إن ما قامت به الـ «بي بي سي» بعرض فيلم مصور لمجموعة من الشرطة البريطانية وهم يتلفظون بعبارات عنصرية نابية ضد بعض فئات الشعب البريطاني بسبب لونهم أو عرقهم، دفع بعض أفراد جهاز الشرطة للاستقالة وبعضهم الآخر للاحتجاج وعلى رأسهم وزير الداخلية البريطاني نفسه.
لكن هذا الحدث الاعلامي - لاحظوا الاعلامي - الذي شاهده معظم الشعب البريطاني، لم يدفع الحكومة البريطانية - وهيئة الـ «بي بي سي» تعمل في أرضها وضمن نطاقها - إلى أن تكيل الاتهامات لها بالخيانة الوطنية والسعي إلى تفكيك أواصر المجتمع ووحدته أو زرع بذور الفتنة بين فئاته وتضخيم الحدث لينال من الديمقراطية العريقة على شاكلة مسلسل المؤامرة الذي يعرض سنويا على شاشات الدول العربية عند كل حدث مثل هذا... وغيرها من قوائم الاتهامات التي يزخر بها القاموس السياسي العربي الشعبي قبل الرسمي، وذلك بسبب قرون من التحريف واللعب بالعقل السياسي الجمعي للشعب العربي.
لم يحدث كل هذا ولا ربع منه في موقف الحكومة البريطانية من ذلك الفيلم، بل ان تتمة الخبر تقول إن الحكومة كلفت وزير الداخلية شخصيا بفتح تحقيق عنما جاء في ذلك الفيلم الذي صور بشكل سري وذكي من دون علم افراد الشرطة المصورين... بل والأدهى من ذلك أن وزير الداخلية البريطاني على رغم انتقاده للهيئة فإنه اعترف وبكل صراحة وشفافية - لاحظوا معنى الشفافية هنا - بأن المعلومات الواردة في الفيلم كانت «مذهلة»، ولم يقل إنها كانت «مؤامرة» مدبرة ضد وزارته أو ضد الحكومة وبالتالي لا يحق للذين قاموا بهذا العمل الحياة على وجه الأرض.
هكذا يتعاملون هناك مع الرأي الآخر بكل احترام وتقدير حتى ولو كان يخالفهم بل ويسبب لهم حرجا عميقا أو فضحا لسياسة معينة أو لأداء معين لأية حكومة أو فرد بها.
فأين نحن هنا في البحرين من مثل هذا الحدث، إن كنا فعلا نود حث المسير في درب حركة الاصلاح والديمقراطية؟ أين ننحن مما حدث بعد حادث سترة الذي يحوم الشك حول من قام به؟ وما هي نتائج التحقيقات بشأنه، وما حدث في ندوة التمييز في نادي العروبة ما جعله يعيد حساباته في استضافة بقية الندوات العالقة ومنها الساخنة كندوة التجنيس الثانية واخيرا، وليس آخرا، ما حدث فيما اصطلح عليه شعبيا بقضية نانسي أو أمسية عجرم!
طبيعي أن يكون لكل فعل ردة فعل مساوية له أو أعلى منه أو حتى أقل، ولكنها لابد أن تقع وان لم تحدث تلك الردة فهذا يعني أن هذا الجسد أو الشيء جماد لا احساس لديه. فهل هناك من يريد أن يفهم ويتعلم من درس الـ «بي بي سي» والحكومة البريطانية شيئا بعد غياب 25 عاما عن الساحة؟ هل هناك من يرغب في الحفاظ على بذور الديمقراطية الوليدة في مملكتنا وتطويرها من خلال مزيد من القبول بالشفافية - على طريقة وزير الداخلية البريطاني - وليس العكس، بفتح الابواب والقلوب والعقول أم أن وخز الابر البحرينية وليس الصينية البسيط يقض مضاجع هؤلاء ويسلب النوم من جفونهم. البحرين - محمد السلمان
إقرأ أيضا لـ "محمد سلمان"العدد 429 - السبت 08 نوفمبر 2003م الموافق 13 رمضان 1424هـ