نستكمل اليوم قراءة قانون الحماية من العنف الأسري، حيث ينص مشروع القانون في مواده على إدارة تسمى «إدارة الإرشاد الأسري»، تعمل على تقديم خدمات الإرشاد والتوعية في مجال العنف الأسري، يتبعها عدد من مراكز أو مكاتب الإرشاد الأسري، ويصدر الوزير الأحكام والقرارات التي تنظم شروط تراخيص هذه المراكز، وحظر إنشاء أي مراكز ومكاتب للإرشاد الأسري على أي شخص طبيعي أو اعتباري، إلا بعد الحصول على ترخيص من الوزارة، وفق الاشتراطات والإجراءات التي يصدر بها قرار من الوزير.
وينص مشروع القانون على أن تعمل وزارة التنمية الاجتماعية على تقديم الخدمات واتخاذ التدابير للحد من العنف الأسري، بالتعاون والتنسيق مع كافة المؤسسات الرسمية، كل حسب اختصاصه، من بينها توفير دور الإيواء للمعتدى عليه في جرائم العنف الأسري. لكن تجدر الملاحظة هنا إلى قصر هذه التدابير على التعاون والتنسيق مع المؤسسات الرسمية دون مؤسسات المجتمع المدني، ولم ينص على أية إجراءات تتعلق بدور الإيواء كما فعل مع مراكز الإرشاد الأسرى أو وضعية دور الإيواء الموجودة حالياً كدار الأمان مثلاً.
وينص القانون على أن لكل معتدى عليه من العنف الأسري أو أي فرد من أفراد الأسرة حق التقدم ببلاغ عن واقعة العنف الأسري. كما ينص على أنه يتوجب على كل من علم بواقعة عنف أسري بحكم عمله، أو مهنته الطبية أو التعليمية، تبليغ النيابة العامة أو مراكز الشرطة بما علم عنها. غير أنه يُلاحظ أن مشروع القانون رغم أنه أوجب على هؤلاء التبليغ لكنه لم يضع أي جزاء على من يتقاعس عن التبليغ .
وينص المشروع على أنه يجب على النيابة العامة أو مراكز الشرطة تلقي البلاغات والشكاوى المتعلقة بالعنف، والحفاظ على ضمان حماية المبلّغ عن واقعة العنف الأسري، وذلك بعدم الإفصاح عن اسمه وهويته إلا إذا تطلبت الإجراءات القضائية غير ذلك. والاستماع إلى الأطراف والشهود، بما في ذلك الأطفال في غرف منفصلة ملائمة، وإتاحة الفرصة لكل منهم للإدلاء بأقوالهم بحرية وسرية. والحفاظ على السرية في جميع الاتصالات والمراسلات والإجراءات المتعلقة بقضايا العنف الأسري.
وأوجب المشروع على مراكز الشرطة عند تلقي البلاغ نقل المعتدى عليه إلى أقرب مستشفى أو مركز صحي للعلاج عند الاقتضاء. غير أنه يلاحظ أن مشروع القانون قصر هذا النقل على مراكز الشرطة دون النيابة العامة. كما نص على أنه بناءً على أمر صادر من النيابة العامة يتم نقل المعتدى عليه إلى إحدى دور الإيواء التابعة للوزارة في حالات العنف الأسري وخصوصاً الأطفال وبالسرعة الممكنة. تجدر الإشارة هنا إلى أن مفردة (وبالسرعة الممكنة) هي مفردة غير قانونية لا تستخدم في صياغة النصوص التشريعية، وكان الأفضل استخدام مفردة (وبصفة مستعجلة) أو (على وجه الاستعجال) بدلاً منها.
وأجاز مشروع القانون للنيابة أن تصدر قراراً مؤقتاً مسبباً بنقل المعتدى عليه خارج أسرته لحمايته، على أن يتم عرضه على المحكمة الصغرى الجنائية إذا كان قاصراً أو عديم الأهلية، خلال أسبوعين لتحديد الشخص الذي سوف يتولى رعايته سواء بشكل مؤقت أو دائم، غير أنه يلاحظ على هذا النص أنه لم يحدد متى تبدأ مدة سريان الأسبوعين لعرض القاصر أو عديم الأهلية، كما أن هذه المدة طويلة نسبياً ولا تحقق الحماية اللازمة، كما لم يحدد النص للمحكمة مدة للفصل في تحديد الشخص الذي يتولى الرعاية.
وأوجبت المادة (14) من مشروع القانون على النيابة العامة عند تلقي بلاغ بشأن العنف الأسري، أن تحرّر محضراً يتضمن البيانات التالية: ساعة وتاريخ ومكان تلقي البلاغ، واسم المُبلغ وبياناته الشخصية، وتوقيت بدء وانتهاء التحقيق، ونوع العنف المرتكب بحق المعتدى عليه والأداة المستخدمة إن وجدت. وبيان تعرض الأطفال للعنف ووقوعه أمامهم أو امتداده إليهم، وأية بيانات أخرى تفيد ظروف وقوع العنف وأسبابه ونتائجه، وأية وثائق ذات صلة أو يرغب المعتدى عليه في إرفاقها. وأية إجراءات حماية متخذة عند تلقي البلاغ. غير أنه يلاحظ هنا أن ذلك أقتصر على النيابة دون مراكز الشرطة خصوصاً أن مشروع القانون شمل هذه المراكز في تلقى بلاغات العنف الأسري إلى جانب النيابة.
أمر للحماية
أعطت المادة (15) من مشروع القانون النيابة العامة صلاحية إصدار أمر حماية من تلقاء نفسها أو بناء على طلب من المعتدى عليه، يلزم المعتدي بما يلي:
-عدم التعرض للمعتدى عليه، وعدم الاقتراب من أماكن الحماية أو أي مكان يذكر في أمر الحماية.
-عدم الإضرار بالممتلكات الشخصية للمعتدى عليه أو أي من أفراد الأسرة.
-تمكين المعتدى عليه أو من يفوضه من استلام متعلقاته الشخصية الضرورية.
ويجب ألا يزيد أمر الحماية عن شهر، ويجوز تجديد أمر الحماية بأمر من المحكمة الصغرى الجنائية على ألا تتجاوز مدة الحماية ثلاثة أشهر وذلك في حالة انتهاكه أو خرقه من المعتدي.
ولأي من طرفي النزاع التظلم من أمر الحماية خلال سبعة أيام من تاريخ إعلانه إليه بطلب إلغائه أو تعديله، ويكون التظلم أمام المحكمة الصغرى الجنائية بشأن الأمر الصادر من النيابة العامة، أما إذا صدر الأمر من المحكمة الصغرى الجنائية فيكون التظلم أمام المحكمة الكبرى الجنائية بصفتها الاستئنافية.
وأجازت المادة (20) من مشروع القانون للمعتدى عليه أو وكيله أن يتنازل في جرائم العنف الأسري عن الشكوى في أي حالة كانت عليها الدعوى، وتنقضي الدعوى الجنائية بالتنازل. غير أنه كان الأجدر بمشروع القانون أن يستخدم مفردة الصلح في الشكوى بدلاً من التنازل عنها، وأن يكون هذا الصلح ضمن شروط معينة يتفق عليها المعتدى عليه مع المعتدي، وتكون خاضعةً لرقابة إدارة الإرشاد الأسري، وتنقضي الدعوى الجنائية بهذا الصلح، وذلك خشية أن يتعرض المعتدى عليه لإكراه مادي ومعنوي لإجباره على التنازل دون أن تتحقق الغاية التي سُنّ من أجلها مشروع القانون وهو الحماية، وحتى لا يفلت المعتدي من العقاب على جرم ارتكبه.
عقوبة مخالفة أمر الحماية والإيذاء
نصت المادة (16) على عقوبة الحبس مدة لا تزيد على شهر وبغرامة لا تزيد على مئة دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين لمن يخالف أمر الحماية، وشددت المادة (17) العقوبة إلى الحبس مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر وبغرامة لا تزيد على مئتي دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين، إذ اقترنت المخالفة لأمر الحماية باستخدام العنف تجاه أي من المشمولين بأحكام هذا القانون.
وكانت المادة (المستحدثة) الثامنة عشرة تنص على معاقبة كل من ارتكب إيذاءً جسدياً أو جنسياً بالحبس مدةً لا تزيد على خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن خمسمئة دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين، ومعاقبة كل من ارتكب فعلاً أدى إلى إيذاء نفسي بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن مئة دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين.
لكن البادي أن هذه المادة قد تم تعديلها حين أقر مجلس الشورى إضافة الإيذاء الاقتصادي، فنصت على انه «مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد ينص عليها قانون العقوبات أو أي قانون آخر: يعاقب بالحبس والغرامة التي لا تجاوز 500 دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من ارتكب إيذاءً جسدياً أو جنسياً، ويعاقب بغرامة لا تقل عن 100 دينار كل من ارتكب فعلاً أدى إلى إيذاء نفسي أو اقتصادي».
ويلاحظ على هذا التعديل أنه لم يحدّد مدة عقوبة الحبس في حالة الإيذاء الجسدي والجنسي كما في النص قبل التعديل، الذي حدّد سقفاً لعقوبة الحبس في الإيذاء الجسدي والجنسي بأن لا تزيد على خمس سنوات، بل ترك مدة عقوبة الحبس لتقدير القاضي، غير أن هذا التعديل لم يكن موفقاً بجعل عقوبة من ارتكب فعلاً أدى إلى إيذاء نفسي أو اقتصادي بغرامة 100 دينار فقط ودون عقوبة الحبس، خلافاً للنصّ الأصلي قبل التعديل الذي نصّ إلى جانب الغرامة على الحبس مدةً لا تزيد على ستة أشهر، وكان الأجدر بهذا التعديل أن يبقي على ذات عقوبة الحبس، بل كان عليه أن يزيد من عقوبة الغرامة بشكل يتناسب مع درجة الإيذاء النفسي والاقتصادي.
ولعل ما أثارته عضو الشورى لولوة العوضي من تحفظ على نص هذا التعديل جاء صحيحاً وفي محله، حين تساءلت «لماذا نربط الإيذاء النفسي بالغرامة من دون الحبس؟ الإيذاء النفسي أحياناً أشد وباءً من الأذى الجسدي، ووصلت حالات الإيذاء النفسي للاكتئاب أو الانفصام في الشخصية، وحتى حالات الانتحار بسبب الإيذاء النفسي». (انظر صحيفة «الوسط» البحرينية، العدد 4259 - الثلثاء 6 مايو 2014).
ونصّت المادة (19) على الحبس وبغرامة لا تقل عن مئتي دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من أنشأ مركزاً أو مكتب إرشاد أسري من دون الحصول على ترخيص بذلك، أو واصل نشاط مركز مرخّص له بعد صدور قرار إداري بإلغاء الترخيص أو إغلاق المركز مؤقتاً.
الخاتمة
إننا نقدر الجهود التي بذلتها لجنة شئون المرأة والطفل بمجلس الشورى فيما قامت بها من تعديل وصياغة على مواد مشروع القانون بالحذف أو الإضافة، غير أن وقتاً طويلاً أخذه هذا المشروع، أي أكثر من ست سنوات منذ صياغته في مشروع قانون من قبل الحكومة في 2007، وهو الأمر الذي جعل خبيرات السيداو يتساءلن عند مناقشة التقرير الثالث لمملكة البحرين حول اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة في فبراير/ شباط 2014، عن سبب تعطل هذا القانون، وهو يكشف عن عيب في الطريقة التي نص عليها الدستور في إقرار القوانين من قبل المجلسين، بل إن إقراره كقانون نافذ سيتأخر وذلك بالنظر إلى الأحكام التي نص عليها الدستور في الفرع الثالث المتعلقة بالأحكام المشتركة للمجلسين.
إقرأ أيضا لـ "حسن علي اسماعيل"العدد 4279 - الأحد 25 مايو 2014م الموافق 26 رجب 1435هـ