهاية كل عام ظهور عبقرية من نوع آخر لم يألفه الآخرون من حولنا، رغم تمتعهم بكل سُبل الراحة والاحترام والتقدير والدعم، ومع ذلك لم يحققوا إنجازاً يُفتخر به أو يُشار إليه بالبنان.
ذلك لأن العبقرية هي حصيلة ثلاث خصال أولها: الذكاء، وثانيها الحماسة، وثالثها القدرة على العمل. لكن أن تتركز هذه الخصال وتصبح ظاهرة مستمرة في معظم الأسر البحرينية المكافحة، والصابرة، وسط ذاك الضباب الذي نزل على الأرض منذ مارس 2011 وما زال يلف البيوت كل ليلة وضحاها يخنقها من الوليد إلي الوريد؛ فهذه قمة العبقرية ولا مبالغة في هذا الأمر.
فحتى تبرز العبقرية في إنسان بناءَ على الذكاء الفطري والمكتسب من التربية والعلم، تحتاج، كما أشرنا، إلي حماسة متقدة مغلفة بديمومة لا تنقطع، وقدرة غير طبيعية على العمل الدؤوب وسط ظروف مهيأة لأفضل إنجازات تلك العبقرية.
لكن أن تعمل هذه الثلاثية معاً، في بلادنا، وسط أجواء من القهر والحرمان والضغط النفسي والقلق والإحباط اليومي عند شباب هذه الأسر، وفي محيط غير آمن، خصوصاً في ساعات الليل البهيم بسحب الضباب الصناعي الخانق والمميت أحياناً، ومما لا يساعد على العمل الروتيني اليومي، فكيف بالإنكباب على كتب العلم المدرسي بوعي، وهضمها بشوق، مع ما بها من لقيمات تسبب عسر الهضم، ثم تؤتي أُكلها نهاية كل عام دراسي بأروع النتائج في الشهادات الدراسية العامة؛ فتلك قمة العبقرية التي لا يمكن توصيفها هنا سوى بأنها «معجزة بحرينية بحق».
فماذا ستكون نتيجة هذه المعجزة البحرينية التي حققها بعض طلبتنا الأعزاء وسط أجواء التلبد السياسي، والغموض المستقبلي، والشك المستمر في نوايا ومطالب الفقراء؟ عبر لوحة الشرف التي يجب أن يفخر بها كل بحريني من كل الطوائف.
الإجابة حقاً وفعلاً ستكون بيد من يهمه الأمر، إن يكن، في وزارة التربية والتعليم أو الجهات الحكومية الأخرى والتي هي من واجبها توفير كافة سُبل العيش الكريم، والعمل الصالح الذي يحترم حق وإنسانية الوافد فكيف بالمواطن الأصيل! باحتضان هذه المواهب العبقرية الواعدة واستثمارها في مواقعها الحقيقية المفترضة دون النظر لعرق أو مذهب أو دين. فالبحرين، لو يعلم الكل، أروع استثمار يمكن أن يتحقق بها ويقضي على معظم مشاكلها الاقتصادية والسياسية، هو إنسانها المبدع رغم مطالبه البسيطة في حياة حرة وكريمة.
فبماذا ستكافئ وزارة التربية والتعليم، فلذات الأكباد، الذين حققوا أفضل النتائج، وكأنهم يخلقون العبقرية من رحم المأساة، وهم يقولون تفضلوا هذه نتاجاتنا بقهركم، فأين عطاؤكم رغم قدرتكم؟ وهل ستثبتون أن تغيير مسار منهج البعثات منذ العام 2011 فقط ليس ضدنا بما يشبه وضع العصا في عجلة دراجة علمنا وتحصيلنا عبر سؤال «منكر ونكير» في نسبة بدعة الـ 40%؟
وكيف سيقضي من بيده أمر البعثات والمنح الدراسية، لداخل وخارج البحرين، شهر رمضان الكريم هذا العام، بعد أن يقوم بتوزيع تلك البعثات والمنح حسبما يشتهي ويريد، مع أنها من الدولة وليست من جيبه الخاص، ولا هي منة أو صدقة منه؟ هل سيصوم نهاره ويتعبد قائماً راكعاً ليله لربه في طمأنينة وراحة بال ويتوقع المثوبة على صيام وقيام الشهر الكريم؟ هل سيفتح مجلسه لاستقبال الضيوف المهنئين بدخول الشهر الكريم ببشاشة حقيقية أم مصطنعة؟
في الحقيقة، نتمنى صادقين من كل قلوبنا بأن تحل المساواة في بعثات هذا العام، حتى لا نقول بأننا نكرر للمرة الواحد بعد الألف: اعدلوا، ليغفر الله لكم، وكي لا يحدث عكس ما ندعو له تماماً، وراء الغرف المغلقة للمقابلات الشخصية، دون أن نعلم، بشفافية تامة، ما أسباب حذف اسم فلانة الحاصلة على 98% برغبة الطب من قائمة البعثات الخارجية، وحصولها على دراسة الفندقة! وحصول فلان، غير المتفوق ولا هو ضمن لوحة الشرف وحاصل على 87% فقط، على بعثة فلانة.
إننا لا نطلب ممن بيدهم ملف البعثات أن يكونوا ملائكة، ولا أن يكونوا من الشياطين أيضاً، بل أن يظهروا إنسانيتهم وميلهم صوب الحق فيما يقررون وفقاً للمعدل التراكمي، والحقيقة، والنظرية الرياضية البسيطة التي تقول بأن 1+1= 2، وليس غير ذلك. فمن تفوق بحق وجدارة ونقش اسمه على لوحة الشرف يُكافأ بحسب رغباته هو، لا برغبات عليا تفرض عليه، أو لتعليمات في ليل دامس، وكذلك بحسب المتوافر حقاً وعدلاً وصدقاً من بعثات للجميع؛ ليحصل على هذا الحق البسيط من حقوق المواطنة التي ما فتئ المسئولون في التربية يفاخرون بمناسبة ومن دون مناسبة، بوجود مناهجها بمدارس وجامعات البلد!
للأسف نقر بأن هذا التفوق العلمي في ظل ظروف مستحيلة كالتي يعيشها معظم المتفوقين، لو كانت في بلد آخر يعرف الحق من الباطل، وحقق طلبته مثل هذه المواقع المتقدمة لأقاموا لهم حفلات التكريم والحفاوة، ولأرسلوهم إلى أفضل الجامعات العالمية دون تفرقة مذهبية ولا هم يحزنون، وفي أعلى التخصصات العلمية، فبلدهم في نهاية الأمر هي الرابحة وليس أسرة أو عشيرة أو فئة معينة.
فهل تسمع آذان أهل الوزارة الموقرة ونحن مقبلون على شهر الله، لندعوا لهم بالمغفرة، ونقول: تقبل الله صيامكم وقيامكم؟
إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"العدد 4308 - الإثنين 23 يونيو 2014م الموافق 25 شعبان 1435هـ
ممارسة التجويع و التجهيل
هي عادة الظالم ان يسلب الحقوق و ربما يغدق على غير المستحق و ربما الاجنبي و من لم تطئ قدمها البلد و تمنع المستحق المواطن فقط انه يختلف معه في ارئي و قد يخترعو لنا قوانين تمنع تفوق ابنائنا
مقال رائع
مقال يختصر مصيبة توزيع البعثات في هذا الوطن الجريح ، فالخسارة مضاعفة : الاولى عدم حصول المستحقين للبعثات التي هي حق أصيل من حقوقهم ، والخسارة الثانية حصول غير المستحقين على بعثات زملائهم وإخفاقهم في تكملة دراستهم لعدم مناسبة التخصص لقدراتهم ، وبالتالي فالخاسر الأكبر هو الوطن ،
أبدعت استاذ محمد والله يعطيك العافية ، اسلوب المقال ومضمونه أكثر من رائع .