في ظل بدائية الهيكلة الإدارية في البحرين في فترة الحكم الصفوي، تعاظمت الأدوار التي يقوم بها علماء الدين وخصوصاً في ظل ثقافة دينية سائدة وحاجات مجتمعية لابد من تلبيتها.

بغض النظر عن مستوى الرضا المجتمعي عن الحاكم السياسي، يبقى عالم الدين، خصوصاً في المجتمعات المتدينة، هو المرجع الأول في الكثير من قضايا الدين والحياة. وتبقى مساحة الحركة الخاصة بعالم الدين مؤطرةً بالظروف التي تحيط بهذه البيئة أو تلك. لذلك، وبعد ارتباط البحرين بالدولة الصفوية، وبسبب ارتباط الدولتين بمذهب واحد، توفرت لعالم الدين في البحرين مساحة واسعة من الحراك الذي لازمه نفوذ واسع وأدوار متعددة.

تولى علماء البحرين مسئوليات متعددة لا تقتصر على مجال الدرس الديني، ما سمح باتساع مساحة نفوذهم وبروزهم كقادة مجتمع وليس مجرد علماء دين. واشتهر بعضهم بما كان يعرف «رئاسة البحرين»، أو «رئاسة الإمامية» في البحرين، كما اشتهر البعض الآخر بتولي مسئولية القضاء والأمور الحسبية. طبيعة مثل هذه الأدوار والمسئوليات تجعل من عالم الدين مرجعاً يرجع الناس إليه بحثاً عن حلول وأجوبة لقضايا الفرد والأسرة والمجتمع، خصوصاً في ظل اتساع دائرة اهتمامات العلماء مع قيام الدولة الصفوية التي كانت بمثابة الفضاء المفتوح والحاضن لأدوار مجتمعية بارزة لعلماء الدين.

لم توفر الدولة الصفوية مساحات العمل لعلماء الدين فقط، وإنما وفّرت النموذج الذي من الممكن أن يحتذى به في مساحات جغرافية أخرى. أن يتولى الشيخ الكركي – شيخ الإسلام في الدولة الصفوية – مسئولية المؤسسة الدينية في دولة بحجم إيران بكل كفاءة واقتدار، ويساهم في بلورة شخصية عالم الدين المتصدي لخدمة الدولة والمجتمع، إلى جانب تميّزه العلمي، فإن ذلك يقدم نموذجاً مؤثراً لطبيعة دور عالم الدين في بيئة مشابهة كالبحرين.

عالم الدين في البحرين لم يكن منعزلاً عن مثل هذه المؤثرات بل كان مساهماً في ترسيخها عبر الأدوار التي قام بها في محيطه المحلي.

من العلماء الذين تقلدوا مناصب مهمة كرئاسة الإمامية في البحرين والقضاء وكذلك تولي الأمور الحسبية، يمكن ذكر التالي: الشيخ محمد بن الحسن بن رجب المقابي البحراني، الذي كان فقيهاً وتولى القضاء، ويعتبر أول من صلّى الجمعة في البحرين في عهد الدولة الصفوية.

الشيخ علي بن سليمان بن حسن بن سليمان البحراني القدمي (توفي 1653م/ 1064 هـ): تولى رئاسة الإمامية والأمور الحسبية في البحرين، وعرف بتخصصه في مجال علم الحديث، وقد درسه على يد الشيخ البهائي في إيران، وهو أول من نشره في البحرين.

الشيخ أحمد ابن الشيخ محمد الأصبعي: كان فقيهاً وتولى القضاء.

محمد بن ماجد بن مسعود البحراني الماحوزي (توفي 1693م/ 1105 هـ): كان فقيهاً ومجتهداً، وقد تولى رئاسة الإمامية والأمور الحسبية.

العلامة السيد هاشم ابن السيد سليمان ابن السيد إسماعيل الكتكاني التوبلاني (توفي 1695م/ 1107هـ): تولى رئاسة الإمامية والأمور الحسبية في البحرين، كما مارس القضاء.

الشيخ سليمان ابن الشيخ عبد الله البحراني (توفي في 1709م/ 1121 هـ): تولى رئاسة الإمامية في البحرين.

الشيخ أحمد بن الشيخ إبراهيم بن عصفور (والد الشيخ يوسف البحراني)، (توفي في 1719م/ 1131هـ): كان فقيهاً مجتهداً، وقد تولى رئاسة البحرين.

الشيخ علي بن جعفر بن علي بن سليمان البحراني (حفيد الشيخ علي بن سليمان القدمي): (توفي 1719م/ 1131 هـ): كان فقيهاً وقد تولى الأمور الحسبية.

الشيخ محمد بن سليمان المقابي البحراني (كان حياً في حدود 1659م/ 1070هـ): تولى الأمور الحسبية والقضاء.

الشيخ عبد الله ابن الحاج صالح: تولى رئاسة الإمامية في البحرين.

الشيخ حسين ابن الشيخ محمد بن جعفر الماحوزي البحراني: تولى رئاسة الإمامية في البحرين.

الشيخ أحمد ابن الشيخ عبد الله بن حسن البلادي (توفي في 1725م/ 14 رمضان 1137 هـ): تولى رئاسة الإمامية في البحرين.

الشيخ عبد الله ابن الشيخ علي بن أحمد البلادي: تولى رئاسة الإمامية في البحرين.

مما يمكن ملاحظته أيضاً في فترة الدولة الصفوية، هو كثرة العلماء في البحرين. ومن الممكن التعرف على ذلك من خلال استعراض سريع لعدد علماء البحرين الذين وردت تراجمهم في كتاب «لؤلؤة البحرين» للشيخ يوسف العصفور البحراني على سبيل المثال. فقد استعرض الكتاب تراجم أكثر من 130 عالماً أكثرهم من البحرين والعراق وجبل عامل، وبمقارنة بسيطة لعدد علماء البحرين الذين ورد ذكرهم في الكتاب في فترة قيام الدولة الصفوية، فإنه يفوق بكثيرٍ عدد علماء البحرين الذين ذكرهم الشيخ يوسف قبل هذه الفترة. فالشيخ ميثم بن علي بن ميثم البحراني (المتوفى في 1280م/ 679 هـ)، مثلاً يبدو مميزاً وسط مجموعة من العلماء العراقيين كالسيد عبدالكريم بن طاووس والشيخ نصير الدين الطوسي وغيرهما، وكذلك الحال مع الشيخ أحمد بن المتوج البحراني (المتوفى في 1417م/ 820 هـ). في مقابل ذلك، تبدو البحرين مليئةً بالعلماء والفقهاء في فترة قيام الدولة الصفوية، حسب الكتاب، أي ما بين السادس عشر حتى الثامن عشر الميلادي (القرن العاشر وحتى الثاني عشر الهجري).

من الممكن أن يقال هنا، بأن ذكر الشيخ يوسف للكثير من علماء البحرين بالمقارنة مع الفترات السابقة سببه أن الشيخ يوسف يعتبر من المعاصرين للدولة الصفوية وهو على علمٍ بالكثير من علماء أهل زمانه، ولو عاش في فترةٍ أخرى متقدمة لاحتوى الكتاب على تراجم العديد من علماء البحرين القدماء. وهذا صحيح خصوصاً أن البحرين كانت معروفةً بكونها أحد مراكز التشيع في العالم الإسلامي قبل قيام الدولة الصفوية، ومن الطبيعي أن يكثر فيها العلماء، ولكن ما لا يمكن إنكاره أيضاً هو تأثير قيام هذه الدولة في ازدهار العلم الديني الشيعي الأمر الذي ألقى بظلاله على البحرين دون أدنى شك.

ختاماً، يمكن القول أن الدولة الصفوية ساهمت في إبراز نفوذ عالم الدين سواءً داخل إيران نفسها أو في البحرين التي كانت جزءاً منها. وهو النفوذ الذي لا يمكن تجاهله حتى اليوم في الدولتين معاً.