باتت الراديكالية والتطرف أداة أكثر انتشاراً وأمضى سلاحاً سياسيّاً في أيدي كثير من الأنظمة والقوى السياسية المتناحرة. وتزداد خطورة هذه الأداة من كونها ترتدي ثوباً دينيّاً يضفي عليها هالة من القدسية قادرة على تسخير الأتباع للإتيان بما يتناقض وتعليمات كل الأديان السمحة كما هو حاصل الآن في أكثر من بقعة تلوثت بظاهرة الإرهاب والتطرف.
يهدف هذا المقال إلى تسليط الضوء على مخاطر تسخير التطرف الديني لخدمة أهداف وأجندات سياسية، التي ما أن ينجلي غبارها حتى يبتلي رعاتها بتركة ثقيلة تفوق عملية إزالتها تكاليف تأسيسها. وللتدليل على صحة هذا الاستنتاج نستعرض بعض التجارب من واقعنا المعاصر.
في ذروة الحرب الباردة بين المعسكرين الاشتراكي والغربي، استدرج الاتحاد السوفياتي آنذاك إلى المستنقع الأفغاني فقام الغرب بإخراج تنظيم القاعدة من القمقم بتخطيط غربي وتمويل وإمداد بشري إسلامي عربي. وكان هذا الاستدراج هو بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير. وبعد إتمام المهمة رفض المارد العودة إلى القمقم فانقلب السحر على الساحر، فحدث ما كان من غزوات كغزوة نيويورك وما تلاها من غزوات وحروب امتدت من افغانستان الى العراق، وما زالت تداعياتها ماثلة أمامنا حتى وقتنا الحاضر.
التجربة الأخرى، التي نشاهد فصولها المأساوية ماثلة أمامنا هي ما يحدث الآن في سورية من تدمير طال القيم والأخلاق والبشر والحجر، وتسبب في خلق صورة نمطية لإسلام مغاير لتعاليم ديننا الحنيف. فالنظام السوري اعتقد خاطئا أن مواجهة الهجمة الغربية التي اقتربت من حدود الشام تتطلب استدعاء وتسخير قوى التطرف الديني لمساعدته في صد الهجوم الغربي المحتمل عبر حدود العراق من جانب، ومشاغلة المحتل في بلاد الرافدين من جانب آخر، فجاء التطبيع المرحلي بين البعث العلماني وقوى التطرف الديني وذلك على غرار ما كان قائماً في العراق قبل الاحتلال الأميركي. وهنا أيضاً ينقلب السحر على الساحر بعد أن توغلت قوى التطرف المتحالفة مع الشيطان في ربوع الشام لتغير قواعد اللعبة، فتحول هذا البلد إلى ساحة حرب يمثل فيها بجثث الموتى، وتؤكل الأكباد، وتهتك الأعراض، وتهدم دور العبادة تحت راية الإسلام السياسي. وباسم محاربة الدكتاتورية يلغي التطرف وطناً من الوجود، ويأتي كل هذا بتحالف ودعم من قوى شمولية وغربية تعتبر كافرة من وجهة نظر التطرف، وذلك في مفارقة تسخر منها أبسط العقول إدراكاً وفطنة.
إن رعاية التطرف وتجهيزه للقيام بدوره عند الحاجة هي عملية تتطلب موارد طائلة وتخطيطاً استخباراتيّاً محكماً؛ لكون عملية غسل الدماغ استناداً إلى قواعد ومبررات دينية، تتطلب مكنة إعلامية بالإضافة إلى دعاة ومؤسسات تتوغل في المجتمع، وتستثمر موروثاته التاريخية والعقائدية، فتؤسس بذلك لثقافة الكراهية القائمة على ازدراء ومقت الآخر. إن سيادة مثل هذه الثقافة بكل ما تحمله من تجذر تاريخي وقناعات عقائدية، تتشابك مع مصالح ومنافع تسخر جميعها كجزء من متطلبات إعادة هيكلة وتشكيل المجتمع لتخلق أمراً واقعاً يستعصي تغييره حتى على القوى التي تعتقد أنها مازالت تمسك بكل قواعد اللعبة بإمكانياتها المالية والعسكرية. والتجارب التي ذكرناها في مقدمة هذا المقال تدلل على صحة هذا الاستنتاج.
من جهة أخرى، فإن تسخير التطرف لخدمة أجندات سياسية لا يقتصر على طرف دون آخر، ففي عالم السياسة تسقط الحواجز والحدود بين القوى المتخاصمة التي يعمل كل طرف منها على تعزيز مصادر قوته وإضعاف خصمه بغية احتوائه أو استسلامه. إلا أن المبالغة في شحن الجماهير بأفكار راديكالية تفقد القيادات السياسية عامل المرونة والحركة التي تتطلبها المناورات السياسية، حتى تكاد تصبح قرارات هذه القيادات رهينة لضغوط راديكالية منفلتة وغير منضبطة.
إن بلادنا العزيزة تمر بمرحلة تتبدل فيها قيم المجتمع الذي تعاد هيكلته على خطى مغايرة لما ألفناه، حيث تتصاعد الآن فيه نبرة الكراهية والتطرف، ويتم استحضار حقبات تاريخية غير محببة؛ لتساهم في انفصام المجتمع حين يعكف البعض على تثبيت معايير للانتماء يستعاض بها عن الانتماء الوطني، فيمزق البعض هوية الوطن ويخطط لتحويله الى أشلاء تقربه الى الله تعالى. إن التأسيس لمثل هذه القيم المغايرة لقيم التسامح والتعايش يخلق واقعاً غير طبيعي يصعب إصلاحه مستقبلاً حتى لو توافرت إرادة الإصلاح بجوانبه المختلفة. وهنا تكمن خطورة العبث بقيم المجتمع.
قد يكون الوقت غير متأخر لتدارك مثل هذه الأخطار، وإعادة المجتمع إلى وضعه الطبيعي قبل فوات الأوان، فعملية شحن المجتمع بالتطرف هي أسهل بكثير من عملية تفريغ وتخليص الوطن من براثن هذا السرطان المقيت.
إقرأ أيضا لـ "عبدالحسن بوحسين"العدد 4274 - الثلثاء 20 مايو 2014م الموافق 21 رجب 1435هـ
سموم الطائفية
هذا مارايناه خلال السلامة الوطنية فمنهم من عمل على الداخل ومن من كرس جل اهتمامه على سوريا وذلك بزج الشباب في الدفاع المقدس المسمى عند الموالين والشرفاء مما شكلوا عبئا ثقيلا على المجتمع وذلك بأفكارهم السمومية ولا زال الوضع مستمر ولكن بعباءة جديدة سواء في المساجد او الاعلام وعلى مسمع من الجميع فماذا تفعل يا ترى بالجهلاء
شحن
شحن النفوس بالكراهية هو مسئولية الجميع ولكن النصيب الاكبر يقع ع عاتق السلطة التي دائماً ما تخض البصر عن الاعلام المسلط ع طائفة باكملها بل وتكفييرها امام مسمع الحكومة.
المسؤل
الشحن تتحمل الدوله مسؤليته فهى من المفترض انها جهة محايدة لا ان تترك كل من تسول له نفسه في شحن المجتمع من سموم في تحريض جهة على جهة او تكفير طائفة والتحريض على قتلها وسلبها وهذا ماحدث ويحدث في خطب الجمعة امام مسامع الجميع وعلى رأسهم الدولة والتى من المفترض ان تقوم بايقافهم ومحاسبتهم على الشحن الطائفي لا ان تغض البصر وتكون في موقف الصامت المتفرج الراضي..فلو لا لطف الله وثقافة الطرف الاخر لاصبحت البحرين في خبر كان.
شكرا
احسنتم
شكرا
مقال جميل
السبب
شحن المجتمع بالطائفية سهل جدا بسبب غياب الوعي و الثقافة و انتشار الجهل.