نظّم قانون الإجراءات الجنائية مسألة سلطة النيابة العامة في حبس المتهم احتياطياً على ذمة التحقيق، وذلك في النصوص التالية من قانون الإجراءات الجنائية، كما في المادة (142) التي تُقرر أنه: «إذا تبين بعد استجواب المتهم أو في حالة هربه أن الدلائل كافية وكانت الواقعة جناية أو جنحة معاقباً عليها بالحبس لمدة تزيد على ثلاثة أشهر، جاز لعضو النيابة العامة أن يصدر أمراً بحبس المتهم احتياطياً.
ويجوز دائماً حبس المتهم احتياطياً إذا لم يكن له محل إقامة ثابت ومعروف في دولة البحرين وكانت الجريمة جنحة معاقباًَ عليها بالحبس».
مادة (143): يجب عند إيداع المتهم السجن بناء على أمر الحبس أن تسلم صورة من هذا الأمر إلى مأمور السجن بعد توقيعه على الأصل بالاستلام.
مادة (144): لا يجوز تنفيذ أوامر القبض والإحضار أو أوامر الحبس بعد مضي ستة أشهر من تاريخ صدورها ما لم يعتمدها عضو النيابة العامة لمدة أخرى.
مادة (145): لا يجوز لمأمور السجن أن يسمح لأحد أفراد السلطة العامة من غير المأذون لهم بتفتيش السجن والاتصال بالمحبوس داخل السجن إلا بإذن كتابي من النيابة العامة، وعليه أن يدوّن في دفتر السجن اسم الشخص الذي سمح له بذلك ووقت المقابلة وتاريخ ومضمون الإذن.
مادة (146): للنيابة العامة أن تأمر بعدم اتصال المتهم المحبوس بغيره من المسجونين وبألا يزوره أحدٌ وذلك من دون إخلال بحق المتهم في الاتصال دائماً بالمدافع عنه من دون حضور أحد.
مادة (147): الأمر بالحبس الصادر من النيابة العامة لا يكون نافذ المفعول إلا لمدة السبعة أيام التالية لتسليم المتهم لها. وإذا رأت النيابة العامة مدّ الحبس الاحتياطي وجب قبل انقضاء مدة السبعة أيام أن تعرض الأوراق على قاضي المحكمة الصغرى ليصدر أمره بعد سماع أقوال النيابة العامة والمتهم بمد الحبس لمدة أو لمدد متعاقبة لا يزيد مجموعها على خمسة وأربعين يوماً أو بالإفراج عن المتهم بكفالة أو بغير كفالة.
وفي الجرائم المنصوص عليها في الباب الأول من القسم الخاص من قانون العقوبات يكون للنيابة العامة سلطات قاضي المحكمة الصغرى المنصوص عليها في الفقرة السابقة.
مادة (148): إذا لم ينتهِ التحقيق ورأت النيابة العامة مد الحبس الاحتياطي زيادة على ما هو مقرر بالمادة السابقة وجب قبل انقضاء المدة سالفة الذكر إحالة الأوراق إلى المحكمة الكبرى الجنائية منعقدة في غرفة المشورة لتصدر أمرها بعد سماع أقوال النيابة العامة والمتهم بمد الحبس مدداً متعاقبة لا تزيد كل منها على خمسة وأربعين يوماً إذا اقتضت مصلحة التحقيق ذلك أو الإفراج عن المتهم بكفالة أو بغير كفالة.
ومع ذلك يتعين عرض الأمر على النائب العام إذا انقضى على حبس المتهم احتياطياً ثلاثة شهور وذلك لاتخاذ الإجراءات التي يراها كفيلةً للانتهاء من التحقيق.
وفي جميع الأحوال لا يجوز أن تزيد مدة الحبس الاحتياطي على ستة شهور ما لم يكن المتهم قد أعلن بإحالته إلى المحكمة المختصة قبل انتهاء هذه المدة، فإذا كانت التهمة المنسوبة إلى المتهم جناية فلا يجوز أن تزيد مدة الحبس الاحتياطي على ستة شهور إلا بعد الحصول قبل انقضائها على أمر من المحكمة المختصة بمد الحبس مدةً لا تزيد على خمسة وأربعين يوماً قابلة للتجديد لمدد أخرى مماثلة وإلا وجب الإفراج عن المتهم.
والملاحظ أن المادة (148) وبعد أن وضعت سقفاً زمنياً للحبس الاحتياطي مقداره ستة شهور، عادت لتفرغ هذا القيد الزمني من محتواه، فأجازت طلب تجديد الحبس لما يزيد على ذلك بطلب من المحكمة لمدة (45) يوماً قابلة للتجديد ومن دون سقف زمني، وبذلك تستطيع النيابة أن تحبس المتهم من دون حكم، وفي ذلك تطويحٌ بقرينة البراءة؛ مما استوجب بحث هذه المسألة، لحثّ المشرع على التدخل صيانةً لحقوق المتهم؛ وخصوصاً إذا نظرنا لتخلف نُظمِنا القانونية عن ركب الأمم المتمدنة.
فهذه فرنسا وفي قانون صادر في (14 يوليو/ تموز) لسنة (1865) توجب الإفراج عن المتهم بعد انقضاء خمسة أيامٍ على حبسه احتياطياً، إذا كانت العقوبة المقررة للفعل المسند للمتهم أقل من سنتين، ثم جاء تعديل لذلك القانون سنة (1933) فأوجب الإفراج عن المتهم بعد خمسة أيام، إلا إذا أصدر القاضي أمراً مُسبباً باستمرار الحبس.
قيود على الحبس الاحتياطي
وواصل المشرع الفرنسي التدخل مستهدفاً توفير مزيدٍ من الضمانات لحقوق وحريات الأفراد، أثناء التحقيق معهم لدى النيابة العامة، فاستحدث نظام المراقبة القضائية، وذلك بموجب القانون الصادر سنة (1970)، وكان مِسكُ ختام التعديلات التشريعية في فرنسا القانون الذي صدر في (15 يونيو/ حزيران 2000) حيث أنشأ نظام قائمة الحريات والحبس الاحتياطي الذي يكون له بناءً على طلب لقاضي التحقيق، إحلال إجراء آخر محل الحبس الاحتياطي. ويتجه الفقه القانوني الحديث لاعتبار الأمر بالحبس الاحتياطي حكماً تمهيدياً بعقوبة تسبق الإدانة، فضلاً عن أن طول مدة الحبس الاحتياطي إن لم يكُنْ تضليلاً للعدالة فهو على أقل تقدير يُشكل تأثيراً على المحكمة؛ إذ يُلقي في روعها أن المتهم ذو خطورة جُرمية على المجتمع، أو أن أدلة النيابة العامة من المتانةِ بما يُرجح الحكم عليه بالإدانة، وذلك أمر مهما كانت احتماليته ضعيفة، فهو يصل لحد إجهاض العدالة، وبالتالي، ومع القصور التشريعي الذي يواجهنا، يمكن للنيابة العامة، بالوصف الذي تتباهى به دائماً، وهو حماية الشرعية القانونية وتحقيق العدالة، تستطيع أن تسير في شأن الحبس الاحتياطي وفق القيود المتعلقة بالمتهم المقرر حبسه احتياطياً والقيود المتعلقة بالأمر الصادر بحبسه، وذلك على النحو التالي:
أ- كشَفَ الواقع العملي سوء استخدام إجراءات الحبس الاحتياطي وكثرة اللجوء إليه دونما حاجة، فضلاً عن ضرورة، ما اضطر المشرع للتدخل في الكثير من الدول لفرض قيودٍ عدة؛ بهدف ترشيد اللجوء للحبس الاحتياطي حمايةً لحقوق الإنسان عندما يكون مُتهَماً، ومع ذلك بقيت تلك القيود التشريعية قاصرةً عن مُحاصرة التعسف في الأمر بالحبس الاحتياطي، ووضعه في موضعه كإجراء احترازي شديد الاستثنائية.
ففي حين لاتزال التشريعات العربية، بشكل عام، تسير على خُطى التشريع المصري؛ بوصفه أصلها التاريخي، من إجازة الحبس الاحتياطي متى كانت الواقعة جناية، أو جنحة تزيد عقوبتها على ثلاثة أشهر، كما هو المقرر بحكم المادة (-142- من قانون الإجراءات الجنائية البحريني والتي تقابل المادة - 2/134 من التشريع المصري)، نجد التشريع الفرنسي السابق للتشريعين المذكورين بعقود كثيرة يضع قيوداً هي كون عقوبة الجنحة لا تقل عن ثلاث سنوات حتى يجوز الحبس الاحتياطي، ومنعته فيما هو أقل من ذلك الحد. وفلسفة ذلك القيد هي أنه مادام المشرع قد فرض عقوبة الحبس لمدة قصيرة، وأجاز العقوبات البديلة لها فمن باب أولى يكون الحال بالنسبة للحبس الاحتياطي، بوصفه إجراءً احترازياً أثناء مرحلة التحقيق.
حبس الصحافيين والأطفال
كما أن شخصية المتهم لابد أن تكون ضمن القيود على سلطة النيابة في الأمر بالحبس الاحتياطي، كالصحافيين، حيث هناك توجه عالمي لعدم حبسهم إطلاقاً على جرائم تتصل بعملهم، فمن باب أولى أنه لا يجوز حبسهم احتياطياً.
كما يتعين التحوط في حبس الأطفال وفق تعريف الطفل في ظل الاتفاقيات الدولية التي تسمو على التشريع الوطني، من دون التفاتٍ لأي تفسير سياسي لنصوص القانون، بما يطوّح بكل الضمانات القانونية للحقوق والحريات العامة ويهدم فلسفة التشريعات الجنائية التي تقوم على قاعدة أن الشك يُفسرُ لصالح المتهم، فإذا قام الشك هنا في تحديد سن الطفولة وجب حملها على الأصلح واتباع نهج العهود الدولية من أجل ذلك؛ لما فيها من تخفيفٍ على المتهم، كما يتعين وعلى سبيل الاستعجال أن يتدخل المشرع باشتراط تسبيب قرارات النيابة العامة بدلاً من إيرادها بعبارة نمطية «ما لم ترَ النيابة غير ذلك أو إذا رأت النيابة غير ذلك».
ختاماً ندعو بالسلامة لكل أشقائنا المواطنين العرب في هذا الوطن العربي الممتد من البحرِ إلى البحرِ في ظل عدم وضوح الرؤية القانونية بشأن ضمانات المتهم منذ اعتقاله وخلال التحقيق معه ومحاكمته، ثم أثناء تنفيذه لمحكوميته. (انتهى).
إقرأ أيضا لـ "عبدالله الشملاوي"العدد 4265 - الأحد 11 مايو 2014م الموافق 12 رجب 1435هـ
جزء من مهام النيابة هي نيابتها عن المتهم نفسه ولكن:
في البحرين النيابة العامة تمثّل خصما ولا تمثل نيابة فالنيابة يجب ان تكون في موقف الحياد اذا انها تمثل الصالح العام وفي القضايا السياسية من المعروف ان الشعب يطالب بحقوق شعبية هي في الاصل لا تختص بمن يطالب بها ولا يهمّنا من يحاول توصيف بعض المعتقلين بالإرهاب هذا امر لا نعترف به ولا نعيره اهتماما
أمنية
اتمني ان اقرأ مقالا عن حق المتهم عند محاميه و كيف يجب ان يدافع عنه بعد استلام أجورها كاملة مقدما؟ ما هو حقوق المتهم اذا لم يحضر المحامي اية جلسة بعد ذلك؟ و ما هي حقوق المتهم اذا اعتقل و سجن بسبب إهمال المحامي و عدم تقديمه اية مذكرة حول القضية؟ كيف يعوض المحامي المتهم البريئ عن تقصيره؟؟؟؟