لدينا سياسة ميتة، وسياسيون لا يبلعون «موساً»، بل يشهرون الأمواس في وجه المجتمع دون حساب. حديث السياسة في الكويت هو حديث «الشيشة»، وجحوظ العين حتى انفجار الشرايين، وانتثار الدم داخلها وخارجها. وأخيراً وليس آخراً، تحسم الموقف «طقطقة» فناجين القهوة.
شعار المرحلة هو التدليس، وتلبيس إبليس، والكذب المباح حتى ظهور الصباح، ومسح الدم بالـ»خرقة»، ومن ثم ارتداؤها على الرأس، بعقال أو بدون عقال، ولتذهب الضحية إلى الجحيم. زماننا هو زمان البوصلة «الخربانة» والمليارات الغرقانة.
في وسط البلد، وقرب أهم مؤسساتها السياسية والاقتصادية، أي عقلها ومخها وضميرها، أو هكذا يفترض، هناك رائحة ترهق الأنوف السائحة وتتعب العيون السارحة. سألني أحد الأجانب عن سرّها، وهي في وسط البلاد، ألم تتعب من ذلك أنوف العباد؟ هل هي المجاري أم أنها همٌّ «جاري»؟ ولماذا نفس الرائحة بطبيعتها الفاضحة، موجودة على شاطئ الشويخ في الجامعة؟
منذ سنين و»بنين»، تابع صديقي الأجنبي، وأنا أزور هذا البلد الصغير، أحب فيه من الأشياء الكثير، كما لا أحب فيه الكثير، أرى فيه هدر الإمكانية بلا حدود، يتعمدها ذئاب وثعالب وأشباه أسود، وتظل تلك الرائحة الكريهة تلاحقني، وفي الليل خاصة تزعجني، فهي كما البيض الفاسد، الذي لا يحسد عليه حاسد. سألت مسئولاً تلو مسئول عن تلك الرائحة الخجول، فهي تظهر في أغلب الأحيان، وتختفي عند مرور مسئول.
تتصارعون، ليلَ نهار ترعدون وتزبدون، حتى ظننت لوهلة صدق نواياكم، هذا يزعم حقاً، وذاك يعيث فساداً، وذلك يقود تنمية الجنون، كيف لتلك الرائحة لا تعالجون؟
زماننا هو زمان البدون، بدون جنسية، بدون سكن، بدون تنمية، بدون شفافية، وبدون صحة، وبدون تعليم، وبدون عدالة، وبدون مساواة، وبدون أشياء أخرى كثيرة، ولكنه بالتأكيد زمن رائحة البيض الفاسد، المتأصلة في وسط البلد وفي شاطئ الشويخ قرب الجامعة، والتي قد تكون مؤشراً على حقيقة ما يجرى. وطالما ظلت هذه الرائحة الفاضحة متغلغلةً في رأس المجتمع، فلا جدوى للحديث عن شيء آخر. وحقت فينا مقولة «كثيرون حول السلطة، قليلون حول الوطن، كثيرون حول المساجد، قليلون حول الله»... ولا حول ولا قوة إلا بالله.
إقرأ أيضا لـ "غانم النجار"العدد 4241 - الخميس 17 أبريل 2014م الموافق 17 جمادى الآخرة 1435هـ