بدعوة من كلية الدراسات الإستراتيجية من جامعة نايف للعلوم الأمنية، شاركت في «الملتقى العلمي لمجتمع المعرفة في الوطن العربي» الذي عقد لمدة ثلاثة أيام من 22-24 أبريل 2014. وتضمن المؤتمر عدة محاور مهمة حول وضع وتطور مجتمع المعرفة في الوطن العربي وأهميته في مجالات التعليم والاقتصاد والسياسة والبحث العلمي، وشارك فيه نخبة متميزة من أبناء الوطن العربي من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، وحقّق المؤتمر ثلاث نتائج ذات دلالة:
الأولى: استعراض وضع المعرفة في العالم العربي وأهمية تطويرها وتفعيلها لخدمة المجتمع في شتى أنشطته ومختلف مجالاته باعتبارها ركيزة التقدم في المجتمع المعاصر.
الثانية: تحقيق تفاعل بين نخبة من الأساتذة والعلماء والخبراء في مجالات المعرفة المتنوعة وتبادل الآراء والتصورات والرؤى حول كيفية تطوير مجتمع المعرفة في إطار من التفاعل والتكامل العربي.
الثالثة: التعريف بجامعة نايف للعلوم الأمنية بالمفهوم الأمني الشامل الذي يعكس مصالح الدول العربية قاطبة، ومصالح شعوبها وعلمائها وخبرائها. وهذا يوضح أن جامعة نايف للعلوم الأمنية ليست مقتصرةً في أنشطتها على مجالات الأمن بالمعنى الضيق المحدود، بل بالمعنى الشامل الذي يستوعب مختلف أفرع المعرفة والتخصصات، وخصوصاً مجال الدراسات الإستراتيجية التي تفتقر إليها المنطقة العربية، ومن الضروري الاهتمام بها وتعميقها إذا أرادت المنطقة العربية أن ترقى مثل باقي الأمم والحضارات.
ولقد كانت المداولات مكثفة والأوراق العلمية التي قدمت متعددة والدراسات متعمقة ومتخصصة، وكل مشارك في مجاله، وكان محور النقاش الأوراق البحثية التي قدمتها الهيئة العلمية التي اختارتها كلية الدراسات الإستراتيجية وعميدها المتميز عز الدين عمر موسى، وهو أستاذ سوداني مخضرم له باع طويل في المعرفة والأكاديمية وقضايا العالم العربي. كذلك الأساتذة والهيئة الأكاديمية والإدارية الذين أظهروا جميعاً كفاءة عالية وتفانياً وإخلاصاً وحرصاً على إنجاح الملتقى.
ومن ثم فليس من السهل تناول تفاصيل الأوراق أو المداولات، ولكن يهمني أن أشير إلى ما صدر من تصريحات في الإطار العام في شكل ملاحظات موجزة:
الملاحظة الأولى: الحرص على أن تكون التوصيات قليلة العدد عميقة المضمون، واقعية التوجه قابلة للتنفيذ. وكان ذلك هو النصيحة المتكررة من عميد الكلية عز الدين عمر موسى للجنة الصياغة التي تشرفت بعضويتها، كما تشرفت بعضوية الهيئة العلمية للملتقى.
الملاحظة الثانية: أن الملتقى أظهر أن العالم العربي ليس خلواً من الكفاءات بل به كوادر علمية رفيعة المستوى، وهي فقط في حاجه لتنظيمٍ يجمعها وبعض الموارد المالية لتطوير أبحاثها، لكي يتسنّى زيادة الاستفادة منها. وقد تفاعل المشاركون بقوة وتحد ّثوا بصراحة وبمنطق علمي وموضوعي في محاور المؤتمر.
الملاحظة الثالثة: حرص رئيس الجامعة جمعان بن رشيد بن رقوش على افتتاح المؤتمر والمشاركة في بعض جلساته رغم مشاغله العديدة واستضافته كافة المشاركين على غداء خاص أقامه على شرفهم. وكان حريصاً على التنقل بين مختلف طاولات الضيوف والتحدث مع كل مشارك شخصياً. فلم يشعر أحدٌ أنه غريب، أو أنه ضيف غير مرحب به، أو أن رئيس الجامعة متعالٍ بحكم منصبه، بل أظهر تواضعاً ملموساً هو طبيعته وسجيته. كذلك عميد كلية الدراسات الإستراتيجية وكافة أعضاء الكلية، وهذا شيء يثلج الصدر ويريح النفس أن يجد المرء مثل هذا السلوك العربي المتميز، والمجاملة العربية ليس لشخص واحد بل لكل شخص. وهذا يذكّرني كثيراً بالبروتوكول الصيني في التعامل مع الضيوف، وأتمنى أن تسود هذه الروح البروتوكولية لجميع الدول العربية على مختلف المستويات.
الملاحظة الرابعة: أنه جرى إعداد ممتاز للملتقى، فالكتيّب الذي أعدته كليه الدراسات الإستراتيجية المضيفة للمؤتمر، على درجةٍ عاليةٍ من الجودة في الإخراج والتنسيق، وشمل برنامج العمل، ونبذة عن الهيئة العلمية المشاركة، ونبذة عن البحوث التي قدّموها، وكذلك بيان عن المشاركين ونبذة عن جامعة نايف وكلياتها، وندوات ومؤتمرات كلية الدراسات الإستراتيجية.
الملاحظة الخامسة: تتعلق بالهيئة الإدارية والعلاقات العامة وغيرها من الخدمات المساعدة فقد كانت على كفاءة عالية وحريصة على أداء مهامها بتميز.
الملاحظة السادسة: كانت الورقة البحثية التي قدّمتها، ومحورها مجتمع المعرفة وتعزيز الأمن القومي العربي، واستعرضت فيها وضع مجتمع المعرفة وتعريف ذلك وعناصره وأطره ومقوماته، وكذلك كيفية الاستفادة بذلك في تعزيز الأمن القومي العربي. وأبرزت أن مفهوم الأمن القومي العربي هو مفهوم يعتمد على الانتشار والإقناع والأمل، بحكم تعقّد المشاكل الدولية والإقليمية وضرورة الحفاظ على الهوية العربية، والأمل في بناء مستقبل أفضل يعتمد الأمن والمعرفة والاعتماد على الذات الوطنية والتكامل الإقليمي والتفاعل مع العالم.
وختاماً أقول إذا تطوّرت الجامعات العربية بمفهوم وممارسات جامعة نايف، فإن تلك الجامعات ستنتقل إلى مستوى متقدم عالمياً، وتصبح جديرةً بأن تحتل موقعاً رفيعاً في قائمة أهم 500 جامعة في العالم، وتساهم في استعادة العرب لمكانتهم الحضارية التاريخية وفي تعزيز الأمن العربي الشامل.
إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"العدد 4267 - الثلثاء 13 مايو 2014م الموافق 14 رجب 1435هـ