قبل عدة أيام جاء في بيان الرياض الصادر بتاريخ 30 إبريل 2014 في اختتام اجتماع وزراء الثقافة في الدول العربية وأميركا الجنوبية، ما نصه «أن حرية العبادة أحد الحقوق الأساسية التي ينبغي احترامها، وعدم إخضاعها لأي شكل من أشكال التمييز». وهو رأي صريح وواضح يتوافق مع مختلف التشريعات السماوية والإنسانية.
تزامن ذلك مع حملة طائفية مسعورة شنتها مجموعة من المتوترين طائفياً في بلدنا ضد فئة من أبناء وطنهم، غير آبهين بأية مسئولية دينية أو وطنية، أو مستشعرين خطورة ما يقومون به من تهديد واضح للسلم الأهلي والوحدة الوطنية.
حضرت الأسبوع الماضي محاضرةً للباحث حسن النخلي في منتدى الثلاثاء الثقافي تعرض فيها لتاريخ النخليين في المدينة المنورة، موضحاً العلاقات الإيجابية والفعالة مع محيطهم المتنوع مذهبياً واجتماعياً. وقبله بأيام ألقى الأديب عدنان العوامي محاضرة توثيقية في ديوانية الملتقى الثقافي عن حالات التعايش والانسجام المشترك بين المكونات المذهبية في المنطقة الشرقية.
وكتب حول هذا الموضوع خلال الأسبوع الماضي فقط مجموعةٌ من أبرز الكتاب السعوديين منهم توفيق السيف وعبد الرحمن الوابلي وحسن المصطفى وخالد السهيل، مستنكرين مثل هذه التوجهات الطائفية المسعورة، وداعين إلى تجريمها بقانون «الوحدة الوطنية».
إذا كان هذا هو توجّه أبرز المثقفين في المملكة، وهو ذاته توجّه الدولة وقيادتها الحكيمة كما نص عليه بيان الرياض أعلاه ومبادرات خادم الحرمين الشريفين في الحوار بين أتباع الأديان والثقافات والمذاهب، فلماذا تبرز مثل هذه التوجهات الطائفية البغيضة وتثير الحساسيات والخلافات بين أبناء الوطن.
لا شك أن هناك من يحرّك هؤلاء الأشخاص، إما عن قصد، يهدف لخلق حالة من التوتر وإشعال الفتن بين المكونات الاجتماعية، وما يترتب على ذلك من أضرار وتحريض على الكراهية، أو عن جهل وقلة وعي واعتبار ذلك جزءاً من الثقافة الدينية المغلوطة.
لم تعد مثل هذه الحملات والإثارات الطائفية التحريضية مقبولةً بأي حال من الأحوال، لا محلياً ولا دولياً، بسبب كونها تشكل انتهاكاً واضحاً وصريحاً للحقوق الأساسية، وبسبب كون الآثار المترتبة على مثل هذه الحملات لا تقل خطراً عمّا يجري في المنطقة حولنا، من صراعات ونزاعات بين مختلف الفئات والجماعات. ويبقى السؤال ملحاً: كيف يمكن معالجة هذه القضية؟
من المؤكد أن إجراءات قانونية واضحة ستكون كفيلةً بالحد من مثل هذه النعرات المسيئة، تماماً مثل ما تم لجمها في الكويت عبر محاكمة وتغريم وإيقاف بعض من تعمّدوا ازدراء فئات من المواطنين في البلاد وإثارة فتنة فيها.
إن السكوت على مثل هذه الممارسات وتعويمها وعدم إبرازها وفضحها لا يمكن أن يخدم وحدتنا الوطنية أو يساهم في تعزيزها، بل إنه سيخلق بيئةً مساعدةً على نموها واستفحالها، وبالتالي صعوبة معالجتها. ولذا فإن على المثقفين وصناع الرأي والجهات التشريعية التصدي لمثل هذه الأعمال والتنبيه إلى خطورتها واتخاذ الإجراءات التي تحد من وجودها بيننا.
إقرأ أيضا لـ "جعفر الشايب"العدد 4267 - الثلثاء 13 مايو 2014م الموافق 14 رجب 1435هـ