بعد انطلاقة الثورة التونسية وبعدها الثورة المصرية، بدأ بعض الشباب البحريني وعبر شبكات التواصل الاجتماعي بالإعلان عن تحركهم في الرابع عشر من فبراير/ شباط 2011، وهو اليوم الذي صدر فيه دستور 2002، حيث اعتبرته القوى المعارضة بأنه صدر بإرادة منفردة وخالف جوهره ميثاق العمل الوطني الذي صوّت عليه الشعب بنسبة 98 في المئة، والذي أكد على أن البحرين سوف تسير ضمن الملكية الدستورية على غرار دول الديمقراطيات الملكية العريقة.
وتمكن هؤلاء الشباب من الاعتصام في دوار «اللؤلؤة» تأثراً بشباب مصر الذين اعتصموا في ميدان التحرير، بيد أن النظام لم يسمح لهذه الاعتصامات والمسيرات الضخمة بالاستمرار حيث أعلن حالة السلامة الوطنية (حالة الطوارئ)، واتخذت إجراءات وجرت انتهاكات كبيرة لحقوق الإنسان، فيما اعتبر انتقاماً جماعياً على أهالي القرى، وفصل آلاف الموظفين والعمال عن أعمالهم، وهو ما تم توثيقه في تقرير بسيوني.
في ظل هذه الأحداث وما بعدها ولغاية الآن، برزت مجموعة من المخاطر الاجتماعية الكبيرة وأهمها:
اشتداد وتيرة الاحتقان الطائفي: حيث نفذ الإعلام حملات ممنهجة لتشويه مطالب المعارضة والمحتجين، والتي كانت تتركز على إصلاح النظام السياسي عبر تحقيق الملكية الدستورية الحقيقية، واستغل النظام بعض الشعارات المتطرفة التي رفعتها بعض الحركات المعارضة المتطرفة كإسقاط النظام والتغيير من أجل الجمهورية، من أجل تحريف جوهر الصراع إلى صراع طائفي (شيعي ـ سني)، وأن هذه الاحتجاجات مؤامرة إيرانية لسيطرة الشيعة على الحكم واستبداله إلى حكم ولاية الفقيه. وتأثر قطاع واسع من أبناء البحرين من الطائفة السنية بهذه التعبئة الإعلامية التي ساندتها حركات إسلامية أصولية ومن الإخوان المسلمين، وكانت البحرين في تلك المرحلة قاب قوسين أو أدنى من اندلاع حرب أهلية طائفية لولا حكمة المعارضة الوطنية التي لم تنجر وراء هذه الفتنة، وأصرت على مطالبها الإصلاحية وبأساليب سلمية، وإعلانها الرفض التام لجميع أعمال العنف والتخريب، حيث أصدرت وثيقتين مهمتين: الأولى «وثيقة المنامة» التي أوضحت فيها مطالبها الديمقراطية والحقوقية، والثانية «ميثاق اللاعنف» الذي رفضت فيه كل أعمال العنف.
ورغم انتهاء حالة السلامة الوطنية، وتشكيل لجنة دولية لتقصي الحقائق التي أصدرت تقريرها المعروف بتوصياته التي أدانت ممارسات الحكم وانتهاكاته لحقوق الإنسان، ورغم التزام الحكم أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بتنفيذ أكثر من 150 توصية حقوقية، إلا أنه لايزال يمارس انتهاكات ومنعاً للحريات العامة، ولايزال يسمح للإعلام الموالي بتشويه مطالب المعارضة واعتبارها طائفية وخائنة ومرتبطة بأجندات خارجية، الأمر الذي يخلق المزيد من الإصطفافات الطائفية وفقدان الثقة بين أبناء الشعب الواحد.
إضعاف الطبقة الوسطى: كان أحد أهم أسباب تلك الاحتجاجات استمرار الأزمات الاقتصادية والمعيشية واستفحالها، وعدم القدرة على تنفيذ حلول اقتصادية جذرية قادرة على تحقيق استقرار وتنمية مستدامة، وتحسين ملموس لمستويات الحياة والمعيشة، وذلك بسبب الفساد الكبير والاستحواذ على الأراضي والسواحل العامة لصالح كبار المتنفذين وغياب الشفافية؛ الأمر الذي أدى إلى زيادة الثراء لقلةٍ في مقابل زيادة الفقر لكثرةٍ من أبناء الشعب، ما أدّى إلى تغيير في الهيكل الطبقي للمجتمع من شكل «المعيّن» حيث كانت الطبقة الوسطى هي الغالبة، ووجود تعادل نسبي بين الطبقة الغنية والطبقة الفقيرة، إلى «مثلث» طبقي أصبحت القلة على رأس الهرم وكثرة من الشعب في قاع الهرم، وتآكل في الطبقة الوسطى.
إن خطورة فشل السياسات الاقتصادية الهادفة إلى تحسين مستويات المعيشة للطبقات الفقيرة ومادون الوسطى، وتمكينها لتحقيق قفزات نحو الصعود للطبقة الوسطى، ومحاربة الفساد ومعاقبة المفسدين وحماية المال العام من أجل تحقيق تقليل للأقلية المستحوذة على الثروة وهبوط نسبة منها للطبقة الوسطى وصعود نسبة من الأخيرة للطبقة الغنية، بحيث تتم إعادة الشكل المعين للهيكل الطبقي للمجتمع.
إن خطورة استمرار هذا الوضع الطبقي تتمثل في زيادة مظاهر التطرف والعنف واستفحال المخاطر الاجتماعية، حيث أن تقوية الطبقة الوسطى وتوسيع مساحتها هي صمام الأمان للاستقرار والوسطية في التفكير والممارسات والتسامح والقبول بالتنوع والتعددية.
تضرر شرائح اجتماعية: في المراحل السابقة من المطالبات الشعبية، وبالأخص بعد مرحلة الاستقلال في بداية السبعينيات، مروراً بالاحتجاجات الشعبية في الثمانينيات التي قادتها حركات إسلامية شيعية وذلك بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، وانتهاء بالاحتجاجات الشعبية في التسعينيات التي قادتها لجنة العريضة الشعبية المكوّنة من تيارات قومية ويسارية وإسلامية، كانت تلك الاحتجاجات محصورةً في نطاق الشرائح والطبقات الاجتماعية الفقيرة ومادون المتوسطة وبعض شرائح الطبقة المتوسطة، وكانت معظم الشرائح الاجتماعية المقتدرة محايدةً في الحراك الميداني، وإن كانت متعاطفةً سياسياً مع المطالب الشعبية.
التطور النوعي الذي تحقق في الحراك الشعبي ما بعد 14 فبراير 2011، هو انضمام شرائح اجتماعية للاحتجاج الميداني اليومي وإعلانها الصريح معارضتها لسياسات النظام، وذلك بسبب الأضرار الكبيرة التي لحقت بها، حيث تم فصل عشرات الأطباء والممرضين وأساتذة الجامعات والمعلمين والموظفين والعمال والرياضيين والاعلاميين والطلبة، واعتقال الكثير منهم وممارسة التعذيب الجسدي والنفسي بحقهم، واستشهاد بعضهم في السجون والبعض الآخر برصاص الشوزن في المسيرات والاحتجاجات أو جراء الاستخدام المفرط للقوة وقنابل مسيلات الدموع.
إن تضرر هذه الشرائح المتعلمة والمقتدرة أدى إلى تراجع واضح في جودة الخدمات التعليمية والصحية والإنتاجية، ومساساً بالثروة البشرية الكفوءة وذات الخبرات الكبيرة في مهنها.
إضعاف مؤسسات المجتمع المدني والسيطرة عليها: من أهم المخاطر المجتمعية التي برزت بعد حراك فبراير 2011، سعي النظام للسيطرة على بعض الجمعيات المهنية ذات الثقل، كجمعيتي الأطباء والمحامين، وتضييق الخناق على الجمعيات الحقوقية، والعمل على إضعاف الحركة النقابية من خلال تشكيل نقابات عديدة في المنشأة الواحدة وإتحاد عمالي آخر لمواجهة الإتحاد العام لنقابات عمال البحرين، والاستحواذ على «أسرة الأدباء والكتاب»، ومضايقة جمعية الشفافية، وتشكيل عدد من منظمات «الغونغو»، الأمر الذي أدى إلى إضعاف دور مؤسسات المجتمع المدني، وبالتالي إضعاف مبدأ الشراكة بين أطراف المجتمع، وهو المبدأ الأساسي لأي تنمية اجتماعية منشودة.
التمييز الطائفي والتجنيس السياسي: حيث لاتزال طائفة كاملة غير مسموح لها بالانخراط في الأجهزة الأمنية، ولايزال التمييز ملموساً في التوظيف والترقيات والمناصب العليا في الدولة. وما زاد الطين بلة، تنفيذ سياسة التجنيس السياسي دون معايير قانونية صحيحة بهدف التغيير الديمغرافي للسكان، دون استيعاب خطورة مثل هذه السياسة على كل أبناء الشعب بطوائفه وإثنياته وتنوعه، حيث مؤشرات تكوين طائفة ثالثة بدأت تظهر من خلال تجمعات ومشاريع خاصة بالمتجنسين، ومنافستهم للمستحقين من أبناء البلاد للوظائف والخدمات الإسكانية.
التجنيس وضياع الهوية
إن التاريخ والذاكرة والثقافة الحضارية والتراث الشعبي للمجتمع البحريني، في الأدب والفن والفكر والعادات والتقاليد والدين، هو ما يمثل هويته العربية والإسلامية، والتي توطدت في مستوياتها العميقة على مدى طويل من الزمن، ومن التفاعلات الاجتماعية والثقافية والدينية، ولكن هذه الهوية تتعرض وبوتيرة متسارعة للتشويه، وللمحو والاستبدال، بفعل عمليات التجنيس السياسي الفوضوية، فإغراق البلاد بأعراق متباينة الثقافات والهويات وأكثرهم من غير المتعلمين، ينذر بأخطار جمة على الهوية الاجتماعية والثقافية والقيمية، وستُصاب الثقافة من خلال هذا النوع من التجنيس بانكسارات واختلالات عميقة، وهذا ما برزت إرهاصاته جلية في الاصطفافات العرقية الطائفية، وأصبح الوطن مجرد غنيمةٍ تستلزم الصراع الوجودي العنيف للحصول عليها وتقاسمها، حيث لاحظنا انشطار الوطن طائفياً وعرقياً وثقافياً، مما أباح للفكر الطائفي المظلم أن يستغرق من أغواره، ويتصارع بها وعليها.
مع إننا نؤمن إيماناً راسخاً بأهمية التنوع والتعدد الإثني والديني والطائفي والثقافي والفكري والسياسي، لما يمثله هذا التنوع من غنى للمجتمع ونموه وتطوره، شريطة أن يتماشى هذا التنوع مع حاجات الوطن ومتطلباته، ويكون متوافقاً مع القانون ومبادئ حقوق الإنسان، ولا يكون مفروضاً بأشكال قسرية وقرارات فردية ولأهداف سياسية وأمنية ضيقة.
إقرأ أيضا لـ "عبدالله جناحي"العدد 4274 - الثلثاء 20 مايو 2014م الموافق 21 رجب 1435هـ
الحل.
بارك الله فيك ..لقد وصفت الوضع البحريني بدقة ..من المشكلة وهي ممارسات الحكومة الخاطئة المجحفة في حق الشعب الى النتيجة التي وصل اليها هذا الشعب المظلوم واشرت الى العلاج ..والعلاج هو العدل ..فالحكومات العادلة او شبه العادلة اي نسبية في عدالتها حتى وان كانت وراثية لم تحصل فيها ثورات ..فالثورات كلها اتت بسبب الظلم وعدم او قلة العدالة .
بعض الحركات مايسمى الإسلامية
لو تآملت ماتفعله الاحزاب الإسلامية مثل ليبيا وتونس وسوريا ومصر لتأكدت إنهم شوهو الربيع العربي لانهم يستخدمون القتل لكل من لايتفق معهم وخير دليل قتال الاحزاب بعضهم بعض والإعتداء حتى على النساء والاطفال بي ابشع الجرائم .