هي تجربة فيها من الفرادة ما فيها من الجرأة والشجاعة، تلك التي أقدمت عليها جمعية البحرين للعمل التطوعيّ بإصدار كتاب يحمل عنوان «قصص في العمل التطوّعي»، بقلم زمرة من أطفال البحرين تراوحت أعمارهم بين 10 و14 سنة، لكن ما أسباب نشأة هذا الكتاب؟ وما الرسالة التي ينطوي عليها إصداره؟
حين وافقتُ وَلَدَيَّ على المشاركة في فعاليات اليوم التكويني الترفيهي في الثاني والعشرين من فبراير/ شباط الماضي، وشجعتهما على حضور ورشة القصة القصيرة ضمن أعمال لجنة متطوع المستقبل بجمعية البحرين للعمل التطوعي، حينذاك لم يخطر ببالي ولو للحظة، أنّ الاحتفاء بهذه الكوكبة من الأطفال المشارِكة في الورشة سيبلغ هذا المدى، وستصدر محاولاتهم القصصية في موضوع العمل التطوّعيّ في كُتيّب جميل يخلّد إبداعاتهم الطفولية في الكتابة القصصية.
لكن حين ننظر إلى من يقف وراء هذا الإنجاز لا يمكن أن نستغرب الأمر؛ فالشيء من مأتاه لا يستغرب كما يقال. نعم هي جمعية البحرين للعمل التطوعيّ من رعى هذه الإبداعات ووثّق أعمالهم في هذا الكتاب، وهي منظمة أهلية حديثة النشأة (أبريل/ نيسان 2013) يرأس مجلس إدارتها عبد العزيز راشد السندي، رسالة الجمعيّة التطوع باعتباره واجباً وطنياً وسلوكاً حضارياً، ورؤيتها خلق جيل شبابيّ واع بثقافة العمل التطوعي، وأهدافها عديدة، لعل أبرزها نشر ثقافة العمل التطوعي والمساهمة في تطوير آلياته بالمملكة، سعياً إلى نقل الجهود التطوعية من التلقائية إلى الاحترافيّة.
ولقد خططت «لجنة متطوّع المستقبل» إحدى أبرز اللجان العاملة صلب الجمعيّة، ونفّذت ورشة الكتابة القصصية للأطفال متطوّعي المستقبل، وحفّزتهم على الكتابة في الموضوع الذي هو جوهر رسالة الجمعية، وتطوّع الأستاذ والقاص البحريني إبراهيم جمعة سند لتدريب هؤلاء الأطفال على كتابة القصة القصيرة.
وانصرفت همّة كل طفل منهم إلى إتمام قصّته بعد أن بدأها أو كاد خلال الورشة التدريبية حتّى استوت قصصاً قصيرةً نالت رضا لجنة التحكيم، فكان مصيرها النشر في هذا الكتاب الذي جمع المتعة إلى الفائدة.
قصصٌ بأقلام بريئة يستحق أصحابها تخليد أسمائهم في هذا المقال تكريماً لهم؛ حيث حملت القصص الست توقيع كل من شيماء ياسر حمزة، جمانة عبدالله المرزوقي، كريم سليم بودبوس، نور يوسف القيسي، فاطمة جاسم القاسمي وأشرف سليم مصطفى، وقد جسّدت قصصهم مواقف حيّةً من العمل التطوعيّ امتزج فيها الخيال بالحقيقة، في لغة معبّرة بصدق عن رؤية جيل الطفولة إلى هذه الفريضة الغائبة؛ فريضة العمل التطوعيّ. وقد حاول الأطفال في هذه القصص أن يعبّروا عن أهمية هذا الواجب الاجتماعي والإنسانيّ، وها هم الآن يتطلعون في شوق وحماس إلى تحويل أفكارهم وكلماتهم البريئة إلى حقيقة واقعية.
نعم، هم يريدون أن يمزجوا القول بالعمل، وأن يحوّلوا حلمهم إلى حقيقة، وأملهم إلى عمل؛ فهؤلاء الأطفال آمنوا بما كفر به الكثير من المتكبّرين واللامبالين والمستهزئين. نعم، لقد آمنوا بالعطاء دون مقابل بالتطوّع بمختلف أشكاله. أولئك الأطفال صدقوا ما عاهدوا أنفسهم عليه ألا وهو خدمة الناس ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، خصوصاً ونحن على أبواب شهر رمضان الكريم، تـدْفَعُـنا التوجيهات الإلهيّة للمزيد من بذل الجهد، استجابةً لقوله تعالى: «وتعاونوا على البِرِّ والتّقوى»، ( ، )، وقوله عزّ وجلّ «ومن تطوّعَ خيراً فهو خيرٌ له» ( ، )، لعلّنا بذلك ننشر الابتسامة ونُساهِم في بهجة الحياة.
فرحة الحياة تلك الرسالة التي أوصى بها جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة حفظه الله في حديثه السامي «إلى الشباب... نداء القلب والعقل»، سنة 2006 حين قال: «نحن حريصون كلَّ الحرص على أنْ يشعُـرَ شباب البحرين بـ (فَرَح الحياة)... وأن تعود الابتسامة إلى وجوههم التي هي وجه المستقبل في بلادنا». فرحة الحياة التي دعا الجميع إلى العمل من أجلها قائلاً: «وفي ذلك فليعمل العاملون»، كما أكّد في ذات الحديث السامي على دور الجمعيّات في تحقيق هذا الهدف الأسمى: «ولابدّ أنْ تُـشـاركَـنا مُختَـلِـف الفعاليّات المؤثّرة من آباء وأمهات ومدارس وجمعيّات ومؤسّسات مختصّة من أجل هذه الابتسامة الغالية... ابتسامة المستقبل».
ومن أجل هذه الرسالة السامية كان لابدّ أن تتحرّك جمعية البحرين للعمل التطوعيّ، وكان لابدّ أن يصحب عملها اهتمام إعلاميّ نظراً لكون ما تقدّمه من خدمةٍ لأهل البحرين، من مواطنين ومقيمين، من الأهميّة بحيث يستحق مثل هذا التعريف بل والتنويه والإشادة أيضاً.
لقد آن الأوان أن تهجر الشبيبة تلك النظرة السلبية للعمل التطوعيّ، وخصوصاً الجسديّ منه، وأن لا تكتفي بالاتكال على العمالة الأجنبية في مثل هذه المهامّ؛ ذلك أنّ العمل التطوعيّ صورةٌ من صور تقدّم الشعوب، وآيةٌ من آيات تعايش أفراد الوطن، بل حين يتجاوز حدود البلاد يغدو قيمةً حضاريةً باقيةً ودليلاً على إنسانية راقية.
إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"العدد 4273 - الإثنين 19 مايو 2014م الموافق 20 رجب 1435هـ
صدقت شكرا على مقالك الممتاز
لقد آن الأوان أن تهجر الشبيبة تلك النظرة السلبية للعمل التطوعيّ، وخصوصاً الجسديّ منه، وأن لا تكتفي بالاتكال على العمالة الأجنبية في مثل هذه المهامّ؛
تحية لهؤلاء الأبطال وربّي يقويهم على فعل الخير
حملت القصص الست توقيع كل من شيماء ياسر حمزة، جمانة عبدالله المرزوقي، كريم سليم بودبوس، نور يوسف القيسي، فاطمة جاسم القاسمي وأشرف سليم مصطفى،
قصص في العمل التطوّعيّ
تجربة فريدة تحتاج مزيد الاهتمام والتطوير
شكرا على هذه الكلمات الذهبية
ذلك أنّ العمل التطوعيّ صورةٌ من صور تقدّم الشعوب، وآيةٌ من آيات تعايش أفراد الوطن، بل حين يتجاوز حدود البلاد يغدو قيمةً حضاريةً باقيةً ودليلاً على إنسانية راقية.