قال أمين عام منتدى الحوار العربي الإيراني محمد صادق الحسيني: «إننا مدعوون بإلحاح إلى مصالحة تاريخية بين الدّين والعقل، مصالحة تكون بين الشريعة والحرية اللتين شُوهتا من قبل الدعاة إليها كثيرا حتى صُورتا باطلا بأنهما متضادتان». وأضاف: «الذي علمنا الحوار والتعايش بل والعيش المشترك مع الآخر هو نفسه علمنا المقاومة أيضا وعدم الرضوخ للآخر الذي يريد التحكم بالإنسان وفرض إرادته على إرادة الله».
جاء ذلك في الندوة التي نظمها مركز السنابس الثقافي بعنوان «نحن والآخر» وذلك مساء أمس الأول بقاعة المركز.
في بداية الندوة طرح الحسيني عددا من الأسئلة «من نحن اليوم؟ وأي إسلام نعيش؟ وفي إطار أية حضارة نحيا مسلمين كنا أم مسيحيين شرقيين أو أقليات أخرى عاشت وما تزال في هذا المحيط الشرقي المتنوع؟ ثم من هو الآخر الذي نريد... أو مطالبون بالتعايش معه؟».
ويوضح: «لابد لنا أن نعترف ونقر بأننا لم نعد نحن كما كنا ذات يوم، أي أننا اليوم وبعد مرور أكثر من 14 قرنا على دعوة الإسلام لسنا نحن المسلمون الذين سمع عنا العالم، فنحن اليوم نعيش الغرب ونتنفس حضارته أو مدنيته الغالبة، لكننا لسنا غربيين ولا نستطيع أن نكون كذلك حتى وان أردنا، كما اننا في الوقت نفسه لسنا مسلمين تماما كما نحب ونرضى وإن كنا نود ذلك».
وقد أشار الحسيني إلى ضرورة إعادة صوغ الهوية الدينية التاريخية بما يواكب اللحظة التاريخية الراهنة، وقال: «إعادة صوغ تلك الهوية يعني إعادة تعميم ثقافة العيش المشترك، والعيش المشترك في إطار حضارة مشتركة أهم من التعايش الذي يعني قبول الآخر على مضض، فيما يعني قبول الآخر طواعية وبرحابة صدر».
وقد طرح الحسيني عدة معايير ومقاييس تساعد على إعادة إحياء مثل هذه الثقافة، إذ أوضح: «لابد من أجل ذلك أن نقبل القراءات المتعددة للإسلام، لا أن نقول بقراءة واحدة ومرجعية فكرية واحدة ونهائية للفكر الإسلامي لا تقبل النقد والمراجعة، كذلك لابد أن نتغلب على سيادة وغلبة فقه العزلة والهزيمة بصورة متوازية، وأن نحول هذه القضية إلى ثقافة جماهيرية عامة من خلال تفعيل المشاركة السياسية وغير السياسية لعامة الناس، إلى جانب فصل الهوى وميول السلطات السياسية وبين حقائق وثوابت الدين وضروراته».
وأضاف: «ينبغي أن نتوجه إلى أن تكون السياسة والسلطات السياسية والنخب الاجتماعية في خدمة قيام نظام حكم يستند إلى الأخلاق الدينية من أجل إسعاد الإنسان، بدل أن يكون الإسلام والإنسان الذي جاء من اجله الدين في خدمة السلطة السياسية».
بعد ذلك تطرق الحسيني إلى الآخر «أما الحديث عن الآخر فهي قصة طويلة إذا ما أردنا أن نعيش ونتعايش معه، ويجب ألا نحصر الآخر في الغربي أو المسيحي أو الأميركي، بل هو كل من يعيش على وجه هذه البسيطة بطريقة متميزة عنا نحن المسلمين أو نحن الشرقيين».
وتناول في حديثه رأي الإسلام في التعايش، إذ قال: «في البداية لابد أن نفرق بين دعوة الإسلام كدين ورسالة وبين ممارستنا نحن المسلمين، فالمسلمون بشر مثلهم مثل غيرهم وتحكمهم وتتحكم بهم مجموعة من السنن الكونية التي تنطبق عليهم مثل ما تنطبق على غيرهم».
ويمضي في حديثه «وفيما يخص التعايش مع الآخر، فقد ترك الله سبحانه وتعالى الباب مفتوحا أمام الناس لتكون نظرتهم قائمة على أساس الحيادية والاختيارية المطلقة، وهذا يعني أن الهداية للطريقة اليسرى والفضلى أمر ليس بيد الآخر بل بيد الإنسان نفسه، وأن من يريد أن يساهم في الهداية يجب أن يكون مطلعا على الأشياء كما هي على الأرض، وضرورة أن نتعلم فضيلة الاستماع الايجابي للآخر، ولابد من اعتماد سياسة الحرب الدفاعية إن كانت الحرب لابد منها وعدم اعتماد سياسة الهجوم مطلقا، بالإضافة إلى أن العيش المشترك مع الآخر والتعايش معه في ظل الحوار الدائم يتطلب تعددية واضحة».
وأكّد الحسيني «ضرورة نبذ نظرية التحكم ومنطق الغلبة من أي طرف كان، ولابد من مقاومة الدعوات الملحة للذوبان في الآخر، وأهمية البحث عن الطريق الثالث مهما كان يبدو صعبا، والذي من شأنه إحياء مقولة «أمة وسطا» أي الأمة التي تجمع بين الدين والعقل معا»
العدد 426 - الأربعاء 05 نوفمبر 2003م الموافق 10 رمضان 1424هـ