لم تألُ القوى الوطنية البحرينية المعارضة جهداً في نشر وتقديم رؤاها الإستراتيجية وثوابتها الوطنية الجامعة بشتى الطرق المتاحة، وفي مختلف المناسبات، وذلك حرصاً منها على الوصول إلى حلول حقيقية منصفة تحقّق للشعب البحريني بمختلف مكوناته تطلعاته في العيش الكريم في وطن يحتضن الجميع، ويتقدم بخطى ثابتة نحو التطور المنشود.
والمتتبع للشأن البحريني يجد كالشمس في رابعة النهار أن هناك قواسم مشتركة تجمع مختلف أطياف وتلاوين المعارضة الوطنية، سواءً الإسلامية أو العروبية أو اليسارية منها، والتي تتلخص في المطالبة بإرساء أسس الديمقراطية الحقيقية المتعارف عليها دولياً، من مجلس نيابي كامل الصلاحية يكون ممثلاً حقيقياً لجميع المواطنين من خلال دوائر انتخابية عادلة وفق مبدأ «صوت لكل مواطن»؛ وقضاء مستقل وعدالة اجتماعية وأمن للجميع؛ ومعالجة حقيقية للمشاكل التي تنخر في جسد الوطن، مثل مكيدة التغيير الديموغرافي للتركيبة السكانية... إلى من قضايا وطنية جامعة.
طبعاً لا يمكن لمعارضة وطنية ذات تاريخ طويل يمتد لأكثر من قرن من الزمن تقوم من دون ثوابت ومرتكزات جامعة، ومتجذرة في وجدان وروح المجتمع البحريني العريق، الذي ضحى بكل غالٍ ونفيس في سبيل الحصول على حقوقه المشروعة. والحراك السياسي في البحرين، خصوصاً في هذه الحقبة الزمنية، ينطلق من مرتكزات وثوابت وأبعاد ثلاثة رئيسية: وهي البعد العقائدي، والبعد الانساني بمفهومه الشامل، والبعد الوطني ذي الخصوصية.
لا عجب أن يشكل البعد العقائدي أول وأهم المرتكزات المحددة لحراكه الوطني من المطالبة بتحقيق مبادئ الديمقراطية الحقيقية، وإرساء قواعد العدالة الاجتماعية والمساواة والعيش الكريم، وذلك مرده إلى أن الغالبية الساحقة من الشعب البحريني بطبيعته متديّن، وعليه فهو يبني مواقفه ورؤاه على أسس عقائدية. فمن هنا يرى المراقب للحراك البحريني الوطني أن الأفعال ليست عشوائية أو مزاجية، بل هي مقننة وتحكمها مبادئ واضحة ومحددة مبنية على مبادئ الدين الاسلامي الحنيف، وتهدف إلى خير الوطن والمواطنين على اختلاف أعراقهم وعقائدهم، وذلك وفقاً للفهم العميق لمبادئ العدالة والمساواة التي أقرّها الدين الإسلامي، حيث أن الجميع لهم حقوق وعليهم واجبات. وكذلك بناء على الواقع العملي المعاصر والفهم الصحيح للإسلام الذي لا يتعارض مع أسس الديمقراطية الحقيقية، ونبذه للدكتاتورية، وفق مبدأ الشعب مصدر السلطات.
وبلا شك يرجع الفضل إلى الخطاب الديني والوطني الواعي، الذي رغم تعرض رموزه للاستهداف المستمر بشتى الصور، فإنه يحد قيد أنملة عن الالتزام الواعي بتعاليم الدين الحنيف ومبادئه وأهدافه المتوخاة للبشر من الحياة الكريمة، وتحقيق العزة والكرامة للجميع، ونبذ العصبيات القبلية والطائفية والاثنية، وعدم تغليب منطق الغلبة والاستحواذ. ومن منطلق هذه العقيدة الإنسانية ومبدأ الحراك السلمي البناء وفق الضوابط الإسلامية الجامعة والنابذة لكل أشكال التعصب وإلغاء الآخر، فقد شكلت هذه الفلسفة عصب الحراك الشعبي المطالب بالديمقراطية الحقيقية.
أما البعد الرئيس الثاني فيتمثل في التوافق التام للقوى الديمقراطية الوطنية المطالبة بالديمقراطية الحقيقية، مع المبادئ العالمية الجامعة التي تشكل ركائز أساسية للكرامة الإنسانية، بصرف النظر عن أعراق ومعتقدات الأفراد، والتي تمثلت في قرار الأمم المتحدة رقم 217 لحقوق الانسان في باريس لعام 1948، في الاعلان العالمي لحقوق الانسان، الذي أوضح في مقدمته الأسباب التي دفعت الدول الأعضاء لإصدار مثل هذا الإعلان من الاعتراف بالكرامة المتأصلة بين جميع البشر. كما شمل على ثلاثين مادة، تضمنت الحقوق الخاصة التي تضمن حرية الإنسان وكرامته ومساواته أمام القانون، وتحريم الرق والتعذيب والاضطهاد. كما ركزت على الحقوق الاجتماعية التي تشمل الحقوق العائدة للأفراد في علاقاتهم مع الدولة كحق الجنسية والملكية. كما ركّزت على الحريات العامة والسياسية المتمثلة بحرية المعتقد والتعبير والاجتماع والانتخاب وتكوين الجمعيات، بالإضافة إلى الحقوق الاقتصادية والثقافية، كالحق في العمل والحماية من البطالة والحق في الحريات النقابية.
أما عن البعد الوطني ذي الخصوصية المحلية، فقد حظي بأهمية كبيرة من قبل القوى الوطنية المعارضة، حيث أن جوهر الحراك هو طلب الاصلاح طلباً لخير المجتمع بأسره، والحفاظ على مكتسباته وثرواته الحقيقية من قوى بشرية ومادية وبيئية. فقد كان الخطاب جامعاً، وبوصلة المطالب واحدة لم تتغير، وقد فصلتها المعارضة في أدبياتها ووثقائقها المختلفة، مثل «وثيقة المنامة»، و»مبادئ اللاعنف».
وعلى رغم الأثمان الباهضة التي دفعتها وتدفعها القوى الوطنية الديمقراطية وجمهورها الكبير، بسبب الثبات على مواقفها المبدئية التي تطالب بتطبيق أبسط أبجديات أسس الديمقراطية الحقيقية والالتزام باحترام مبادئ حقوق الإنسان، فقد زاد تمسكها بمطالبها التي تهدف به الخير للوطن بجميع أطيافه.
فمتى يدرك من بيدهم الحل والعقد، ومن يُستَخدمون كحائط صد ضد أي عمل وطني جامع فيه مصلحة البلاد والعباد، بأن النجاح الحقيقي للوطن هو في إرساء أسس الديمقراطية الحقيقية واحترام مبادئ حقوق الانسان والتصالح مع هذا الشعب الطيب المسالم، وعدم رفع الكلفة التي تعمق الجروح وتعقد المشهد، بالتسويف وتبديد الجهود وثروات الوطن على مختلف فعاليات العلاقات العامة التي لا تسهم بمعالجة أي من المشاكل القائمة.
إقرأ أيضا لـ "محمد عباس علي"العدد 4274 - الثلثاء 20 مايو 2014م الموافق 21 رجب 1435هـ
الله يعطيكم العافية
بصراحة مقال في غاية الروعة. فهو يشخص مرتكزات المعارضة. فهي هدفها الاصلاح، وان يعيش المواطنون، كل المواطنين بكرامة، وبعزة، ومساواة، وعدل، وانصاف. فكل نضالهم، هو من اجل الجميع، بغض النظر عن الاثنيات والاعراق. .... هذا هو المنطق الصحيح. لم تقل يا اخي الا الحقيقة التي حاول الاخرون او الاطراف الاخرى التغافل عنها. جزيتم كل خير، وكثر الله من امثالكم. بلدنا الحبيب في حاجة لمثل هذه الرسائل الصادقة والتي تنم عن فهم عميق وادراك لمجريات الامور، والتي هي واضحة جدا لمن يريد الحقيقة، وكما قلت بانها "كالشمس ..
شكرا لكم دكتور محمد
حقيقة ان موضوعك ممتاز ويلخص الوضع البحريني بلغة لاعنفية وبمنطق لا يختلف عليه اي منصف يروم الحقيقية. اقترح عليك وضعه في تغريدات لمن لا يقراء المقالات، حتى تعم الفائدة.
الدين الاسلامي الحنيف لايعارض الديمقاطية بل الديكتاتورية
من المؤكد ان الدين الاسلامي الحنيف ومبادئة العظيمة لا يتعارض مع مبادئ الديمقراطية بكل تفاصيلها. ولكن اذا كان الدين المشوه الذي لا يمت لما جاء به محمد ص، بل ابتدعنه داعش واخواتها، فهو دين تخلف. الدين الاسلامي يتعارض مع الديكتاتورية، والاستئثار والهيمنة واكل المال العام، وووو .
إسلام ديمقراطي
عجبًا وا عجبا! النظرية الإسلامية مغايرة للديمقراطية
سلمت
سلمت يادكتور..لقد ناديت لو اسمعت حيا