يكاد يجمع الجميع من المعنيين والمهتمين بموضوع العنف الأسري على أهمية صدور قانون الحماية من العنف الأسري، ويستشف ذلك من الملاحظات التي تقدم بها عدد من الجهات المعنية على المشروع بقانون أبرزها وزارات التنمية، والتربية والتعليم، الصحة، الداخلية، المجلس الأعلى للمرأة، وعدد من مؤسسات المجتمع المدني، الاتحاد النسائي، مركز بتلكو، جمعية حوار، وغيرها.
إذ لم يذكر أي من هذه الجهات في ملاحظاته على المشروع أنه يرفض صدوره من حيث المبدأ، وقد تناولت هذه الجهات عدداً من الملاحظات التي نتفق مع بعضها، ونختلف في بعضها الآخر، وسنشير إلى بعض منها في هذه المقالات.
وعلى الرغم من قناعاتنا بأن القانون ليس كافياً وحده لتغيير السلوك الإنساني، بل لابد من إعماله في الممارسة العملية وأن تتضافر عوامل أخرى متعددة من أجل إصداره، فإن كافة محاولات التصدي للعنف الأسرى لا يمكن لها أن تنجح إذا لم يصاحبها بناء قانوني يقوم على المساواة، ويشمل جميع الجوانب ويحقق حماية فعلية لضحايا العنف الأسري.
فالقانون هو تعبير عن البنى الثقافية المجتمعية السائدة، يمكنه أن يلعب دوراً حاسماً في إدخال التغييرات على هذه البنى، بتحويل الفعل العنيف الذي يتم ارتكابه داخل الأسرة إلى عمل مُجرّم، من شأنه أن يؤدى تدريجياً إلى ازدراء هذا الفعل، ونبذه اجتماعياً بدلاً من تقبله واحتضانه داخل المنظومة الثقافية الاجتماعية. ولا يجوز التسامح مع العنف داخل الأسرة وتبريره والتواطؤ معه.
لقد شهد مجتمعنا منذ المشروع الإصلاحي وعلى وجه خاص عند الجمعيات النسائية، نشاطاً ملحوظاً فقادت بعضها حملات مناهضة للعنف تستهدف على وجه خاص مساندة المرأة المعنّفة وحمايتها، وقد تطورت هذه الحملات إلى الحد الذي أصبح من الضروري معه الانتقال إلى خطوة أكثر إيجابية في هذا المجال، من أجل تغيير المعادلة القائمة والناظمة لعلاقة المرأة بالمجتمع، وتوفير أرضية قانونية أكثر عدلاً وتواؤماً مع المبادئ والمعايير الأساسية لحقوق الإنسان. بل وأكثر اتساقاً مع الدستور فيما يكفله من حقوق وواجبات متساوية لجميع المواطنين بغض النظر عن الجنس، حتى يمكن للمرأة أن تستعيد ثقتها بنفسها كمواطنة كاملة الأهلية تؤدى واجباتها المفترضة، وتنال حقوقها كاملة.
وإن اهتمام الاتحاد النسائي وسائر منظمات المجتمع المدني في البحرين بهذا الموضوع، يستهدف استنهاض مشاركة مجتمعية في مواجهة ظاهرة العنف الأسرى وإنقاذ الضحايا، والحالات التي كانت ترد للجمعيات المهتمة أو مراكز المساعدة القانونية خاصة العنف ضد المرأة، تكشفت عن عمق الظاهرة، ومدى ما تعانيه النساء منها، وهو الأمر الذي كان يشغل بال الحركة النسائية بضرورة توفير الحماية للمرأة من العنف الأسرى، وكيفية اتخاذ تدابير مستعجلة لحماية ضحايا العنف، وتمكين جمعيات المساندة والمراكز الخاصة باستقبال ضحايا العنف من أداء دورها في تقديم الدعم المطلوب للضحايا.
وانطلاقاً من هذا الاهتمام وهذه الأهمية لمشروع قانون الحماية من العنف الأسرى، وهو مازال يناقش أمام المجلس الوطني بغرفتيه تمهيداً لإقراره وإصداره كقانون نافذ، نعرض ملاحظاتنا على بعض مواده بهدف أن يصدر محققاً الغاية من إصداره.
في مسمى مشروع القانون
حين كان اقتراحاً بقانون مقدم لمجلس النواب من كتلة المنبر الإسلامي العام 2005، أطلق عليه «اقتراح بقانون مكافحة العنف الأسري»، اشتمل على مذكرة إيضاحية و25 مادة، وحين أحيل من مجلس النواب للحكومة لصياغته في مشروع قانون حسب الأوضاع التي نص عليها الدستور واللائحة الداخلية عدلت الحكومة مسمى القانون إلى «مشروع قانون حماية الأسرة من العنف»، وأبدت الحكومة بعض الملاحظات عليه. وأقره مجلس النواب وأحاله لمجلس الشورى بتاريخ 14 أبريل 2010، وسمته لجنة شئون المرأة والطفل بمجلس الشورى «مشروع قانون الحماية من العنف الأسرى».
وبالرغم أن حالات العنف ضد المرأة والأطفال هي الأكثر شيوعاًَ وتأتي في الدرجة الأولى بالنسبة لمجموع القضايا التي تعرض على المراكز أو المؤسسات الرسمية أو مؤسسات المجتمع المدني، ويشكل فيها هذا العنف (أي العنف ضد المرأة والأطفال) النسبة الأكبر، إذ كشفت اختصاصية الإرشاد والعلاج النفسي والسلوكي المعرفي بمركز بتلكو لرعاية حالات العنف الأسري شريفة عبدالحميد سوار، أن «المركز سجل 17 حالة عنف ضد الأطفال خلال شهري يناير وفبراير 2014»، ونوّهت إلى أن «تلك الحالات تنوعت بين الإيذاء النفسي والجسدي، غير أن أكثر القضايا التي تتصدر الشكاوى التي ترد إلى المركز هي قضايا التحرش الجنسي». («الوسط» البحرينية - الأربعاء 19 مارس 2014).
كما أكدت الدراسة التي أعدها مركز البحرين للدراسات والبحوث حول العنف ضد المرأة، أن أكثر الأطراف الممارسة للعنف ضد المرأة تبعاً إلى استطلاع الرأي وحسب العينة الإجمالية لهذه الدراسة، هم الزوج بنسبة 89.8 %، ثم يليه الأخ بنسبة 18.4 %، فالأب بنسبة 16.2، فالغرباء والأقارب من الدرجة البعيدة. ولهذه النسب دلالتها كما تقول الدراسة، فالعلاقة الزوجية في المجتمع البحريني هي أكثر المحاور التي يمارس عبرها العنف. كما أظهرت نتائج هذه الدراسة، أن غالبية العينة يؤكدون على وجود ظاهرة عنف ضد المرأة في مملكة البحرين، إذ بلغت نسب المستجيبين (95%) من مجموع العينة. وتفوق نسبة النساء (48.4%) في مقابل (46.6%) للرجال، وهي متركزة في فئة المتزوجين، رغم سعي البعض إلى إخفاء وجودها كظاهرة، كما أن ذلك يؤكد على انتشار ظاهرة العنف الزوجي.
وأشارت الدراسة لتصريح لوزارة الداخلية بأن عدد النساء المعنفات في مملكة البحرين خلال الأعوام من 2001 إلى 2004 حوالي 1344 حالة، طبقاً لإحصاءات الوزارة. (انظر دراسة العنف الموجّه ضد المرأة في مملكة البحرين مسح ميداني فريق العمل آمال الطنطاوي، منى عباس فضل، عبد النبي العكري، مركز البحرين للدراسات والبحوث مايو2005).
وفي احتفالات البحرين بيوم المرأة البحرينية في ديسمبر 2013، دعا المجلس الأعلى للمرأة إلى الإسراع في المساعي المبذولة لإصدار قانون الحماية من العنف الأسري في البحرين نظراً لما يمثله من أهمية لحماية حالات العنف الأسري الذي تتعرض له الأسرة البحرينية، مؤكداً على أنه توجد حالات عنف أسري ترد إلى مركز دعم المرأة بالمجلس الأعلى للمرأة. وحسب آخر الإحصائيات حتى شهر مارس/ آذار 2013، فإن عدد الحالات الواردة والتي تملك إثباتاً للعنف خلال الفترة من 2010 - 2013 بلغ 160 حالة. ويسعى المجلس جاهداً إلى خفض تلك الحالات عن طريق العديد من الأساليب والبرامج بالتعاون مع كل الجهات ذات الاختصاص، إلا أن هذه البرامج والآليات المتبعة تحتاج إلى تقنين من خلال إصدار تشريع يحمي أفراد الأسرة من العنف الذي يمارس ضدهم، خصوصاً في ضوء وجود عوائق واعتبارات اجتماعية تقف حائلاً أمام تسجيل حالات العنف مهما كان نوعه بشكل رسمي لدى الجهات المعنية باستقباله.
وكشفت إحصائيات الاتحاد النسائي بشأن عدد الحالات المعنفة التي وصلت لمراكز الإرشاد الأسري بلغت 1079 خلال عام واحد (2011).
واشتملت ديباجة مشروع قانون الحماية من العنف الأسرى على الاتفاقيات الدولية التي تعنى بالمرأة والطفل، التي انضمت إليها مملكة البحرين بموجب المرسوم بقانون رقم (16) لسنة 1991 بشأن اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل المعدل بالمرسوم بقانون رقم (8) لسنة 2000، وكذلك المرسوم بقانون رقم (5) لسنة 2002 بالموافقة على الانضمام إلى اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة المعدل بالقانون رقم (15) لسنة 2010. وكان الأجدر أيضاً أن تشير الديباجة أيضاً إلى الإعلان العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة والذي أصدرته الأمم المتحدة سنة 1993.
وعلى الرغم من كل ذلك، فإن مشروع قانون الحماية من العنف الأسري في البحرين لم يقتصر على حماية المرأة والأطفال من العنف الأسرى، بل شمل كل أفراد الأسرة بمن فيهم الرجال أو الذكور، وهو هنا يتفق مع مسمى القانون الأردني الذي سُمّي «قانون الحماية من العنف الأسري لسنة 2008»، ويختلف عن مشروع القانون المصري الذي سمي «مشروع قانون لحماية النساء من العنف الأسري»، وسمّته المملكة العربية السعودية «نظام الحماية من الإيذاء»، وسمّته المغرب «مشروع قانون مناهضة العنف ضد النساء».
وفي لبنان أقرّ البرلمان في الأول من أبريل 2014 «قانون لحماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري»، بعدما كانت في المشروع المحال من قبل مجلس الوزراء «مشروع قانون لحماية النساء من العنف الأسري». وقد بررت اللجنة الفرعية هذا التعديل بأن المشروع الحكومي لا يساوي بين أفراد الأسرة، فضلاً عن أنه يغفل كون العنف يطاول الذكور أيضاً، فيميز لمصلحة الأنثى، ما يشكل مساً بالمادة 7 من الدستور التي تقر المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، ويعرّضه تالياً للطعن بدستوريته وللإبطال.
ما نريد أن نصل إليه مما تقدم أن مسمى القانون له دلالته ومعناه، وحسناً حين سمته لجنة شئون المرأة والطفل بمجلس الشورى «مشروع قانون الحماية من العنف الأسري»، إذ يهدف إلى الحماية قبل العقاب، وأن مفردة الحماية ستظل ملازمة حين نناقش أبرز وأهم مواد المشروع، كما أن شموله لكل أفراد الأسرة رغم أن العنف الموجه للزوج أو الرجل في إطار الأسرة ليست ظاهرة في البحرين كما توضحه الإحصائيات سالفة البيان، فإن مسمى مشروع القانون أتى منسجماً ومضمون المواد التي نص عليها، ويؤكد أنه ليس بالضرورة لتشريع وتقنين الواقعة أن تكون هذه الواقعة ظاهرة في المجتمع، بل يكفى حدوثها وإن كانت بنسب متفاوتة. وسنناقش في مقالات لاحقة موضوعات الأسرة والعنف الأسري، والعنف الاقتصادي، والأحكام المهمة في مشروع القانون.
إقرأ أيضا لـ "حسن علي اسماعيل"العدد 4269 - الخميس 15 مايو 2014م الموافق 16 رجب 1435هـ
معضلة اجتماعية وشرعية
شكرا للمحامي حسن علي، على قرائته المتمعنة لهذه المشكلة المتصاعدة آثارها السلبية على قطاع مهم من المجتمع وهي في حاجة الى دراسة متمعنة تضع المخرجات والحلول.
انها معضلة اجتماعية وشرعية وهي معضلة لها بعدها على واقع الامن الاجتماعي حيث أن المتضرر ليس المرأة وحسب بل المنظومة الاسرية، لذلك هي في حاجة الى تشريع مؤسس ينهي المعناة المزمنة للمرأة وينصف حقها الطبيعي خاصة أن المشكلة لم تعد معضلة محلية بل صارت قضية تحكمها قواعد القانون الدولي لذلك لا مفر من توفر التشريع الوطني الذي يضع حلا مؤسسا للمشكلة.