أظهرت دراسة أعدها مركز البحرين للدراسات والبحوث بتكليف من المؤسسة العامة للشباب والرياضة أن أسباب الشغب الذي وقع ليلة رأس السنة الميلادية في شارع المعارض تعود إلى مجموعة من «العوامل المتكاملة والمتداخلة فيما بينها، فالسلوك اللاسويّ يخفي وراءه أحيانا أشكالا من الصراع والإحباط، ما قد تخفي أيضا نوعا من النقص في الكثير من الحاجات ذات الطبيعة النفسية أو الاجتماعية أو المادية». واستنتجت الدراسة أن المتهمين في الحوادث (20 مراهقا وشابا) «يعيشون أزمة داخلية واضحة... كما أنهم بحاجة إلى التوجيه والإرشاد الواعي الذي يساعدهم على تجنب القراءة والفهم المغلوط لمعاني الحرية والديمقراطية حتى لا يعرقلوا بإدراكهم المشوه مسيرة النماء وتحقيق المشروع المجتمعي المأمول».
وأشارت الدراسة التي أجراها ثلاثة باحثون (أحمد أوزي، العربي بن الفقيه، وأنيسة فخرو) إلى أن المتهمين في الحوادث يعتبرون وزارات التربية والعمل والمؤسسة العامة للشباب والرياضة مقصرة في حقهم.
وتبدو الدراسة جاهزة للنشر منذ أيار/ مايو الماضي وذلك بحسب النسخة التي حصلت عليها «الوسط»، ولا تعرف بعدُ أسباب عدم نشرها وما اذا كان ذلك مرتبطا بالنتائج التي توصلت إليها، والتي تعاكس وجهة نظر جهات رسمية كانت وصفت الحوادث بـ «العمل الإرهابي، والمنظم»، في حين ترى الدراسة أن الأسباب ترجع أساسا إلى «تكوين شخصية الفرد أو إلى الوسط الأسري أو الوسط المدرسي، وإلى العوامل الخارجية أو إلى تفاعل كل هذه العوامل في بعض الحالات».
أهمية الدراسة
تحمل الدراسة عنوان «ظاهرة العنف والعدوانية في سلوك المراهقين والشباب... دراسة نفسية اجتماعية ميدانية». وتكتسب أهميتها من كونها المحاولة العلمية الأولى في البحرين بشأن حوادث العنف التي تكررت على مدى الشهور الماضية، وكان آخرها حوادث الفوضى التي اندلعت احتجاجا على استضافة المغنية اللبنانية نانسي عجرم في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وكان رئيس جهاز الأمن الوطني الشيخ عبدالعزيز بن عطية الله آل خليفة وصف حوادث شارع المعارض بأنها «مفتعلة ومقصودة»، مستدلا على ما أسماه بـ «تسلسل وقوعها وتطورها، فقد توافدت مجموعات من الشباب على شارع المعارض تاركين سياراتهم خارج المنطقة، وشرعوا في إطلاق الألعاب النارية والمفرقعات... بعد ذلك خرجت مجموعات من الشباب على دفعات من الطرقات والممرات الجانبية للشارع وقاموا بقذف الطوب والحجارة على الموجودين والسيارات والمارة...»، كما جاء في البيان الذي قدمه الشيخ عطية الله أمام البرلمان بعد أيام من وقوع حوادث الشغب. وبذلك فإن الدراسة تجدد الجدل الذي عمّ الساحة السياسية والصحافية بشأن أسباب العنف، فبينما رأى البعض أن الأسباب تعود إلى مشكل اجتماعي وثقافي واقتصادي أرجع آخرون ومن بينهم الناشط عبدالله هاشم ما جرى إلى «المواقف التي تكتنز أساسا مشاعر طائفية لدى هؤلاء الشباب». («الوسط» 2 يناير/ كانون الثاني 2003).
ظواهر مقلقة
تبدأ الدراسة بمقدمة كتبها رئيس مجلس أمناء مركز الدراسات البحوث محمد الغتم يعتبر فيها حوادث رأس السنة الميلادية «نموذجا مقلقا للظواهر السلبية التي يفرزها عدم وجود سياسة اجتماعية واضحة وملزمة».
تتكون الدراسة من جانبين: نظري وميداني. في الجانب النظري تتحدث عن المراهقين والشباب: عالمهم النفسي، الأبعاد النفسية والاجتماعية لشخصيتهم، وروح المغامرة عندهم، خصائص وسمات شخصية الشاب الجانح، وتأثير وسائل الإعلام...
وفي الجانب الميداني اشتغلت الدراسة بتحليل مضمون ردود فعل صحيفتي «الوسط» و«أخبار الخليج» على الحوادث. وطبقت استبانات، واختبار «تفهم المشروع»، وأجرت مقابلات مع الذين تم توقفيهم على ذمة التحقيق في القضية (العينة التجريبية)، وعددهم نحو 20 مراهقا وشابا، أعمارهم بين 16 و26 عاما، أربعة منهم دون 18 سنة. وطُبقت الأدوات البحثية في شهر مارس/ آذار 2003 أي بعد نحو شهرين من وقوع الحوادث، «في مكان مناسب، ساعد على توفير الظروف الملائمة لإجراء الاختبارات، وكان ذلك في قاعة خاصة بمقر وزارة الداخلية». (طبقت الأدوات نفسها على عينة ضابطة، لم تشارك في الحوادث، ولم تعتقل على إثرها، بلغ عددها 40 شابا ومراهقا من المدارس الثانوية، بهدف المقارنة بين مرتكبي الشغب وغيرهم من الشباب في النواحي التي يتركز البحث فيها).
وبحسب الباحثين، فإن الهدف من هذه الاختبارات هو التعرف على الوضع الثقافي والاجتماعي والاقتصادي للعينة، ومشاعرهم نحو ذواتهم، ومواقفهم واتجاهاتهم نحو المؤسسات التربوية والتعليمية وأطرها وبرامجها. ومحاولة تحديد الدوافع الكامنة وراء لجوء العينة التجريبية (المتهمين في الحوادث) إلى العنف والتخريب، ومعرفة الجهات المقصرة في رعايتهم وتوجيههم.
المتهمون: واقع الحال
يظهر البحث أن 19 من المتهمين في الحوادث يحملون الجنسية البحرينية، وواحد عماني. وبشأن المستوى الدراسي يشير البحث إلى أن المجموعة تضم أميا واحدا، 5 في مستوى التعليم الابتدائي، 5 في مستوى التعليم الإعدادي، و6 في مستوى التعليم الثانوي، و4 في مستوى الدراسة الجامعية.
أما أعمالهم فهي كالآتي: 8 طلاب، واحد عامل وطالب، 5 عاطلون عن العمل، و8 في وظيفة عامل، «يشتغلون في أعمال بسيطة لا تحتاج إلى تأهيل يذكر»، وصرح أحد أفراد العينة بأن أجره «لا يتجاوز 30 دينارا شهريا».
وأوضحت الدراسة أن هناك «تباينا ملحوظا» في المستوى الثقافي للآباء وأمهات المفحوصين، فغالبية الآباء لا يتجاوز مستوى تعليمهم الثانوي (55 في المئة)، والحال نفسه بالنسبة الى المستوى الثقافي للأمهات: 25 في المئة أميات، 35 في المئة لا يتجاوز مستواهن التعليم الثانوي.
ويعكس الوضع الثقافي المتواضع حالا متردية لمهن ووظائف الأبوين: 3 من المتهمين توفى آباؤهم، وثلاثة تقاعد آباؤهم، و5 يشتغل آباؤهم في أعمال حرفية بسيطة، و8 موظفون في وظائف بسيطة.
أما أمهات المتهمين في حوادث رأس السنة في شارع المعارض فإن غالبيتهن ربات بيوت (80 في المئة)، واثنتين منهن تعملان (فراشتين) في المدارس، وواحدة من الأمهات تعمل مدرّسة.
يعيش المتهمون ضمن أسر تضم عددا من الأبناء يتراوح بين 3 و10 أفراد، أي بمعدل 6,5 اطفال لكل أسرة. وتخلص الدراسة إلى القول: «بالنظر إلى مستوى دخل أسرهم (المتهمين في الحوادث) ونوع وظائف آبائهم وأمهاتهم نستطيع أن نكوّن فكرة واضحة عن أوضاعهم المعيشية المتردية».
في المقابل يتضح أن «أكثر من نصف أفراد العينة الضابطة التي تم اختيار أفرادها عينتها من المدارس، ولم تشارك في تلك الحوادث، ولم يتم ضبطهم فيها، يتمتع آبائهم بمستوى تعليمي جامعي مهم (57,5 في المئة)، ما يفترض من دون شك وجود علاقة بين المستوى الثقافي للأبوين ومستوى الرعاية التربية للأبناء». إلى ذلك فإن معظم «وظائف ومهن آباء وأمهات أفراد العينة الضابطة ترتبط بمجالات اجتماعية واقتصادية أساسية في المجتمع. وتتطلب تكوينا علميا ومعرفيا كبيرا، وتدر عليهم بالتالي دخلا مهما».
الملامح الشخصية
استخدمت الدراسة لجمع المعلومات اختبار «تفهم الموضوع»، وأدوات بحثية أخرى، بهدف «استخلاص أبعاد شخصية المفحوصين في جوانبها الذاتية والموضوعية، لاستكمال الصورة المساعدة على رسم الملامح الرئيسية لشخصيتهم، بشكل يساعد على فهم أبعاد سلوكهم وتصرفاتهم اللاتوافقية كما عبروا عن ذلك في حوادث الشغب بشارع المعارض ليلة رأس السنة الميلادية».
وتحت عنوان فرعي «قدرات الذات ومدى كفاءتها»، تستنتج الدراسة أنه لا توجد سوى نسبة قليلة من أفراد العينة أظهرت بعض الاستعدادات والقدرات تجعلها تثق في إمكاناتها، وتتغلب على المشكلات، وتواصل طريقها غير عابئة بالمصاعب. وبعض المفحوصين (المتهمين) «لا يظهرون جهدهم وطاقتهم إلا بعد إرغامهم على العمل، وبذل الجهد». كما تشير بعض الاستجابات إلى وجود نسبة من المفحوصين «فاقدة للأمل في المستقبل، استسلمت للأسى والحزن الذي يعصر قلبها»... الأمر الذي يؤدي إلى لجوء البعض الى تلبية حاجاته للاستسلام لأحلام اليقظة، عوض المبادرة ومواجهة الصعاب.
وتتخلل استجابات أفراد العينة التجريبية (المتهمين) - بحسب نتائج اختبار تفهم الموضوع - عبارات تفيد بأنهم يعانون من الفقر ويشعرون بالإحباط، كما تظهر النزعة إلى العنف في سلوكهم بشكل كبير ومتواتر، جعلت قصصهم مليئة بحوادث السرقة والاغتصاب والخيانة. «إلى درجة أنهم لم يسقطوا هذه المشاعر على البطاقات الخاصة بذلك فحسب، وإنما أسقطوا هذه المشاعر على معظم بطاقات الاختبار، وكانت نسبة هذا السلوك اللاتوافقي في استجاباتهم يمثل 60 في المئة تقريبا».
وتظهر الاستجابات أن الرفاق يؤثرون في سلوك الشباب بشكل كبير، وأن المسجد والمأتم يقومان بالدور التأثيري نفسه في السلوك، كما يعتبر 50 في المئة من المفحوصين أن البرامج التلفزيونية والأفلام عنصران مؤثران في السلوك، ويعتبر 40 في المئة الممثلين عناصر مؤثرة في السلوك
العدد 429 - السبت 08 نوفمبر 2003م الموافق 13 رمضان 1424هـ